بدأ عدد المدربين الأجانب الذين ينشطون في البطولة الوطنية لكرة القدم، لا سيما الأوروبيين منهم، يتراجع هذا الموسم مقارنة مع ما كان عليه الحال الموسم الفارط. وهي الظاهرة التي فتحت النقاش على مصراعيه بين المؤيدين والمعارضين لخيار المدرب الأجنبي في الجزائر. ويتساءل كثير من المراقبين والمختصين في الكرة الجزائرية عن أسباب هذا التراجع وهل الأمر راجع إلى رغبة المسيرين في إعادة الاعتبار للمدرب المحلي أم أن هذا الخيار تمليه ظروف معينة تفرضها الأزمة المالية التي تتخبط فيها عديد الفرق. وبعدما كان عدد التقنيين الأوروبيين في الجزائر قد وصل إلى ستة مدربين، نزل إلى النصف بعد ثلاث جولات من انطلاق المنافسة الرسمية إذا ما احتسبنا السويسري ألان غيغر الذي التحق بوفاق سطيف. وبعودة غيغر للعمل في الجزائر (درب شبيبة القبائل من قبل)، فإنه ينضم إلى الإيطالي جيوفاني سوليناس (شباب بلوزداد) والفرنسي هرفي رونار (اتحاد العاصمة) ممثلين عن القارة العجوز في بطولة الرابطة المحترفة الجزائرية الأولى، كما يعوض غيغر زميلا أوروبيا آخر هو الفرنسي كريستيان كاستيلان الذي لم يعمر لأكثر من مباراة رسمية واحدة في وفاق سطيف، والأمر نفسه ينطبق على البرازيلي دوس سانتوس مع شباب قسنطينة، هذا الأخير عوض فقط بمدرب محلي (رشيد بوعراطة). ولا يقتصر تواجد الإطارات الأجنبية في الجزائر على الكفاءة الأوروبية لأن الكرة العربية ممثلة أيضا بمدربين اثنين هما العراقي عامر جميل (شباب باتنة) والفلسطيني حاج منصور (مولودية وهران)، لكن هذان المدربان ينظر إليهما بأنهما محليان أكثر منهما أجنبيان لتعودهما العمل في الجزائر منذ سنوات طويلة جدا. وما دام الأمر كذلك فإن السؤال الذي يطرح هو عن سر التوجه الجديد لأغلبية المسيرين في النوادي الجزائرية المتمثل في الرهان أكثر على الطاقات المحلية. ولعل الخلاصة التي تجمع عليها الكثير من الآراء هي أن أغلبية المدربين الأجانب الذين غزو البطولة الوطنية في السنوات الأخيرة لم يقدموا الإضافة المرجوة. أصحاب هذه الآراء يتحججون بالمستوى المتواضع جدا الذي يميز مباريات البطولة الجزائرية، وهي الملاحظة التي وقف عليها المدرب الجديد للمنتخب الوطني وحيد حاليلوزيش. بين نقص الأموال ورد الاعتبار للمدرب المحلي ولم تستغرق عملية ''تشريح'' الكرة الجزائرية وقتا طويلا عند المدرب البوسني حاليلوزيش، حيث سارع إلى التعبير عن قلقه بخصوص المردود الذي يقدمه اللاعبون المحليون في مباريات البطولة الوطنية، بناء على بعض المقابلات التي حضرها وهو ما جعله يصدر حكما ''أسود'' على المستوى الحالي للكرة الجزائرية. سهناك عمل كبير ينتظر الأندية الجزائرية''، ما انفك يردد المدرب السابق لمنتخب كوت ديفوار في كل تصريحاته الصحفية، ما يعني في نظر الكثير أن الاعتماد الكبير على المدربين الأجانب في البطولة الجزائرية خلال السنوات الأخيرة لم يساهم كثيرا في الارتقاء بمستوى اللاعبين المحليين. هذا الحكم يبدو كافيا بالنسبة لعبد الكريم مدوار، رئيس فريق جمعية الشلف، بطل الطبعة الأولى من البطولة المحترفة في الجزائر، كي يتشبث بموقفه من المدربين الأوروبيين ويواصل الاعتماد على المنتوج المحلي. ولم يتردد مدوار في تأكيد هذا الاعتقاد بوضع الثقة في مدرب محلي (نور الدين سعدي) بعد مغادرة مدربه السابق مزيان ايغيل الذي قاد''الشلفاوة'' الموسم الماضي للتتويج بأول لقب للبطولة الوطنية في تاريخهم. سعندما قرر ايغيل الانسحاب من الفريق لم أفكر لحظة في اللجوء إلى مدرب أجنبي لأن ذلك يتعارض مع منهجيتي. لهذا السبب سارعت للاتصال بالمدرب الوطني السابق رابح سعدان الذي اعتذر عن المجيء، ما جعلني أصوب أنظاري نحو نور الدين سعدي الذي اتفقت معه بسرعة ليصبح المدرب الجديد لفريقي''، قال مدوار خلال عملية تنصيب خليفة مزيان ايغيل. والملاحظ أنه حتى الأندية التي عودتنا في السنوات الأخيرة على لعب ورقة الإطار الأوروبي على غرار مولودية الجزائر وشبيبة القبائل، فإنها قررت هذه المرة أن تحيد عن ''القاعدة'' من خلال الاستثمار في المدرسة الجزائرية ممثلة في عبد الحق بن شيخة ومزيان ايغيل على التوالي. غير أنه استنادا إلى مصادر مطلعة بالفريقين، فإن توجه الأخيرين الجديد قد لا يكون تعبيرا عن اقتناعهما بإمكانيات المدرب المحلي بقدر ما هو حل فرضته المشاكل المالية الكبيرة التي يتخبط فيها الناديان، ما يجعل استقدام مدربين أوربيين من العيار الثقيل أمرا صعبا للغاية. ويبقى المستوى المتواضع لأغلبية التقنيين الأوروبيين الذين عملوا بالجزائر أهم ذريعة يتحجج بها المعرضون لنهج الاعتماد على الكفاءات الأجنبية، على غرار المدرب نور الدين سعدي الذي يقول في هذا الصدد ''سأكون أول المدعمين لفكرة الاعتماد على المدربين الأجانب لو كان هؤلاء الذين تستقدمهم أنديتنا يملكون أسماء كبيرة في ميدان التدريب ويقدمون الإضافة اللازمة للكرة الجزائرية، ولكن التجربة الجزائرية في هذا الميدان غير ذلك تماما''. غير أن هذا الرأي لا يشاطره المدربون الأجانب الذين عملوا أو يعملون حاليا في الجزائر، على غرار المدرب السابق لمولودية العاصمة آلان ميشال وكذا المدير الفني الحالي لشباب بلوزداد جيوفاني سوليناس. وركز المدربون على ظروف العمل في الجزائر التي يعتبرونها ''معرقلة وموقفة للعمل الجدي''، إضافة إلى ''الوسائل اللوجستية الضعيفة وعدم توفر وسائل العمل واللاعبين لا يتقاضون أجورهم بصفة منظمة وهو ما يشوش على المردود فوق أرضية الميدان لأن أذهانهم مشدودة بالمستحقات''، على حد تعبير آلان ميشال، الذي كان على وشك تولي العارضة الفنية لمولودية وهران خلال الميركاتو الصيفي غير أنه تراجع عن قراره بعد إشرافه على حصة تدريبية واحدة. ومن جهته، فإن المدرب سوليناس، في تجربته الثانية بعد تدريبه لوفاق سطيف في مرحلة من الموسم الماضي يرى أن ''غياب العوامل والوسائل التي يحتاج إليها فريق يتنافس على الصدارةس، ويعتبر أنه حتى وإن تم توفير الوسائل إلى المدرب الأجنبي ''إلا أنه يصطدم بالعراقيل التي تعيق ما يريد أن يثبته من قدرات كمدرب، كما أن اللاعب الجزائري يفتقد للثقافة التكتيكية لأنه لم يستفد من تكوين جيد''، يضيف سوليناس. وهذا نفس ما صرح به المدرب الفرنسي روبير نوزاري عندما اشرافه على العارضة الفنية لمولودية الجزائر، حينها لم يحقق ''العميد'' النتائج المرجوة على الرغم من إجماع الإدارة، اللاعبين والأنصار على قيمة هذا التقني. رهان الاتحادية الجزائرية لكرة القدم هذا الاستنتاج هو نفس اتجاه المكلف بالمديرية التقنية الوطنية المؤقت السيد بوعلام لعروم، الذي يعتبر أن المشكل يكمن في إهمال التكوين، سمن الواضح أن التكوين هو الحلقة الضعيفة في كرة القدم الجزائرية، الأندية لا تولي الكثير من الاهتمام لهذا الجانب مما دفع بالاتحادية لمحاولة سد النقص الملاحظ بإنشاء مدارس كرة القدم''، قال لعروم في تصريح لوأج. بالمقابل، من أجل النجاح في عملية التكوين، يجب أن يكون اللاعبون مؤطرين من طرف مدربين معترف بمؤهلاتهم الفنية، وهو ما تحاول الفاف العمل عليه في السنوات الأخيرة بتنظيم تربصات تكوينية وكذا لإعادة التأهيل لفائدة المدربين''، أضاف لعروم الذي أسندت له مهمة تكوين المدربين بالفاف. وشارك العديد من اللاعبين الدوليين السابقين في تربصات دورية مكنتهم من اجتياز امتحان ''شهادة الكاف -الدرجة ب'' للحصول على الشهادة التي تسمح لهم بتدريب فرق الأكابر مثلما تنص عليه اللوائح القانونية الجديدة للفاف. من جهته، أعلن رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم السيد محمد روراوة -مؤخرا- عن تنظيم تربص لفائدة المدربين بالجزائر من أجل الحصول على ''شهادة الكاف-الدرجة أ'' الأمر الذي يمثل ''سابقة على الساحة الإفريقية''، حسب رئيس الهيئة الكروية الجزائرية، الذي يعتبر ''أن كل التدابير تم اتخاذها من أجل إعادة بعث كرة القدم في بلادنا، ودور المؤطرين الفنيين مهم على كل المستويات، لأننا حقيقة نسجل نقصا فادحا من هذا الجانب''. المسار الذي تم اتخاذه من شأنه أن يقلص من ''التبعية'' للتقنيين الأجانب في انتظار أن يأتي العمل الذي شرع فيه بثماره ببروز تقنيين جزائريين قادرين على تزويد مختلف المنتخبات بمهارات كروية شابة.