تواجد الأطفال بالمساجد عند صلاة العشاء وعقب صلاة التراويح يلعبون ويصرخون ويبكون ويتجولون بين المصلين ويثرثرون؛ ظاهرة أصبحت توصف بالعادية في رمضان لأنها تحولت مع مرور الوقت إلى صفة تميز الشهر الفضيل وبحكم التعود عليها لم يعد البعض يوليها أهمية بما في ذلك بعض الأئمة.وبين مؤيد ومعارض لوجود الأطفال بالمساجد وضرورة بقاء النسوة ببيوتهن باعتبار أنهن المسئولات عن ما يسببه الأطفال من فوضى بالمساجد؛ استطلعت ''المساء'' الدافع وراء اقتياد الأطفال إلى المساجد، وما رأي الدين في هذه الظاهرة. على الرغم من الملاحظات الكثيرة التي يبديها معظم الأئمة قبل الشروع في صلاة العشاء وكذا صلاة التراويح في ما يخص الامتناع عن جلب الأطفال إلى المساجد لما يحدثه هؤلاء من فوضى وتشويش على المصلين الذين يقصدون بيوت الله بحثا عن الخشوع وبغية الاستفادة مما يقدم بها من دروس إلا أن هذه الملاحظة لا تؤخذ بعين الاعتبار عند عدد كبير من المصلين، لاسيما النسوة اللواتي، على الرغم من اقتناعهن بأن صلاة المرأة غير واجبة بالمساجد، إلا أنهن تقدمن على جمع كل أبنائهن والتوجه إلى المساجد لأداء صلاة التراويح وكأنها بالنسبة لهن فرض واجب. وحول الدافع وراء ذلك، قالت احداهن أنها قلما تذهب للمسجد في الأيام العادية لأداء الصلاة به ونظرا لما للشهر الفضيل من روحانية، تُحب الذهاب إليه لأداء صلاة التراويح والاستماع إلى تلاوة القران الكريم. ولأنها لا يستطيع ترك أبنائها بالمنزل بمفردهم لصغر سنهم، تضطر إلى اصطحابهم معها، إلا أنه يصعب عليها التحكم في سلوكهم بسبب كثرة الحركة. بينما جاء على لسان مواطنة أخرى أنه على الرغم من معرفتها المسبقة بما يسببه طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات من فوضى بالمسجد، إلا أنها تحاول في كل مرة التحكم في سلوكه حتى تتمكن من تأدية صلاة التراويح بالمسجد، كما أنها تعتبر الصلاة بالمسجد في شهر رمضان ذات خصوصية، لذا ترغب في التمتع بها وتضرب ببعض الملاحظات التي توجه إليها نتيجة لما يحدثه ابنها من فوضى عرض الحائط.وفي المقابل، نجد أن بعض النسوة من اللواتي يقصدن المسجد بمفردهن يعربن عن غضبهن من التصرفات اللامسئولة لبعض النسوة اللواتي يجلبن أطفالهن إلى المساجد ثم لا يكترثن لتصرفاتهم وينشغلن بالثرثرة، وهو الأمر الذي دفع بالحاجة يمينة إلى تغير المسجد، حيث قالت ''أعرف أن صلاة المرأة بالمسجد غير ''لازمة'' ولكن بحكم أني لا أملك أي التزامات وبحثا عن الخشوع والاستماع إلى ما يقدم من دروس، أحب الصلاة بالمسجد خاصة في رمضان، إلا أن تحول بعض المساجد إلى روض للأطفال، جعلني أغير المسجد الذي أصلي به هروبا من ضجيج الأطفال وبحثا عن مسجد يقل فيه عدد الأطفال''.أما الحاجة سعاد فقررت التوقف عن الصلاة بالمسجد، بعد أن بات عدد الأطفال المتوافدين على المسجد في تزايد مضطرد، حيث قالت ''كل إمرأة تقصد المسجد تأتي على الأقل بطفلين أو ثلاثة، ولأني لم أعد قادرة على التركيز لكثرة حركة الأطفال وثرثرتهم، قررت الصلاة بالبيت فعلى الأقل أحاول الخشوع وأركز في ما أقوله بصلاتي''.بينما يصف مصطفى سعدون الذي تعود على الصلاة بمسجد الثورة، المساجد بروض الأطفال، خاصة في رمضان وتحديدا عند صلاة التراويح، وقال ''أعتقد أن الأولى لكل امرأة تربي أن تلزم بيتها وتهتم بتربية أبنائها، عوض التشويش على المصلين''. ويضيف ''النسوة اليوم إما رغبة في الراحة بعد الإفطار أو لانشغالهن ببعض الأعمال أو لمشاهدة بعض البرامج يطالبن أزواجهم باصطحاب أبنائهن إلى المساجد، وكأن الزوج ذاهب للنزهة وتنسى أنه يقصد المسجد للصلاة التي تتطلب الخشوع، والأكثر من هذا نجد بعض المصلين يدفعون بأبنائهم إلى الوقوف في الصفوف الأولى وينسون أن تواجد الأبناء بالصفوف الأولى منهي عنه، ويعلق ''أعتقد أن هذا راجع إلى المفاهيم الخاطئة للناس بأمور دينهم''. بينما حدثنا كمال عن رغبته في اصطحاب أبنائه حتى يتعودوا على الصلاة إلا أنه يتعذر عليه منعهم من الحديث أو الحركة، خاصة عند البدء في الصلاة. ماذا عن رأي الدين في الظاهرة؟ يقول زين الدين العربي، إمام بمسجد القصبة وعضو بالمجلس الإسلامي، حول ظاهرة وجود الأطفال بالمساجد وما يسببونه من فوضى إنها ظاهرة ليست بالجديدة، وإنما قديمة وقد حدثت في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلي بالصحابة ثم سمع صوت صبي يبكي، فخفف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته رحمة بالصبي وبأم الصبي. وعندما انتهى سئل عن ذلك، قال عليه الصلاة والسلام من أجل الصبي ورحمة بوالدته. ومن هنا يقول الإمام زين الدين العربي، أخذ الفقهاء و شراح الحديث ضرورة أن يقوم الأئمة بالتخفيف في الصلاة كونها مستحبة ولأنها من السنة فقيل: يخفف في قراءتها ويخفف في أركانها من الركوع والسجود. من جهة أخرى، يرى إمام القصبة أن هذه الظاهرة منتشرة بقوة في جميع المساجد بما في ذلك مكةالمكرمة، والمسجد النبوي الشريف، وعن حكمها الشرعي قال ''سئل الإمام مالك رحمه اللّه، ما حكم من يأتي بالصبي إلى المسجد فقال ''يجوز، لكن بشرطين اثنين هما عدم التشويش على المصلين، وطهارة المسجد''. بمعنى إذا كان الطفل كثير الحركة والكلام وبالتالي يشوش على المصلين لا يؤتى به، وإن كان يصيب فراش المسجد بالنجاسة بحكم صغر سنه فلا يؤتى به أيضا، هذان الشرطان مطلوبان لاصطحاب الأطفال إلى المساجد. وعلى العموم، يقول الإمام زين الدين، بأن ظاهرة اصطحاب الأطفال إلى المساجد موجودة على طول السنة، إلا أن المصلين ينتبهون لوجودها برمضان، لأن المصلي يطيل المكوث بالمسجد لقراءة القران ولأداء صلاة التراويح التي تحب النسوة أداها بالمساجد مما يترتب على ذلك تواجد عدد كبير من الأطفال. وينصح الإمام زين الدين العربي النسوة اللواتي يربين الالتزام بالصلاة في البيوت عوض القدوم إلى المساجد والتسبب في إزعاج المصلين نتيجة لصراخ الأطفال أو بكائهم وعلى الرغم من أنها غير آثمة إن حدث واصطحبت أبنائها إلى المسجد إلا أنها لا تحصل على الأجر كاملا بحكم انشغالها بهم، وبالتالي فقلبها غير متعلق بالصلاة بقدر ما هو معلق بما يفعله الأبناء، وبرأي -يضيف المتحدث- أن السن القانونية التي ينبغي فيها اصطحاب الأطفال إلى المساجد هي سن العاشرة أين يصبح الطفل مميزا وإن حدثناه يفهم ويمكنه أن يجب. وحول استهجان البعض للحال الذي ألت إليه بعض المساجد نتيجة للتواجد الكبير للأطفال بها وما يسببونه من فوضى، دعا الإمام زين الدين العربي إلى النظر للظاهرة من جانبها الإيجابي، حيث قال ''أظن كإمام تواجد الأطفال بالمساجد خاصة في رمضان ليس بالأمر السلبي إلى هذا الحد، ولأننا لا نستطيع أن نمنع الأطفال من دخول المساجد، أعتقد أن تواجد الأطفال ببيوت الله، مسألة محببة لأن ذلك من شأنه أن يحببهم بالمساجد، وهو أمر مطلوب، خاصة في ظل الظروف التي نعيشها أين طغى عليها الغزو الفكري، والإعلامي والتبشير المسيحي، لذا، يقول المتحدث أنه على العكس، ينبغي أن ندفع بالأطفال إلى المساجد ونحث الأولياء على ضرورة تنبيههم بما ينبغي أن يتقيدوا به من تعاليم، وأن يحرصوا على توفر الشرطين اللذان تحدثنا عنهما سالفا وهما عدم تتسبب الأطفال في التشويش على الصائمين كأن يترك الأطفال بساحات المسجد مثلا-.