ماتزال مشكلة حوار الحضارات تشكل حيّزا كبيرا من الحدث الإنساني الصاخب بين قبول ورفض الآخر، ولم تبق هذه المشكلة بين تلاقح الحضارات والأفكار، بل تطورت بين الأديان السماوية بين داع للحوار وبين رافض له، خصوصا الجانب المتعصب لهذا الدين أو ذاك رغم أن الدين الإسلامي حسم الأمر منذ أكثر من 14 قرنا، حيث دعا لكلمة سواء، والحرية في المعتقد والدين »لكم دينكم ولي دين«، في هذا الإطار صدر كتاب للسيد مختار بوروينة وهو عبارة عن دروس أو محاضرات ألقاها الكاتب، وتم جمعها وذلك في شهر رمضان الماضي تحت عنوان »الحضارة الإسلامية الحوار وقبول الآخر«. كلمة الحضارة الإسلامية لها أبعادها التاريخية والجغرافية والثقافية ولها خصائصها، والحوار أو قبول الآخر لا يأتي من فراغ ويبقى السؤال: على ماذا نتحاور وعلى ماذا القبول؟ فهل هناك إنكار؟ الحضارة الاسلامية منذ نزل وفد نجران على الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينةالمنورة والحوار جار بين المسيحية والإسلام، حيث حاور الرسول الوفد المسيحي وطلب منهم المباهلة، مما يعرف بحديث المباهلة، أما من ناحية لتعايش الملل والنحل تحت ظل دولة وحضارة واحدة، فهي موجودة في الحضارة الإسلامية سواء في عهد الأمويين أو العباسيين أو في الأندلس، فكل الديانات والمشارب والملل والنحل تعايش تحت ظل حضارة إنسانية كاملة، ولم تكن هناك مشاكل من التطرف والتعصب، فلكلّ له رأيه وفكره ودينه. مختار بوروينة عالج في تسعين صفحة من كتابه هذا وفي ست محاضرات، بعض المواضيع الهامة التي يواجهها المجتمع الإسلامي منها مواجهته لتحديات الرأي العام العالمي، حيث يسلط المؤلف الضوء على بعض الآراء والأفكار الغربية العلمانية الهدامة والخالية من أي روحانيات من خلال رفضها للآخر. كما تطرق المؤلف في كتابه »الحضارة الإسلامية الحوار وقبول الآخر« إلى الشباب ودوره في الحفاظ وتفعيل القيم الإسلامية وتوظيفها توظيفا يحبط من خلالها المؤامرات التي تحاك ضده، من طرف الإستعمار القديم الذي تلون بلون جديد وقناع الحضارة والديمقراطية لبسط نفوذه والاستلاء مرة أخرى على ثروات وخيرات الشعوب، بالاضافة إلى جعل أوطانها مكانا لدفن نفاياته وجعل البلدان النامية سوقا لسلعه وتغذية اقتصاده، وذلك خلال عرض المؤلف لمشاكل السوق، حيث تساءل في إحدى محاضراته؛ هل الحضارة إسهام أم استهلاك للمستوردات؟ حيث رأى الكاتب أن الاستهلاك من بين الدمار الذي يهدد القيم ويضرب الوحدة الإسلامية بكل الأساليب الضالة تحت مظلة المدنية الحديثة وتوجيه الشباب إلى الذوبان والانسلاخ التام في المتعة والنزوات، مما يقتل الأخلاق والقيم في الروح البشرية. كما تناول الكاتب موضوع الإنجاز الكبير الذي حقق الحضارة الاسلامية تحت عنوان »بحضارة الإسلام أكبر إنجاز«، أبرز من خلاله ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية من تعايش مع الآخر والإنجازات الحضارية العلمية التي أنجزها المسلمون.أما فيما يخص مواجهة التحديات، فقد رأى المؤلف بأن الغرب الحضاري رغم الشعارات التي يرفعها هنا وهناك »مثل تحالف الحضارات وتنوع الثقافات وحقوق الإنسان« فإنه يعتبر نفسه مركزا للوجود وسيدا للحضارات ونموذجا وقدوة للتقدم، وأنه قيمة صالحة للجميع وهذا ما دفعه لعولمة الكون والقضاء على كل خصوصية ثقافية ودينية محلية ووطنية أصيلة. وفي المحاضرة الأخيرة من الكتاب، تطرق المحاضر مختار بوروينة للثقافة والدين من حيث سياقات البناء الحضاري، خصوصا بالنسبة للمسلمين الذين يتفاعلون مع هذا السياق ويتفاعلون معه في عالم متفتح ومنفتح على الآخر، والذي تحول في إطار تطور تكنولوجيات الإتصالات السريعة قرية صغيرة، حيث أصبح التمسك بالهوية من المقومات الأساسية التي تساهم في البناء الحضاري، وأصبح هذا التمسك بالهوية شرطا من شروط المحافظة على الخصوصيات الثقافية والوطنية والمميزات التي يتميز بها كل مجتمع عن غيره من المجتمعات. وباختصار، حاول المؤلف إبراز أهمية الاجتهاد في الاسلام والعالم وذلك من خلال نفض الغبار عن الأسس الصحيحة، لأن العالم الإسلامي يعيش أزمة فكرية. الكتاب من القطع العادي يتوزع على 90 صفحة ويحتوي على ست محاضرات، بالاضافة إلى الإهداء، التقديم والمقدمة، ثم المحاور التي يدور حولها الكتاب، وهي الإعلام الإسلامي في زمن العولمة، الحضارة، إسهام وبناء، أم استهلاك للمستوردات الحضارية؟ الحضارة الإسلامية: الحوار وقبول الآخر، حضارة الإسلام أكبرإنجاز، الإسلام في مواجهة التحديات ثم الثقافة والدين وخاتمة الكتابة.