لم تفلح فرنسا الاستعمارية على مدار سنوات مضت في إخفاء حقيقة ما اقترفته في حق الشعب الجزائري الأعزل إبان حرب التحرير المجيدة، رغم محاولاتها المتكررة نفض آثار الدماء الطاهرة التي بقيت تلطخ تاريخها الاستعماري المليء بالمحطات السوداء. وتعتبر مجزرة ال17 من أكتوبر 1962 من بين هذه المحطات التي لا يمكن لفرنسا المتنكرة لجرائمها أن تمحوها من الذاكرة التاريخية لتبقى تلاحقها إلى أن ترضخ للأمر الواقع وتعترف بجرائمها. فكيف يمكن مواجهة مدنيين خرجوا إلى الشارع سلميا ليكون مآلهم الإلقاء في النهر والضرب المبرح والقتل. ويستغرب كل من يتابع تصريحات الساسة الفرنسيين اليوم وعلى رأسهم الرئيس ساركوزي والذين يدعون الحضارة والدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في الوقت الذي يتجرؤون فيه على إعطاء دروس في التاريخ للغير كأن يدعو تركيا إلى الاعتراف بما اقترفته في حق الأرمن. وقد يفسر هذا التصرف على أن فرنسا أصيبت بالزهايمر وإلا كيف لا تبادر هي وتعترف بما فعلت بالجزائريين من تقتيل وتعذيب وتنكيل طيلة سنوات لا يزال الجزائريون يعانون منها إلى يومنا؟ والحقيقة أن تاريخ ال17 أكتوبر الذي سقط فيه زهاء 200 شهيد بالإضافة إلى الجرحى والمعتقلين والمفقودين من ضمن مئات الآلاف من المتظاهرين الذين خرجوا في ذلك اليوم في مظاهرة سلمية مطالبين بحقوقهم الشرعية سيبقى وصمة عار في جبين المستعمر الفرنسي والدولة الفرنسية التي تحولت اليوم إلى المدافع الأكبر عن المدنيين وعما تسميه إرادة الشعوب في الحرية والديمقراطية. وإذا كانت فرنسا صادقة فيما تقول فعليها إذن أن تبادر بتصحيح أخطائها التاريخية وتنصف من سلبتهم أرضهم ثم عذبتهم وقتلتهم وشردتهم ولتدرك بأن من فعلت بهم ذلك كانوا أيضا مدنيين أطفالا ونساء وشيوخا، وإذا لم تفعل فمآلها الرضوخ يوما مجبرة ومكرهة لأن التاريخ لا ينسى والحق يبقى حقا طال الزمن أو قصر خاصة وان الأصوات بدأت تعلو وبشكل غير مسبوق من داخل فرنسا نفسها منادية بالاعتراف بالجرائم والاعتذار للجزائريين منذرة بأن يوم هذا الاعتراف آت لا محالة.