الزراعة الصحراوية: مشاركة 40 متنافسا في مسابقة الابتكار للمدرسة الوطنية العليا للفلاحة    قمة الشباب الافريقي بإثيوبيا: حيداوي يستعرض تجربة الجزائر في التكفل بالشباب    قانون المالية انطلاقة لمرحلة جديدة تعطي للجزائر مكانة ريادية    عرقاب يعطي إشارة انطلاق فتح منجم بلاد الحدبة في تبسة    دور الإعلام في سفارة فلسطين بالجزائر    فلسطين: 286 مستوطنا صهيونيا يقتحمون المسجد الأقصى المبارك    اللجنة الدولية للصليب الأحمر تناشد المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لإنقاذ الفلسطينيين في غزة    هلاك ثلاثة أشخاص وإصابة اثنان آخران بجروح متفاوتة    145 غارة صهيونية على لبنان خلال ال24 ساعة الماضية    إقبال واسع على جناح جامع الجزائر    احتجاجات عارمة بالمغرب    صايفي يرافق الخضر    طلبة في ضيافة البرلمان    بن عراب تتوّج بجائزة في الإمارات    السيد مراد يشرف على تنصيب والي عين تموشنت الجديد    الأمن الغذائي والمائي أولوية للرئيس تبون    المرصد "الأورو متوسطي" يكشف جرائم صهيونية جديدة    مظاهرات حاشدة بمدريد للمطالبة بحقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره    المغرب مازال مستعمرة فرنسية.. وأوضاعه تنذر بانفجار شعبي    الجزائر المنتصرة تدخل مرحلة جديدة من الإنجازات    "عدل 3".. أقطاب سكنية بمخططات مبتكرة    الابتكار في التكنولوجيا الرقمية حماية للسيادة الوطنية    نخبة الكانوي كياك في مهمة التأكيد بتونس    أواسط "المحاربين" لتحقيق انطلاقة قوية    124 أستاذ جديد بوهران استلموا القررارات النهائية    الوالي الجديد يحدد الأولويات التنموية    سيدات اليد الجزائرية يرفعن الرهانات بحجم الدعم والمرافقة    شعراء يلتقون بقرائهم في "سيلا 2024"    الرابطة الأولى موبيليس/الجولة التاسعة: اتحاد الجزائر يلتحق بجاره مولودية الجزائر في صدارة الترتيب    لطفي حمدان أول جزائري يترجم "1984" إلى العربية    "ميناء بجاية" لمشهد ب"داليمان"    اختتام الطبعة ال 27 لصالون الجزائر الدولي للكتاب    الرابطة الثانية لكرة القدم هواة: شبيبة تيارت و اتحاد الحراش يشددان الخناق على المتصدرين وأول فوز للمشرية    وزير الطاقة والمناجم يعطي إشارة انطلاق أشغال فتح منجم الفوسفات بمنطقة بلاد الحدبة بتبسة    قانون المالية 2025: الوزير الأول يخطر المحكمة الدستورية بالنظر في دستورية بعض التعديلات    افتتاح الصالون الوطني للعسل بعنابة    سيلا 2024 : ندوة بالجزائر العاصمة حول كتابة التاريخ ونقله للأجيال    أعضاء مجلس الأمة يصادقون على نص قانون المالية ل2025    الجزائر العاصمة: 13 جريحا في حادث انحراف حافلة لنقل العمال    غرداية: 9 مخططات توجيهية للتهيئة والتعمير لفائدة الولاية    تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2025/الجزائر- ليبيريا: تصريحات اللاعبين الجزائريين في المنطقة المختلطة    الصالون الدولي للكتاب: ندوة تاريخية حول الثورة الجزائرية في الكتابات العربية والعالمية    هذه استراتيجية الحكومة لكبح جنون الأسعار    كريكو تستقبل وزيرة صحراوية    الخضر يُواصلون مسيرة اللاهزيمة    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    13 حافلة للتكفل بتلاميذ كل الأحياء    توقيف 12 مطلوبا لدى الجهات القضائية    الصيدلي يلعب دورا محوريا في اليقظة الاستراتيجية للدواء    الرئيس يعزّي الشيخ سيدي علي بلعرابي    انطلاق أشغال المؤتمر الوطني ال8 للفدرالية الجزائرية للصيدلة    اليوم العالمي للسكري: تنظيم أنشطة تحسيسية وفحوصات طبية طوعية بأدرار    إطلاق حملات تحسيسية حول الكشف المبكر لمرض السكري    الأمل في الله.. إيمان وحياة    الجهاد في سبيل الله    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدى تأثير حوار الحضارات الإنسانية في مسار العلاقات الدولية
نشر في صوت الأحرار يوم 28 - 08 - 2011


إعداد: السفير الدكتور مصطفى بوطورة
لمعالجة هذا الموضوع الشائك والمعقد الذي تشهد الساحة الدولية تداعياته وتجلياته على علاقات بني البشر على مستوى كوكب الأرض، ارتأيت أنه بدلا من الخوض في تفاصيل لا يتّسع لها المقام نظرا لضيق الوقت المخصص للمداخلات فإني سأحاول التطرّق إلى الموضوع بطرح مجموعة من التساؤلات التي تعبر عن وضع قلق أكثر منها إجابات على اشكاليات حوار الحضارات او صراعها او صدامها.
وبادئ ذي بدء أطرح سؤالا محوريا وهو هل هناك حوار حقيقي بين الحضارات الإنسانية؟ وبمعنى آخر هل ما جرى ويجري من محاولات ومبادرات من هذا الطرف أو ذاك يمكن اعتبارها بأن ارتقت إلى تدشين حوار جاد يستهدف ايجاد حلول أو توافقات حول القضايا الخلافية بين أبناء مختلف الحضارات الإنسانية؟ وإذ افترضنا أن ما جرى ويجري هو حوار بالمعنى المرغوب والمطلوب من طرف دعاة الحوار فهل كان له تأثير ايجابي طبعا على إعادة صياغة العلاقات الدولية في عالم يومنا المضطرب؟ بمعنى كبح جماح اتجاه الهيمنة والغطرسة والتطرّف ومحاولات تنميط العلاقات الدولية.
هل أن حوار الحضارات هو الذي يؤثّر على مسار العلاقات الدولية؟ ام أنّ الوضع الراهن لهذه العلاقات هو الذي يؤثّر على مبادرات الحوار؟ لاشك أن كل متتبّع ومهتم بهذا الموضوع لا سيما الخيرين من اتباع الحضارات الإنسانية عامة يعرفون أن فترة تسعينيات القرن الماضي قد شهدت العديد من الندوات والمحاضرات والمناظرات التي عكست الاهتمام بموضوع العلاقات بين الحضارات، هذا الموضوع الذي كان محلّ مؤلفات ومؤتمرات وندوات عالمية واقليمية وعلى مستويات محلية عديدة تمحورت المناقشات فيها حول اشكاليات العلاقة بين الحضارات الإنسانية ولا سيما بين الأمة الإسلامية والعالم الغربي، وقد جاءت هذه التحركات بعيد نشر صامويل هانتغتون مقاله الشهير عام 1993 بعنوان: صدام الحضارات ثم اتبعها بكتابه الذي حمل العنوان ذاته( صدام الحضارات و إعادة ترتيب النظام العالمي ) وكأّنّ التحرك لبحث إمكانية قيام حواربين الحضارات أتى من منطلق رفض مضمون دعوة هانتغتون التي جاءت ردا على كتاب نهاية التاريخ للكاتب فرانسيس فوكوياما، بمعنى آخر أن التوجه نحو حوار الحضارات قد جاء وكأنه من باب التصدي لدعوة صدام الحضارات والاعتراض عليها وهي الدعوة التي أثارت الفزع والرعب، وبالتالي بدأت الأبعاد الثقافية الحضارية تبرز بشكل واضح في تحليل العلاقات الدولية وصياغتها، وهنا ترى الدكتورة نادية محمود مصطفى في مقالها الموسوم ب: حوار الحضارات اشكالية الجدوى والفعالية ،أن طرح صامويل هانتغنون حول صدام الحضارات يقدّم نموذجا لتفسير السياسات العالمية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة يقوم على وحدة تحليل مغايرة لتلك التي درج الاهتمام بها في هذا الحقل ألا وهي الحضارة باعتبارها من القوى المحرّكة والمفسّرة للعلاقات الدولية، وبهذا يكون هانتغتون قد عبّر عن بروز الاهتمام بالأبعاد الثقافية والحضارية وفي مقدمتها الدين، ومن ناحية أخرى فإن رؤية هانتغتون واضحة وصريحة حول الصدام بين الإسلام والغرب صداما حضاريا ودينيا، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ هانتغتون لم يضع الإسلام فقط كعدو للغرب ولكن يتّضح من مقولاته أن الغرب هو عدوّ للإسلام والمسلمين والحضارات الأخرى، ومن هنا ترى الدكتورة نادية محمد مصطفى (أن غير المعلن لدى هانتغتون هو أن مصدر التهديد بالصدام بين الحضارات هو هيمنة الغرب وقوته وليس الحضارات الأخرى، حيث أن هذه الأخيرة تصحو في مواجهة الهيمنة الغربية ولهذا فهي تمثّل تحديا وخطرا ثقافيا على الغرب أن يواجهه...)، وأعتقد أن هذا الطرح صحيح.
ومما سبق يمكن طرح السؤال التالي هو هل أن مرتكز العلاقة بين الحضارات هو الحوار أم الصراع؟ وهل أنّ صراع الحضارات قد حل محل صراع القوى والطبقات كمحرّك للعلاقات الدولية؟ وهل أن حوار الحضارات أو صراعها يقتصر فقط على الأبعاد القيمية والثقافية والدينية؟ أم يمتد إلى الأبعاد المادية للقوة وقضايا هذا الحوار أو الصراع؟ وما هو أصل العلاقة بين الحضارات هل هو الحوار أم الصراع؟ وبمعنى آخر متى تميل الكفّة نحو الحوار ومتى تنزلق نحو الصراع؟ من منطلق أن الاختلاف بين الحضارات في حدّه ليس السبب في الصراع، لكن الظروف الدولية السائدة في فترة ما من التطور التاريخي للعلاقات الدولية هي التي تؤثّر على بروز هذه الحالة أو تلك وهنا يمكن طرح سؤال آخر هو هل أن حالة الأوضاع العالمية الجديدة يمكن أن تفرز أو تبرز منحى آخر غير الصراع؟
وباعتبار أن مقولة صدام الحضارات هي التي أفضت إلى البحث الاعتراضي لهذا الطرح، فقد كانت محل وجهات نظر ومواقف يمكن اجمالها حسب العديد من الدارسين لها في ثلاثة اتجاهات في الآتي: -اتجاه يؤكّد صحّة مقولة هانتغتون ويرفض إمكانية الحوار بالنظر إلى حقائق اختلال توازن القوى الدولية والسياسات الغربية إزاء الجنوب والعالم الإسلامي خاصة، ويعتقد أن مبعث السياسات الغربية تجاه العالم الإسلامي تحديدا هو الأبعاد الثقافية والحضارية، ومن هنا فإن الحوار لن يكون حسب وجهة النظر هذه إلا طريقا جديدا لفرض الهيمنة الثقافية والحضارية الغربية.
-اتجاه آخر يرفض مقولة صدام الحضارات ولا يعتقد بأن تكون العلاقة بين الحضارات هي المفسّر الأساسي للعلاقات الدولية -وليس توازن القوى والمصالح-كما يرفض هذا الاتجاه أيضا الصاق التهمة بالإسلام والحضارة الإسلامية كونها مصدرا للصراع والصدام، ويدافع في الوقت ذاته عن الإسلام والمسلمين الذين يحتل الآخر مكانة مهمة في ثقافتهم ومستعدون للحوار معه، ورفض صدام الحضارات لدى هذا الاتجاه يأتي أيضا دفاعا عن التعددية الثقافية والحوار بين الثقافات والحضارات باعتباره الأساس في العلاقات الدولية انطلاقا من رؤية اسلامية إنسانية عالمية تعترف بأهمية الحوار والتعارف الحضاري بين أمم وشعوب المجتمع الدولي واعتبار الحوار أيضا كأساس من أسس الرسالة العالمية للإسلام.
-أما الاتجاه الأخير فيرى أن الحوار أو الصراع هما حالات للعلاقة بين الحضارات، وفي الوقت الذي يرى فيه أحد تيارات هذا الاتجاه أن الوضع الدولي الحالي لا يسمح بحوار حضارات أو ثقافات جاد وحقيقي بسبب اختلال موازين القوى الدولية، فإن تيارا آخر من هذا الاتجاه أيضا يعتقد أن الحوار ضروري لإيجاد مخارج لأزمة العالم الراهنة إلا أنه يؤكّد على وجوب توفّر الشروط المطلوبة لكي يحقق الحوار أهدافه المأمولة باعتباره طريقا للتفاهم المشترك وإزالة العوائق أمام العلاقات السلمية.
وتواصلا مع مواقف الاتجاهات الثلاث المشار إليها من حوار الحضارات أو صراعها فإن مواقف المدارس الكبرى الثلاثة الليبرالية، القومية، الإسلامية تعبر عن رؤى مختلفة عن مكانة العامل الحضاري كتفسير للتفاعلات وطبيعتها وجوهرها صراعية أم حوارية ويمكن الإشارة إليها في الآتي:
المدرسة الليبرالية:
إنّ أتباع هذه المدرسة هم الأكثر دفاعا عن حوار الحضارات منذ نهاية الحرب الباردة وبزوغ ارهاصات العولمة وهم لا يعتقدون بأن الأبعاد الثقافية الحضارية لها تأثير يفوق الأبعاد الاستراتيجية والمصالح القومية، ولكنهم يرون أن الحوار هو عملية ضرورية لتحسين التفاهم العالمي على الساحة الثقافية كطريق مهم للمساعدة في حل المشاكل المصيرية المشتركة بين الأمم والشعوب.
المدرسة القومية واليسارية:
إن أصحاب المدرسة القومية واليساريون يلتقون مع اتباع المدرسة الاسلامية في التأكيد على أن المصادر الصراعية في السياسات الغربية هي التي تمنع حدوث حوار حقيقي، ولكنهم يختلفون حول وزن تأثير الأبعاد الثقافية والحضارية مقارنة بصراعات المصالح والقوى، ففي حين يعتقد القوميون واليساريون أن الصراع سببه المشروعات الاستعمارية والامبريالية والهيمنة وهم بذلك يرون أن الاختلاف الثقافي والحضاري ليس أساسيا في الصراع، فإن الإسلاميين يعطون وزنا كبيرا للبعد الثقافي الحضاري في تفسيراتهم وتحليلاتهم، ولكن تختلف التيارات الاسلامية من حيث الرؤية لإمكانية الحوار من عدمه، ففي الوقت الذي يصل البعض إلى أن حوار الحضارات في ظل اختلال التوازن الدولي يهدف إلى تنصير المسلمين انطلاقا من رؤية المؤامرة على الإسلام، فإن البعض الآخر يرافع لصالح حوار الحضارات كونه جهاد العصر بأساليبه الجديدة في مواجهة أطروحة الصراع الحضاري التي يرفعها الغرب.
وبسبب أحداث 11 سبتمبر 2001، وتداعياتها برز الجدال والنقاش بقوّة حول العلاقة بين الحضارات ومرّة أخرى كانت مقولة صدام الحضارات وأنصارها حاضرون بقوّة وكذلك المقولات المضادّة لها، وكان السياق الذي تجري فيه هذه النقاشات أكثر توترا وتدهورا مما كان عليه في تسعينيات القرن الماضي لأن المسلمين أصبحوا في موقف المتّهم بعد أن كانوا في موضع مصدر التهديد المحتمل، وتفسيرا لما جرى رأى البعض أن هجمات نيويورك وواشنطن تعبّر عن الغضب ضدّ سيطرة القيم الغربية والسياسات الغربية، في حين اعتقد البعض الآخر أن هذه الهجمات تندرج في سياق صراع المصالح ودور الشبكات الإرهابية المتشعّبة في العلاقات الدولية، ولهذا فقد اكتسب الجدال حول دور العلاقة بين الأبعاد الثقافية الحضارية وبين الأبعاد الاستراتيجية في تفسير هذه الأحداث وما تبعها من تطورات في الخطابات الأمريكية والسياسة الأمريكية زخما متعاظما وقد أفرز هذا التطوّر طرح السؤال الآتي من جديد:
هل الصراع الحضاري هو الذي يحكم العالم؟ ما هو مصدره؟ وما هي السبل مواجهته؟ وهل يستطيع حوار الحضارات إدارة هذه المرحلة؟ وفي هذا السياق يرى البعض أن استغلال هجمات 11 سبتمبر 2001 التي تحيط بها إلى الآن علامات استفهام كثيرة من طرف الإدارة الأمريكية واتخاذها ذريعة لشّن عدوانها على أفغانستان بسرعة مذهلة، ثمّ تبعتها باحتلال العراق دون أي تخويل من مجلس الأمن ، وقد تبيّن أن ذلك كان مخططا له من قبل المحافظين الجدد الذين كانوا وكأنهم على توافق مع مقولة صدام الحضارات.
وعلى المستوى الرسمي نشير إلى أن الجمعية العامة للأمم المتّحدة قد أصدرت يوم 4 نوفمبر 1998 قرارها رقم 22 بإعلان عام 2001 عاما للحوار بين الحضارات وقدم الأمين العام للأمم المتّحدة تقارير سنوية ربطت بين مفاهيم التعددية والتنوّع بشكل عضوي مع حوار الحضارات واعتبرت أن رفض تلك المفاهيم سببا للعديد من الصراعات والحروب، وقد اتّسم النقاش على مستوى الجمعية العامة للأمم المتّحدة في الفترة 98-2001 بالإجماع على ايجابية التنوّع الثقافي والحضاري كعامل إثراء لتقدّم البشرية وضرورة تفعيل الحوار بين الحضارات، كما قدم الرئيس الايراني السابق مبادرة لحوار الحضارات عام 2000، ولكن نلاحظ أنه من المفارقات أن يكون عام 2001 نفسه الذي جعلته الأمم المتحدة عاما لحوار الحضارات، هو العام الذي تعرف نهايته تدشين المحافظين الجدد والتيار المسيحي الصهيوني المتطرّف في الإدارة الأمريكية بقيادة جورج بوش الابن هجمة شرسة بقوّة السلاح على ايقاع حرب صليبية كما أعلن بوش نفسه ذلك أكثر من مرّة عشية العدوان على أفغانستان ، وهنا يمكن ملاحظة تعاظم توظيف دور الدين في صياغة العلاقات الدولية باتجاه الصراع و ليس الحوار،وبعيد احتلال العراق في ظل مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يستهدف إعادة صياغة العالم الإسلامي برمته وفقا للأجندة الغربية وفي مقدمة ذلك تغيير المناهج التعليمية من منظور إسلام معدّل أي استهداف هذه الأمة في دينها وعقيدتها وقيمها وهي آخر معاقل الدفاع عن الأمة فهل مثل هذه المخططات تساعد على إقامة حوار حضارات وثقافات وأديان؟ وإذا كان هناك من قول حول المرحلة الراهنة من تطور النظام العالمي فهي تتّصف بخوض الغرب معركة لا تخطئها العين لاستكمال حلقات تنميط العالم في ظلّ العولمة التي هي عملية إرادية تعكس تجليات نموذج للهيمنة على النماذج الحضارية الأخرى بكل الطرق بما فيها القسرية والإكراهية وذلك ليس على المستويات الاقتصادية والسياسية فقط ولكن على مستوى الثقافة والقيم، ولن ينتصر النمط الاقتصادي والسياسي، حسب بعض الرؤى الغربية بدون البعد الثقافي الحضاري ، وفي مقابل هذا فإن الفشل على الساحة الثقافية الحضارية يحمل كل إمكانات نمو مراكز عالمية بديلة قد تنعكس على مسارات التفاعلات الدولية وتوازن القوى العالمية.
وفي هذا الاطار يمكن تلخيص مجمل الآراء حول جدوى الحوار من عدمه في ثلاثة مجموعات هي:
1-مجموعة المشككين في جدوى الحوار وحجتهم في ذلك أنه لا يمكن قيام حوار بين الحضارات بصورة جدية في ظل غياب التكافؤ بين أطراف الحوار ويرون أن عدم توازن القوى يفضي إلى وضع يملي فيه أحد الأطراف ما يريد في حين يرضخ الطرف الآخر، وحجة هذا الفريق أن الغرب هو الذي يضع أجندة الحوار وقضاياه التي تتمحور عادة حول قضايا الحريات والحقوق الفردية وحقوق المرأة، حرية التعبير، عالمية حقوق الإنسان، وهي قضايا تطرح من منظور الغرب الذي يستهدف من خلالها صياغة الشرق والعالم الإسلامي تحديدا على النحو الذي يريده، في حين أن المعنى الحقيقي لقيمة التسامح التي يروّج لها الغرب هي احترام حق الآخر في الاختلاف، ومما سبق يعتقد هذا الفريق أن الدعوة إلى الحوار من بعض المفكرين في الغرب لن تؤتي ثمارها على المستوى الرسمي لأن هوى الإدارات الرسمية هو مع الصراع الذي من خلاله تفرض مصالحها بمنطق القوة وليس الحوار، ويرى هذا الفريق أيضا أن مجرد الدعوة إلى الحوار التي تصدر من الغرب لا تكون محل ثقة في ظل السياسات الغربية التي تساند الظّلم والاجحاف الواقع على الشعوب الإسلامية وفي مقدمتها مأساة الشعب الفلسطيني المزمنة على سبيل المثال، واحتلال أفغانستان و العراق، وذلك إما بالمشاركة الفعلية أو بالصمت وهذا مناخ لا يساعد على الحوار وقد يفضي إلى الصراع.
2- اما الفريق المؤيّد للحوار وجدواه فهو يرى أن العولمة حقيقة قائمة وواقعها يوجب الحوار وليس الصراع، وعلى الجميع البحث عن أرضية مشتركة للحوار ولكي يتحقق هذا فإن هناك مسؤولية تقع على عاتق الأطراف المعنية، فعلى الغرب أن يغيّر منحى سياساته الخارجية وأن يتحمّل مسؤوليته في تغيير الصورة السلبية عن الإسلام في الغرب والتي تتحمل وسائل إعلامه جزءا غير قليل من مسؤولية قيام هذه الصورة، أما الشرق أو العالم الإسلامي فعليه ان يتخطّى دور المتلقي، وعلى الجانبين البحث عن أساليب غير تقليدية للحوار بين الحضارات من أهمها إمكانية الوصول إلى المجتمعات وتقليص القنوات الرسمية للحوار.
3-هناك فريق ثالث يرى أن الطرح العربي الإسلامي لموضوع حوار الحضارات هو طرح قديم وهو الطرح الأصيل لأنه ينطلق من المصدر الأساسي القرآن والسنة في التعامل مع الشعوب الأخرى انطلاقا من الاعتراف بالتعددية الدينية "لكم دينكم ولي دين" والتعددية الثقافية في حين أن الطرح الغربي الحالي طرحا سياسيا لتحقيق أهداف سياسية، والطرح الإسلامي الراهن أيضا، ليس إلا رد فعل إن لم يكن طرحا مفروضا من الغرب على العالم الإسلامي عموما والعربي خاصة، وهذا الطرح الغربي الذي هو تسييس للحضارات هو أسوأ ما حدث للحضارات والعلاقة بينها حيث يجعلها موضوعا وسببا للحرب والصراع، ولهذا ينبّه هذا الفريق إلى أهمية الوعي للعلاقة بين السياسي والثقافي التي تتصاعد في الاستراتيجية الأمريكية بصفة خاصة، والغربية بشكل عام إزاء العالم العربي والإسلامي في المرحلة الحالية من تطور النظام الدولي الجديد الذي لم تتحدد معالمه النهائية حتّى الآن.
وفي الأخير نشير إلى أن حوار الحضارات الذي يمكن أن ينعكس ايجابيا على وضع العلاقات الدولية يفترض جملة من الشروط والمقومات نذكر منها على سبيل المثال:
الاعتراف بالآخر: حتّى يكون للحوار معنى وجدوى يفترض الاعتراف بالآخر والقبول مبدئيا بوجوده وبخصوصيته غير القابلة للذوبان ورفض أي سعي لتغييرها من أي طرف اخر وبحق الاخر في المحافظة على مقوماته الحضارية وفي هذا الصدد يقول الله عزّ وجلّ "يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم" وقوله عزوجل:
"آمن الرسول بما أنزل عليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير"
والشرط الآخر هو ما يعرف بالتبادل الحضاري ومعناها أن لكل طرف من أطراف الحوار حق قول رأيه والتعبير عن موقفه من جملة القضايا الخلافية المطروحة للحوار مهما كان هذا الراي مخالفا لما يعتقده أو يدعو إليه الطرف الآخر ويدافع عنه.
وإذا كانت هذه هي النظرة الإسلامية للحضارات الأخرى فما هو موقف الآخر من الاعتراف بحضارتنا وخصوصياتها والتعامل على هذا الأساس.
وفي ختام هذه المداخلة القصيرة يمكن طرح السؤال التالي:
هل أن الهجمة الغربية الحالية على العالم الإسلامي و في قلبه الوطن العربي ضمن أهداف الجيوسياسية الجديدة القديمة الساعية إلى إعادة صياغة العالم وفق أهدافها الاستراتيجية لبسط النفوذ والهيمنة يمكن أن تساعد على حوار جاد بين الحضارات أو حوار بين الثقافات والأديان، للتعايش بين بني البشر بغض النظر عن معتقداتهم وألوانهم وغير ذلك؟ إن واقع الحال لا ينبئ بأن سيرورة الأحداث ستتجه نحو المأمول والمرغوب على الاقل في المدى القريب أو المنظور ورغم ذلك فهل نأمل بتوفر ولو الحد الأدنى من شروط الحوار المثمرالذي يمكن أن ينعكس إيجابا على العلاقات الدولية ذلك ما نرجوه و نتمناه أ
مجموعة دراسات و مقالات من بينها:
- حوار الحضارات في ضوء العلاقات الدولية .
الدكتورة . نادية محمود مصطفى.
- حوار الحضارات على أجندة العلاقات الدولية.
الدكتور وليد محمود عبد الناصر.
- العلاقات الدولية في الاسلام .
الدكتور عادل عامر.
- حوار الحضارات شروطه و نطاقه.
الدكتور سليم العوا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.