مع دنو موعد العودة إلى المدارس، دخلت العديد من العائلات الجزائرية في زحمة تسوق جديدة بحثا عن اللوازم المدرسية، وهي مناسبة إنفاقية ثالثة على التوالي بعد مناسبتي رمضان وعيد الفطر المبارك، وبالتالي ضغط مالي ثالث يرهق ميزانية المواطنين البسطاء الذين وجدوا أنفسهم بين خيارين لا ثالث لهما..إما السلع الصينية ذات الجودة الغالية وإما الرخيصة الرديئة في استمرار الغياب شبه الكلي للمنتوج المحلي على مدار العقدين الأخيرين تقريبا. استجابة لمتطلبات العام الدراسي الجديد، بدأت العائلات الجزائرية رحلة جديدة تستهدف الميزانية المالية مرة أخرى،لاسيما وأن العديد من المكتبات عمدت إلى رفع أسعار اللوازم المدرسية في ظل زيادة الطلب على بضائعها، بحسب ما كشفته الجولة الاستطلاعية التي قامت بها ''المساء''. فلم تكد زحمة التسوق الرمضانية تختفي حتى عادت في أقل من ظرف أسبوع نظرا لبدء العد التنازلي لموعد العودة إلى مقاعد الدارسة، ليعود معها هم لهيب الأسعار الذي لا يرحم الجيوب في المناسبات، فرغم أن المكتبات والأسواق اكتست حلة مدرسية نظرا لكثرة وتنوع معروضاتها، إلا أن المشكلة التي تتكرر كل سنة هو أن عرض البضائع يكثر، في حين أن الأسعار ترتفع بدلا من أن تنخفض أو تستقر، متناقضة بذلك مع قاعدة السوق والعرض والطلب. وبالأسواق الشعبية، على غرار سوق ساحة الشهداء، تعرف العديد من المستلزمات المدرسية انتعاشا من حيث الأسعار، وهو ما جعل المواطنين يتهافتون لاقتنائها، وبهذا الشأن صرح بعض الزبائن أن أسعار الأدوات المدرسية المعروضة فيها مقبولة نوعا ما مقارنة بتلك التي أشهرها بعض أصحاب المكتبات في مناطق مختلفة من العاصمة. أسعار الحقائب المدرسية في المكتبات على سبيل المثال تأرجحت بين 950 دج و1950دج حسب الحجم والنوعية، وأسعار كراريس 96 صفحة تتباين بين 66 دج و78 دج فيما ينخفض السعر إلى 44 دج في بعض المكتبات. كما يتأرجح سعر المقص في المكتبات ذات البضاعة الجيدة مابين 135دج و270 دج. وفيما يتعلق بالمآزر، فقد تراوحت المحلية منها بين 300دج و400دج، بينما يمكن اقتناء مئزر مستورد بأسعار متفاوتة تتأرجح بين 800دج و1200دج في المتوسط، حيث يصل بعضها إلى 1900دج. تواصل الاجتياح الصيني لسوق اللوازم المدرسية خلال معاينتنا الميدانية، لفت انتباهنا بأسواق العاصمة اجتياح المنتوجات الصينية السوق، وهي الظاهرة التي تسود في الجزائر منذ عدة سنوات في غياب البديل المحلي، انطلاقا من الكراريس، المباري، الحقائب المدرسية، الأقلام بجميع أنواعها، مرورا بالغراء والمقص وانتهاء بالعجينة المشكلة،المقلمات وغيرها من السلع المدرسية التي تتخذ أشكال ألعاب أو أشكالا فنية مبتكرة في غاية الجاذبية، وألوانا مثيرة وكذا رسومات مختلفة، أهمها تلك التي تجسد أبطال الرسوم المتحركة التي يعشقها الأطفال وبعض الوجوه التلفزيونية البريئة المشهورة في عالم الطفولة. وبهذا الخصوص، أوضح صاحب مكتبة عتيقة بباب عزون بصيغة من التحسر أن جميع السلع المعروضة ليست محلية بل هي مستوردة. وأردف قائلا ''كل السلع الموجودة في مكتبتي صينية الصنع تقريبا فنحن لا ننتج شيئا من السلع المدرسية تقريبا''.. ثم أحضر كراريس كانت بحوزته ليطلعنا على البلد المنتج والذي كان ممثلا في تونس. وقال مبديا أسفه ''هذا عيب فحتى الكراريس نستوردها .. 98 بالمائة من المستلزمات المدرسية مستوردة، وما تحويه مكتبتي من بضاعة محلية لا يخرج عن نطاق الطباشير وأغلفة الكراريس''؟ هذا هو واقع الأدوات المدرسية شأنها شأن اللوازم الأخرى، وهو ما أثر سلبا على نشاط العديد من الصناعات كصناعة القماش في هذا الشارع العتيق وغيره من المناطق في الجزائر، في وجود عدة بارونات حطمت سوق الإنتاج المحلي في الجزائر منذ التسعينيات، مقابل الترويج للمنتوج الأجنبي، كشف المصدر. وبهذا المحل الذي تنخفض فيه حمى أسعار المستلزمات المدرسية قليلا مقارنة ببعض مكتبات الجزائر الوسطى، أشار المتحدث إلى أنه اقتنى البضائع المدرسية خلال موسم التخفيضات في شهر جانفي المنصرم، ليعرضها في هذا الموسم دون اللجوء إلى رفع أسعارها خلافا لبعض التجار. الأسواق الشعبية للهروب من لسعة الأسعار ويعد فارق الأسعار المسجل في الأسواق الشعبية محسوسا، حيث ينخفض سعر كراس 96 صفحة إلى30 دج على سبيل المثال، وعن ذلك أقرت سيدة كانت بصدد اقتناء مقلمة لطفلها بسعر 100دج بأنها تلجأ إلى سوق ساحة الشهداء طمعا في أسعار ترحم ضعف إمكانياتها المالية..واستطردت بأن الأسعار في هذا السوق منخفضة كثيرا مقارنة بتلك المسجلة في المكتبات، لكن الجودة غير مضمونة،لافتة إلى أنها مطلقة ولا تملك مصدرا ماليا، وأنها تلبي احتياجات طفلها المدرسية من صدقات الأقارب، ولولا انعدام مواردها المالية لقصدت المكتبات التي توفر سلعا ذات جودة، غير أن بائعا بالسوق أكد أن الفارق في الأسعار لا يرتبط بالضرورة بالنوعية، مشيرا إلى أنه يقتني سلعا بالجملة ويعمد إلى بيعها بالتفصيل دون المبالغة في الأسعار. مواطنة أخرى قصدت سوق ساحة الشهداء من عين طاية أكدت أيضا أن ليس كل ما يعرض من منتجات في هذا السوق رديء النوعية، بل هناك منتجات بنفس مستوى جودة البضائع المعروضة في المكتبات، إلا أن فارق الأسعار بينهما شاسع ويصل إلى 50 بالمائة في العديد من الأحيان. وروت المتحدثة ل ''المساء'' بأنها اشترت منذ فترة مئزرا لابنتها من مدينة عين طاية بسعر 600دج، وتفاجأت عندما وجدت نفس المئزر يباع بسعر350 دج في سوق ساحة الشهداء، التي تعد بالنسبة لها المنقذ من حرائق الأسعار. وتابعت لتوضح بأنها سجلت من خلال جولاتها الشرائية فارقا كبيرا في الأسعار التي تم إشهارها على مستوى المكتبات والمحلات والأسواق عموما. وختمت المواطنة حديثها بالقول ''مستوى أسعار اللوازم المدرسية التي عرفت قفزة ملحوظة في هذا الموسم لا يتوازن تماما مع دخل المواطن البسيط، ولحسن الحظ قمت بتخصيص ميزانية لشراء احتياجات أطفالي الثلاثة اعتمادا على إستراتيجية الادخار." وبإحدى مكتبات الجزائر الوسطى، أفادت ربة بيت بأن أسعار اللوازم المدرسية مبالغ فيها كثيرا..وذكرت بأنه قد طالتها زيادات كبيرة، حيث أنها كانت قبيل رمضان أقل بكثير مما هي عليه الآن. وأضافت: ''هذا كثير، لم تكد الميزانية تتنفس الصعداء من متطلبات رمضان والعيد حتى عقبهما الدخول المدرسي الذي كرس فيه العديد من التجار الفجوة بين دخل المواطن والقدرة الشرائية." سيدة أخرى كانت برفقة ابنتها في نفس المكتبة اعتبرت أيضا أثمان البضائع المدرسية مرتفعة جدا..وجاء على لسانها: ''هي مناسبة محرجة للأولياء، لاسيما بالنسبة للأسر أحادية الدخل..ويزداد الحرج عندما تكون ربة البيت غير مؤهلة لتسيير الميزانية أو ترفض اللجوء إلى بعض الطرق العملية المتاحة للتخفيف من ضغط مصاريف الدخول المدرسي كاستخدام الأدوات القديمة. واستكملت حديثها ل ''المساء'' قائلة: ''لا أخفي عليكم أني شخصيا لم أجد مانعا في قبول مئزر ومحفظة مستعملان من صديقة لي..فقد قمت بتنظيفهما لتستخدمهما طفلتي خلال هذا الموسم الدراسي." وأضافت في سياق متصل أن أطفالها متفهمون إذا غرست فيهم الشعور بالمسؤولية وتقدير ظروف والدهم المادية، ولهذا تجدهم لا يتوانون في استعمال النقود التي جمعوها في مناسبة عيد الفطر لاقتناء بعض اللوازم المدرسية. بصفة عامة، ازداد الإقبال على المكتبات والأسواق على حد سواء في هذه الآونة، والتي تفنن أصحابها في عرض بضائعهم بأعداد كبيرة وأصناف متنوعة لتلبي جميع الأذواق، لكن الأسعار حسب الجولة الاستطلاعية وتأكيدات العديد من الزبائن لا تلائم جميع الفئات الاجتماعية، خاصة في وجود تفاوت ملحوظ في الأسعار من سوق إلى آخر ومن مكتبة إلى أخرى..وفي هذا الصدد، يتساءل البعض من محدثينا عن سبب التغاضي عن هذا التلاعب بالأسعار، والذي يحول دون العثور على سلع جيدة بأسعار مناسبة. بين زحف الفضاءات التجارية الكبرى وفوضى اقتصاد السوق وعبر اتصال هاتفي، طرحت ''المساء'' هذا الانشغال على الأمين العام الوطني للشؤون الاقتصادية بالاتحاد العام للتجار الجزائريين والحرفيين، سعيد قبلي، فأوضح أن التلاعب في الأسعار مرده إلى طبيعة اقتصاد السوق الذي يصعب معه التحكم في السوق، لافتا إلى أن موسم الدخول المدرسي يعد بالنسبة للتجار الفرصة المناسبة لتحقيق التوازن من خلال رفع الأسعار لتعويض الركود الذي تعرفه تجارتهم في سائر الأيام الأخرى. وأضاف الخبير الاقتصادي بأن زحف الفضاءات التجارية الكبرى على حساب محلات التجار الصغار ساهم إلى حد ما في ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية، منبها إلى أن غياب آليات لتشجيع هؤلاء التجار الذين تحتضر تجارة معظمهم، أثر كثيرا على ميزانية المواطن البسيط الذي كان يلجأ في عقود مضت إلى تاجر الحي لتلبية احتياجاته أبنائه المدرسية اعتمادا على الدفع المؤجل الذي يكاد يختفي تماما في ظل التقلص المستمر في عدد التجار الصغار، حيث أن وغياب هذا الحل المؤقت حاليا أثقل كاهل العديد من المواطنين، خاصة وأن الدخول المدرسي صار يتزامن مع رمضان والعيد. وعن ظاهرة اجتياح المنتوج الأجنبي للأسواق مقابل الغياب الشبه الكلي للمنتوج المحلي، أجاب المصدر بأنه منذ فتح الباب أمام المنتوج الأجنبي والآسيوي بصفة خاصة، غابت سياسية الاهتمام بالمنتوج الوطني التي كانت سائدة من قبل ومدعمة بقوانين تحمي الإنتاج الوطني. وقال السيد سعيد قبلي أن رواج المنتوج المستورد على حساب المحلي نتيجة منطقية في غياب تلك السياسة عن الساحة الاقتصادية، مبرزا أنه ليس من الغريب أن يعجز المنتوج المحلي لدولة استقلت منذ عقود على أن ينافس منتوجات دول جد متقدمة في المجال الصناعي.