''هذه المرة الأولى والأخيرة أنتظر بفارغ الصبر خروجي من السجن لاسترجاع أغلى ما يكسبه الإنسان وهي الحرية، لا أستطيع أن أعبر لك عن مدى شوقي إلى أهلي خاصة إلى أمي، كم أتشوق إلى مائدة رمضان في بيتنا، ندمت على كل مافعلت''، بهذه العبارات خاطبني أحد سجناء مؤسسة إعادة التربية والتأهيل بالحراش خلال زيارتنا لهم أول أمس. يقضي 2500 سجين بينهم 110 امرأة، يوميات شهر رمضان خلف أسوار سجن الحراش داخل زنزانات بها ثلاثة جدران رابعها باب حديدي، في كل زنزانة حكاية وهموم، أناس أخطأوا ولكل منهم قصة وحادثة وسر يخفيه بداخله، وجدناهم والابتسامة في محياهم وكلهم نشاط وحيوية لكن وجوههم تخفي ألام فرقة العائلة وشوقا لأجواء رمضانية وحسرة على أنفسهم، هي أجواء رمضانية يحاول فيها نزلاء مؤسسة إعادة التربية والتأهيل بالحراش خلقها بينهم لنسيان همومهم خلال هذا الشهر الكريم. وصلنا إلى سجن الحراش على الساعة السادسة، وبعد إتمام الإجراءات القانونية كتسليم ''التكليف بالمهمة''وترك هواتفنا النقالة، استقبلنا نائب مدير عام المؤسسة السيد كمال الذي يتولى هذا المنصب بالنيابة، بمكتبه، حيث قدم لنا نظرة شاملة عن يوميات المساجين بالإضافة إلى أهم النشاطات التي يقوم بها النزلاء خلال هذا الشهر الكريم، لم نكد نكمل دردشتنا مع مسؤول سجن الحراش حتى سمعنا آذان المغرب، وبعد إلحاح من بعض المسؤولين وحراس السجن تناولنا وجبة الإفطار رفقتهم خاصة وأن المساجين كانوا قد بادروا بالإفطار، تناولنا إفطارنا مع حراس سجن الحراش في جو أقل ما يقال عنه أنه عائلي. جو عائلي رمضاني يخلقه المساجين داخل زنزاناتهم بعد الإفطار توجهنا مع بعض مسؤولي السجن للتعرف على الأجواء الرمضانية التي يقضيها المساجين في زنزاناتهم، وما لفت انتباهنا خلال توجهنا إلى جناح السجناء، هي تلك الأبواب الحديدية العالية المغلقة التي يقف وراءها حراس، والتي تعكس مدى الإجراءات الأمنية المشددة التي تتميز بها المؤسسات العقابية لإفشال أي محاولة هروب من قبل المساجين وكذا عدم التلاعب بالأمن داخل السجن، وبعد مرورنا على جهاز ''السكانير'' استقبالنا مسؤول الجناح في حي الرجال الذي قام بفتح إحدى الزنزانات وهي عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل بها ثلاثة جدران رابعها باب حديدي ينزل بها 15 سجينا، وبعدما قدمنا مسؤول الإدماج الذي كان برفقتنا، تقربنا من هؤلاء الذين حاول كل منهم إكرامنا بما يملك من شاي وقهوة وفاكهة المقدمة لهم من طرف إدارة السجن وقفف عائلاتهم التي يتقاسمونها بينهم حسب أحد المساجين. سلسلة ''جمعي فاميلي'' تصنع الحدث ومباريات ''البارصا'' حديث المساجين لم نشعر ونحن نتحدث مع هؤلاء المساجين وكأننا في سجن، الذي يتخيله الجميع ذلك الجحيم الذي يسلب المرء كل شيء، بفعل حيوية وخفة روح المساجين التي ميزت جلستنا معهم كعبارة ''أشرب وكول ولا نقريسيك'' التي قالها لنا أحد السجناء الذي يقضي عامه الثامن عندما استسمحناهم عن الأكل وهي العبارة التي أضحكت الجميع، وخلال حديثنا معهم عن الأوضاع داخل السجن أجمع كلهم بالمعاملة الحسنة التي يتلقونها من قبل حراس السجن، لكن افتقادهم لجو العائلة والأهل والأصدقاء هو الشيء الذي يؤرقهم، وهو ما جعل الكثير منهم يقسم بأن لا يعود إليه بعد خروجه في إشارة إلى التوبة، أما السؤال الذي يطرحه عليك هؤلاء هو استفسارهم عن العفو الرئاسي التي عادة ما يقره رئيس الجمهورية خلال ليلة القدر أو في عيد الفطر خاصة وأن الصحفي بالنسبة لهم هو الذي يملك مثل هذه الأخبار. أما عن السهرة الرمضانية فسلسلة ''جمعي فاميلي'' التي بيثها التلفزيون الجزائري بعد الإفطار أول ما يشاهده ويتسلى به نزلاء سجن الحراش، وهو ما وقفنا عنده خلال دخولنا إلى الزنزانة بالإضافة إلى مباريات كرة القدم التي تبثها قناة الجزيرة الرياضية خاصة مباريات ''البارصا'' و''ريال مدريد'' التي يناصرها أغلب المساجين. وبالنسبة لأعمار السجناء ال15 الذين قمنا بزيارتهم فتتراوح بين 28و55 سنة، أغلبهم يقضي عقوبة تتراوح بين 5 و13 سنة حسب ما صرح به هؤلاء، لكن أغلبهم يستفيدون من إجازة تصل الى 10 أيام لزيارة أهاليهم بالنسبة للمحكوم عليهم كعمي محمد الذي عاد منذ 3 أيام من بيته العائلي، وحسب أحد المسؤولين فإن الإجازة تمنح للمساجين ذوي السيرة الحسنة والذين يعملون داخل السجن في مجال الطبخ والنجارة والتلحيم وغيرها من الأعمال. ثلاث قنوات متنوعة وقناة ''أمل'' للتخفيف على المساجين تنقلنا بعدها إلى غرفة بث قناة ''أمل'' وهي قناة تبث برامجها إدارة السجن إلى كل الزنزانات ابتداء من الساعة الرابعة مساء إلى غاية منتصف الليل، حيث تقوم هذه القناة التي يشرف عليها مختص بتسجيل أفلام، حصص، مسلسلات، مباريات في كرة القدم وسكاتشات للترفيه عن المساجين لبثها على النزلاء من الرجال والنساء، وحسب المشرف على القناة تتم معالجة كل البرامج التي يتم بثها على المساجين من خلال حذف كل اللقطات التي تدعو إلى العنف، كما يتم عبر القناة بث كل الإعلانات والأخبار التي تهم حياة المساجين كالوثائق المطلوبة للتسجيل في التكوين. وبالإضافة إلى قناة ''أمل'' يشاهد المساجين ثلاث قنوات أخرى هي القناة الوطنية الأرضية وقناة دينية. أطباق رمضانية عند الفطور والحليب والبريوش في السحور تتمثل وجبة المساجين في سجن الحراش من طبق شربة فريك وطبق ثان وسلاطة، بالإضافة إلى القهوة، أما السحور فيتم توزيع الحليب والبريوش، أما المرضى منهم فيتناولون أطباقا تتناسب وأمراضهم، وحسب نائب المدير العام للمؤسسة العقابية بالحراش الذي رافقنا إلى مطبخ السجن فإنه يتم خلال كل شهر رمضان زيادة ميزانية الطعام. كما تسمح إدارة السجن بهذه المناسبة للسجناء بالاستفادة من قفة ثانية في الأسبوع من قبل عائلاتهم ويتقاسم المساجين قفف عائلاتهم بينهم في مشهد يدل على مدى التآخي والتضامن الذي يميز المساجين. الطبعة الرابعة لفرسان القرآن الكريم في طبعتها الرابعة نظمت إدارة سجن الحراش مسابقة دينية في حفظ القران الكريم وتجويده للرجال والنساء، وككل سنة، تقوم المديرية العامة لإدارة السجون بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية بتنظيم مسابقة فرسان القرآن الكريم التي تشرف عليها لجنة مكونة من إمام ورئيس مصلحة الإدماج والاحتباس ومرشدة دينية بالنسبة للنساء بالإضافة إلى أخصائية نفسانية، وتقوم هذه اللجنة بانتقاء ال10 الأوائل وتعلن عن نتائجها في ال27 من رمضان في سهرة الاحتفال بليلة القدر وتخصص عدة هدايا للفائزين، ويتزايد تسابق نزلاء سجن الحراش على هذه المسابقة كل سنة حسب أحد السجناء الذي ختم كتاب الله وهو مرشح للفوز بهذه المسابقة بعد ما أتم حفظ القرآن خلال سنتين. مسابقة دينية وفكرية وسهرات شعبية ومدائح في رمضان كما يتم تنظيم مسابقات فكرية وثقافية في القصة والشعر والخط العربي وكذا في الرسم والأشغال اليدوية خاصة بشهر رمضان، بالإضافة الى ندوات دينية كل مساء يشرف عليها أستاذ في العلوم الإسلامية، توجهنا بعدها إلى قاعة الحفلات أين وجدنا بعض المساجين يستمتعون بأغاني المرحوم ''كمال مسعودي'' أدتها مجموعة من السجناء في قعدة شعبية لا توحي أننا كنا رفقة مساجين داخل سجن الحراش. وخلال دردشة مع بعض النزلاء حول يومياتهم الرمضانية كشف لي أحد السجناء أن الشهر الكريم فرصة لهم للتكفير عن الذنوب من خلال حفظ القرآن الكريم ومطالعة الكتب الدينية، أما ''عمي محمد'' المتخصص في رياضة كمال الأجسام فيقوم بدعوة الشباب للكف عن التدخين وكسر الروتين من خلال تدريبهم رياضة كمال الأجسام وبعض الرياضات الأخرى. ويفضل آخرون إكمال دراستهم مثل السعيد الذي تحصل على 4 شهادات باكالوريا حيث يجتهد طوال السنة. تركنا نزلاء سجن الحراش كلهم أمل في غد أفضل، متمنين لهم الرجوع إلى حياة عادية سليمة من المشاكل التي أدت بهم إلى السجن.