سروال في حالة هبوط عن مستوى الخصر، قميص قصير وملابس داخلية ظاهرة... هي من أكثر موضات اللباس التي تستهوي العديد من شبان اليوم، فلا حاجة لحزام يرفعه إلى السرة، ولا حرج في تبني هذه الصرعة الأمريكية التي تُظهر عظم الخصر... وما خفي أعظم عند الانحناء.. ومع هذا يتواصل رواج هذا الإستفزاز الإجتماعي إلى حين!! لاشك أن هذه الموضة الرائجة وسط شبابنا منذ السنوات الأخيرة تخلف وراءها الكثير من التساؤلات أهمها: هل هي بريئة؟ ذلك أن الواقع المعاش أثبت عدة مرات أن الموضة ليست بريئة، وأنها كغيرها من الوسائل تُستخدم للترويج لدلالات تختفي بين خيوط النسيج أو لتوصيل رسالة مباشرة للأطراف التي تقف وراء مُروّجيها. وحول هذه الصرعة المنتشرة التي تعد جد ملفتة في مجتمع ما زال يتمسك بالمظهر والسلوك المحافظ، استطلعت آراء بعض الشباب وباعة الملابس. وبحسب شهادات من شملهم الاستطلاع، يتجلى أن المجتمع الجزائري ما زال يشهد مع كل موجة لباس جديد ظهور انتقادات للشباب الذين يواكبون سير ما يصطحبه قطار العولمة. الانطباع العام يوحي بأن الكثير من الناس ما زالوا يرفضون التسامح مع الخروج على المظهر والسلوك المحافظ المتوارث في المجتمع الجزائري. أحب موضة نجوم الهيب هوب سوليد''، تلميذ في إحدى إكماليات الجزائر الوسطى، يعتقد أن لباسه مناسب، ويشير إلى أنه غير مكثرت بظهور ملابسه الداخلية. ورغم بعض التعاليق الساخرة التي يلقيها الزملاء على مسامعه أحيانا، إلا أنه لا يغير ملابسه، فهو لا يبدي اهتماماً بالنظرة الاستخفافية التي يراها في عيون البعض، ويقول إنه معجب ومولع باتباع ما اعتبره موضة فناني ''الهيب هوب''، ولذلك لا يجد أي داع لتغيير سرواله ''الواسع المتساقط'' أياً كانت الانتقادات، مضيفا أن أولياءه لم يعترضوا على ارتدائه لهذا النوع من السراويل التي يحبها. بائع ملابس رجالية بشارع العربي بن مهيدي قال أنه لا يجد أي مانع في بيع هذا النوع من السراويل التي تُلبس بلا حزام طالما أنها مطلوبة، لافتا إلى أن الأمر يتعلق بموضة لباسية ليس إلا. عيب ..وقرف وعلى النقيض من ذلك، يرى بائع ملابس رجالية بنفس الشارع أنها موضة مقرفة وتافهة، مبرزا أنه لا يفكر إطلاقا في المتاجرة في هذا النوع من السراويل غير اللائقة. بائع ملابس آخر بالنفق الجامعي ذهب في نفس الاتجاه ليبرز أن ظهور أجزاء من أجساد الشبان وملابسهم الداخلية خدش للحياء العام، وأكد أن الكثير من الشبان يتنافسون في اتباع هذه الموضة التي راجت بشكل ملفت، بل أن الفتيات أيضا يتبعن تلك الموضة، ويلبسن سراويل لا تختلف كثيراً عن تلك التي يلبسها الشبان. وعلق على الموضوع ''الآباء أول من يتحمل مسؤولية انتشار هذه الصرعة التي تعتبر نوعا من أنواع الغزو الثقافي لشبابنا''. وعن وضعه لتجار هذا النوع من الموضة في قفص الاتهام، أجاب ''طبعا لديهم نصيب من المسؤولية في رواج هذه الموضة التي تتنافى والمبادئ التربوية التي نشأنا عليها، فبعض التجار ينظرون إلى المسألة من منظور تجاري... وبالتالي لا يفوّتون فرصة الاستجابة للطلب على سلعة تدر أرباحا''. واستكمل حديثه ل ''المساء'': ''انتشار هذا النوع من السراويل عيب يترجم أساسا استقالة العديد من الأسر عن أداء واجبها التربوي''. واستشهد المتحدث بتجربته مع ابنه الذي جرب ذات مرة فكرة ارتداء سروال منخفض عن الخصر، فقال: ''وبّخته على الفور وما كان عليه إلا الإمتثال لأمري، ولم يعاود الكرة أبدا من ذلك اليوم''. وأردف التاجر أنه لا يقبل أبدا أن يبيع السراويل الساقطة من منطلق أنه لا يريد أن يلحق بأبناء الغير الضرر الأخلاقي الذي لا يرضاه لابنه. مجموعة من الشبان التقت بهم ''المساء'' بالقرب من ثانوية بابا عروج بالجزائر الوسطى، انتقدوا هذه الموضة التي اعتبروها غير لائقة... وأثناء تجاذب أطراف الحديث حول الموضوع، رفع أحدهم جزء من قميصه ثم قال ضاحكا: ''انظري أنا أضع حزاما لسروالي''... واسترسل: ''أنا أقلق من الشبان الذين يسمحون لأنفسهم بارتداء تلك السراويل التي يتطلب الوصول إلى جيوبها الانحناء تماما إلى الأسفل''. وأشاروا جميعهم إلى أنهم لا يرافقون من يرتدي هذا النوع من السراويل، بل يحرمون عليه الانضمام إلى شلتهم، ما دام مصرا على ارتداء سروال لا يستقر على مقعد. وتعليقا على الظاهرة، أشارت الإعلامية ''سامية.ك'' إلى أن مشهد شاب يسير بسروال في حالة نزول مثير للتقزز، وشددت على أهمية تدخل الدولة في هذا المجال لمراقبة ملابس طلاب المدارس، على غرار ما فعلته العديد من الدول الغربية التي تفطنت إلى الانعكاسات الأخلاقية لهذا النوع من الموضة. موضة خرجت من سجون أمريكا والجدير بالذكر، بخصوص هذه الظاهرة الغريبة علينا، هو أن عدة وسائل إعلامية كانت قد تناقلت فيما مضى أخبارا عن عدة ولايات ومدن أميركية سنت قوانين تحذر من ارتداء السراويل المنخفضة، على اعتبار أن ارتداء مثل هذه السراويل تصرف غير لائق وجريمة يعاقب عليها القانون. وحسب التقارير، فإن رجال قانون أمريكا كشفوا أن السراويل المنخفضة راجت عن طريق فناني موسيقى الراب، بعد ظهورها أولاً بين السجناء كعلامة على تطلعهم لممارسة الجنس، باعتبار أن إدارة السجون كانت لا تعطي السجناء حزام السروال منعا لاستخدامه في المشاجرات أو للانتحار، مما يؤدي إلى سقوطها إلى أسفل الخصر أو أكثر، فيظهر السروال الداخلي للسجين... من هنا ظهرت موضة ''سروال أسفل عظم الخصر''، وانتشرت بداية في المجتمعات الإجرامية في أحياء السود بأمريكا. ثم انتشرت وسط المغنين ونجوم الراب وموسيقى الهيب هوب التي يرقص المطربون على أنغامها مع ظهور ملابسهم الداخلية وكلهم ثقة بالنفس. ويقول الخبراء أنه بعد أن استوحى مصممو الأزياء فكرة هذه الموضة التي ابتكرها أساسا السجناء والشاذون، عملوا على إغراء الشبان والشابات بها، بهدف زيادة مبيعاتهم من الملابس الداخلية باهظة الثمن، كون أن هذا النوع من السراويل يكشف نوع العلامة التجارية للملابس الداخلية ويعمل بالتالي على الترويج لها. تقليد يغذيه ضعف دور الأسرة التربوي وتشرح الأخصائية النفسانية ''سهام بداوي'' أنه من أهم العوامل التي ساعدت على ظهور هذه الصرعة وانتشارها في مجتمعنا هو قلة وعي الشباب الذين يميلون إلى التقليد الأعمى بدون معرفة حيثيات الموضة المستوردة وأهدافها، معتقدين أنهم بذلك يواكبون العصر، وهو ما ينطبق بصفة خاصة على فئة المراهقين. وتوضّح أن المراهق يميل غالبا إلى اتباع الموضات اللباسية المروج لها وقصات الشعر الوافدة من الثقافات الأجنبية،وهي ميولات طبيعية وسط هذه الشريحة،حيث يشرع المراهق في التقليد ليعيش على طريقته الخاصة..وتتنوع في هذا الصدد الميولات لتتأرجح بين الميل للتدين وبين الميل لتبني الثقافات الوافدة في زمن العولمة وانتشار وسائل الاتصال الحديثة. وأضافت أن المراهق يلجأ عادة إلى تقليد الجماعة التي تأثر بها لتحقيق التواصل وكذا الاندماج معها، لهذا تجده يرتدي ما يرتديه أفراد الجماعة التي ينتمي إليها ليشعر بأنه مثلهم، ويفرض بالتالي وجوده في محيطه الاجتماعي. ومن هنا تظهر أهمية الدور التربوي-تتابع الأخصائية النفسانية- في ضبط سلوكات المراهقين، حيث أنهم يتمردون على الموانع الأسرية، مع احتمال ممارسة بعض المكبوتات بعيدا عنها. فما تغرسه الأسرة من قيم تبقى غالبا راسخة، وهذا ما يفسر الاختلاف الكبير في سلوكات المراهقين، حيث نسجل تباينا في السلوكات وسط الأقران، يبدو جليا من خلال إقبال البعض على تبني العادات والثقافات الدخيلة وعزوف البعض الآخر عنها... وهذه المفارقة يفسرها مدى التزام الأسرة بأداء دورها التربوي من عدمه. ولدى تحليل الشخصية، بناء على الدراسات المقارنة، يتجلى أن المراهقين الذين لا يسيرون في المنحى السلوكي العام للمجتمع يعانون عادة من غياب التواصل داخل أسرهم نتيجة للتفكك الأسري، أو أن سلوكهم قد يعبر في الكثير من الأحيان عن نزعة تمرد على الأسرة المتشددة التي لا تجيد إمساك العصا من الوسط، فتكثر من النواهي والأوامر إلى درجة تولّد تذمّر لدى الطفل عندما يصل إلى هذه المرحلة الحساسة، تضيف الطبيبة النفسانية. لباس لا يصح شرعا وختاما، أكد إمام بمسجد ابن فارس وعضو بالمجلس العلمي للإفتاء، زين الدين العربي، أن هذا اللباس لا يصح ارتداؤه شرعا، لأن فيه مخالفة شرعية نظرا لظهور عورة الرجل المغلظة والخفيفة من دبره. ونبه الإمام المفتي إلى أنه من الضوابط الشرعية للباس الرجال ستر العورة المغلظة والخفيفة، لذا فإن الصلاة بالسروال الذي ينزل إلى ما قرب عظم الحوض باطلة لظهور العورة في الركوع والسجود. وأشار المفتي زين الدين العربي إلى أن هذه الظاهرة اللباسية، الآتية من سجون أمريكا، تذكرنا بالحديث الشريف الوارد في الصحيحين، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ''لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، ولو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم''، وجاء في روايات الحديث قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال فمن؟ وهذا التشبيه في المتابعة (شبرا بشبر وذراعاً بذراع) كناية كذلك عن شدة الموافقة معهم في المخالفات والمعاصي. كما جاء في مسند الإمام أحمد قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ''من تشبه بقوم فهو منهم.