إشادة بتلمسان وددعوة إلى تفعيل دور الشباب في بناء ثقافة السلم والحوار تحت شعار''تعزيز نتائج السنة الدولية للتقارب بين الثقافات وتفعيل دور الشباب في بناء ثقافة السلم والحوار''، احتضنت الجزائر يومي الثامن عشر والتاسع عشر ديسمبر الفارط المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة في دورته السابعة، تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، ومشاركة وزراء الثقافة في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. وانعقد المؤتمر الإسلامي السابع لوزراء الثقافة بالتعاون بين المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ''إيسيسكو''، والأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، وبالتنسيق مع وزارة الثقافة الجزائرية، وعقدت خلالها مائدة مستديرة وزارية حول موضوع ''الأدوار الثقافية للمجتمع المدني من أجل تعزيز الحوار والسلم''. وناقش المؤتمر الإسلامي السابع لوزراء الثقافة، ثلاثة تقارير قدّمها المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، حول تنفيذ ''الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي'' في صيغتها المعدّلة المعتمدة من المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة بالجزائر في ,2004 ''جهود الإيسيسكو في مجال تنفيذ إستراتيجية العمل الثقافي الإسلامي خارج العالم الإسلامي''، التي اعتمدها مؤتمر القمة الإسلامي التاسع المنعقد في الدوحة عام ,2000 وكذا''جهود الإيسيسكو في متابعة تنفيذ إستراتيجية تطوير تقانات المعلومات والاتصال في العالم الإسلامي'' التي اعتمدها المؤتمر الإسلامي الخامس لوزراء الثقافة المنعقد في طرابلس عام 2007م. كما ناقش المؤتمر أربعة مشاريع أعدّتها ''الإيسيسكو'' حول ''مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، المنجزات والآفاق المستقبلية''، ''الأدوار الثقافية للمجتمع المدني من أجل تعزيز الحوار والسلم''، إلى جانب ''المقاولات الثقافية في الدول الأعضاء''، و''منهاج تكوين الصحفيين لمعالجة الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية. وخرج المشاركون في هذا المؤتمر الإسلامي بحزمة من التوصيات والقرارات، كما أشادوا بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد اللّه بن عبد العزيز آل سعود لحوار أتباع الأديان والحضارات والثقافات، باعتبارها الإطار الأمثل والفضاء الملائم لإقامة علاقات حوار وتواصل ونقاش بين مختلف الدول والشعوب الإسلامية وبقية الشعوب غير الإسلامية. ودعا المشاركون في مداخلاتهم إلى تفعيل هذه المبادرة وإعطائها من الدعم ما يجعلها مرجعا ومحضنا لمبادرات التواصل والتعاون بين المسلمين وغيرهم، وتمّ التأكيد بهذا الخصوص على أهمية الترويج لمبادرة خادم الحرمين الشريفين بالنظر لأبعادها الحضارية وأهدافها الإنسانية ومحتواها الذي يقوم على اعتبار الحوار منهجا راقيا ووسيلة حضارية للتواصل بين مختلف الأمم، ولتقريب الأفكار والمطروحات المختلفة فيما بينها. وأكّد المؤتمر على ضرورة التنسيق الفعّال بين الجهود الرامية إلى إنجاح مشاريع الحوار بين الأديان والثقافات، وتحقيق التكامل بين المبادرة وغيرها من مبادرات الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والتعارف والتحالف بين الحضارات، وفقا للأطر المنهجية والتدابير العملية التي حدّدتها الوثيقة، كما دعا المؤتمر وزارة الثقافة والإعلام في المملكة إلى رفع هذه الوثيقة إلى الجهات المشرفة على رعاية المبادرة في المملكة، من أجل تبنّيها والعمل على ترويج مضامينها وتفعيل مقترحاتها واعتبارها خريطة طريق لتحقيق مقاصدها وغاياتها النبيلة، إلى جانب إعداد خطة عمل تفصيلية لتفعيل مضامين الوثيقة وتوصياتها، بما يكفل تحقيق أهداف مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وإشراك المنظمات الدولية وهيئات المجتمع المدني والمؤسسات والمراكز الفكرية والعلمية العاملة في مجال تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات في إنجاح هذه الجهود. من ناحية أخرى، اعتمد المؤتمر مشروعاً خاصاً لتكوين الصحفيين والإعلاميين لمعالجة الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، ودعا المؤتمر ''الإيسيسكو'' إلى مواصلة الاهتمام بتكوين الصحفيين والإعلاميين داخل العالم الإسلامي وخارجه، من أجل امتلاك التقنيات الحديثة الكفيلة بمعالجة الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين والتصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا، استناداً إلى مضامين المنهاج المعتمد، وتعزيز التعاون والشراكة مع معاهد تكوين الصحفيين والإعلاميين في الغرب ذات الاهتمام المشترك لتحقيق ذلك. كما طالب وزراء الثقافة منظمة ''اليونسكو'' بتحمّل مسؤولياته في وضع حدّ لممارسات إسرائيل غير القانونية تجاه مدينة القدسالمحتلة، وقال الوزراء في البيان الختامي للإجتماع أنّ انضمام فلسطين إلى اليونسكو ينهي ستة عقود من الكذب الإسرائيلي حول هوية الأرض الفلسطينية، ويضع حدّا لإجراءات إسرائيل الهادفة لتهويد وعزل القدس الشريف عن محيطها الفلسطيني، وأضاف أنّ انضمام فلسطين لليونسكو سيمكّنها من حماية تلك الحقوق من الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية، لأنّها ستكون الإطار الشرعي والدولي الذي سيدافع عنها مطالبا المجتمع الدولي و''اليونسكو'' بتحمّل مسؤولياته في ''إلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي ووضع حد لممارساتها غير القانونية وغير الشرعية تجاه مدينة القدسالمحتلة''. وأكّد البيان أنّ ''أكبر التحديات في الوقت الحاضر هو تنامي ظاهرة ''الإسلاموفوبيا'' التي تطوّرت من تصرّفات شخصية إلى عمل سياسي ممنهج يستعمله بعض الساسة لكسب الأنصار''، مضيفا أنّ ''هذه الظاهرة هي محل انشغال المنظمة العميق وقلقها البالغ، ومواجهتها تتطلّب تكاثف الجهود وتعبئتها في المجالات الثقافية والتربوية والإعلامية، فضلا عن العمل الدبلوماسي''. وكانت أشغال هذا المؤتمر فرصة للحديث عن أهمّ ما أُنجز خلال تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، حيث اعتبر البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، أنّ اختيار تلمسان يثبت، فضلا عن عراقة هذه الحاضرة الكبرى، ما تزخر به الجزائر من تراث إسلامي يشهد على أصالتها وإبداعات أهلها، وكذلك اهتمام السلطات وعموم المثقفين وجميع مكوّنات المجتمع بالثقافة والفنون والإبداع، وبالمحافظة على التراث وإثرائه وتطويره في معادلة متميّزة بين الأصالة والمعاصرة، وقال ''لقد أبرزت تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، الحراك الثقافي في هذا البلد والقدرة الفائقة لتنظيم مثل هذه التظاهرات الثقافية الكبرى''. وقدّمت وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي خلال هذا المؤتمر حصيلة أولية لتظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية'' التي اعتبرتها ''فرصة رائعة مكّنتنا بكلّ صدق من إعطاء نفس جديد للثقافة بولاية تلمسان من حيث النشاطات المحقّقة والمرافق المنجزة''، شاكرة بالمناسبة ''الأيسيسكو'' على منح الجزائر عامة وتلمسان خاصة شرف احتضان هذا الحدث، وذلك باسم الأدباء والمفكرين والفنانين الجزائريين وباسم أحفاد الزيانيين. وأضافت وزيرة الثقافة ''لقد مكّنت هذه التظاهرة منذ انطلاقها والمتواصلة إلى غاية شهر أفريل ,2012 من إنجاز 10 مرافق ثقافية جديدة مما سمح بإنشاء 4 متاحف بالولاية وقصرا للثقافة ومكتبة ولائية ومسرحا في الهواء الطلق، وقصرا للمعارض ومركزا للمخطوطات وقاعة للسينما ومركزا للدراسات الأندلسية وترميم معظم المعالم التاريخية''. واغتنمت فرصة هذا المؤتمر لتشكر كلّ البلدان الأعضاء في المنظمة، الذين شرّفوا وشاركوا بأسابيع ثقافية هامة ومتنوعة وغنية وفعاليات فنية شاملة متكاملة، وبرهنوا عن التواصل الحقيقي بين البلدان الأعضاء في ''الأيسيسكو''، وأكّدوا أنّ الثقافة قاسم مشترك حقيقي ملموس بيننا، فقد مكّنوا المثقفين والفنانين والمبدعين من ربط جسور التواصل بينهم خاصة الشباب منهم، مما سيعزّز الأمل بضمان مستقبل واعد في العمل الثقافي المشترك، وقالت ''لقد ازدانت وتزينّت وتزوّقت تلمسان طيلة كلّ أيام التظاهرة بألوان وروائح وأنوار كلّ من حملوا لها نماذج من بريقهم الثقافي البهي البهيج، ليبرهنوا أنّهم أهل حضارة عظيمة في ماضيها وحتى في حاضرها، فأرض الإسلام لا تزال خصبة ولاّدة تنجب المفكّرين والمثقفين والمبدعين في مختلف مجالات الفكر والثقافة والفنون، وهذا ما يبعث فينينا الأمل ويغرس في نفوسنا الاطمئنان على مستقبلنا، لأنّ الحضارة التي تبدع وتفكر لا تموت''. كما أشادت الوزيرة باسم منظمة الإيسسكو بكلّ البلدان غير الإسلامية التي شاركت بأسابيع ثقافية جميلة ومهمة ومفيدة، والتي شاركت لأنّها تتقاسم معنا التراث الإسلامي مثل إسبانيا، إيطاليا، الهند والصين، والأخرى التي شاركت لأنّها تحتوي على جالية مسلمة مثل روسيا، بولندا، ألمانيا، فرنسا، الولاياتالمتحدةالأمريكية والمكسيك وغيرها. وأكّدت تلمسان أنّ هذه الأسابيع الثقافية زيادة على إثرائها لفعاليات تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية'' فإنّها مكّنتنا من تسويق صورة ساطعة منيرة للإسلام والمسلمين، صورة التسامح والتفتّح والتعايش والحوار بين مختلف الثقافات والحضارات، وقالت: ''استطعنا أن نقول للآخر أنّ صدر الثقافة الإسلامية يتّسع لبناتها وأبنائها، ويتّسع أيضا لكلّ من يريد أن يشاركها الحوار ويتعايش معها في سلم واحترام، بل تتّسع للإنسانية جمعاء''.