تعد''إن شاء الله'' بدون شك من أكثر الكلمات استعمالا في حياتنا اليومية، ففي كل لحظة نتحدث فيها مع الآخرين عن الآتي، لاننسى أن نقول''إن شاء الله''، ومرد ذلك إلى تنشئة دينية تلقى الجميع تعاليمها منذ الصغر، فأصبحت بمثابة عادة كلامية يحاول كل شخص عدم إهمالها. لكن هل يدرك كل واحد منا المعنى الحقيقي لهذه الكلمة ودواعي استخدامها؟ سؤال طرحناه لأسباب كثيرة، أهمها أنها أصبحت في كثير من الأحيان حجة ل''التهرب الدبلوماسي''. لم يعد غريبا أن يقول أحدهم لآخر: ''هل إن شاء الله تعني نعم أم لا؟''إذا تعلق الأمر بقرار أو موعد أو خدمة، ولايستقبل مثل هذا التعليق باستعجاب من الطرف الآخر، لأن الجميع أصبحوا يدركون أن الشك في هذه الكلمة له دواع وأسباب مشروعة. وإذا كنا نحن كجزائريين نعرف طبائع بعضنا البعض، وبالتالي نستطيع أن نفهم مقاصد الحديث، فإن الغريب أن ينتقل السؤال إلى أجانب من غير المسلمين الذين لايثقون كثيرا في كلمة ''إن شاء الله''. ذلك ماترويه لنا السيدة فائزة التي تعرضت لموقف لم تكن تنتظره مع أستاذتها الفرنسية، الأخيرة طلبت من فائزة عملا يقدم في الحصة المقبلة من دروس اللغة التي كانت تتابعها، فردت عليها فائزة كعادتها بالقول ''سأنجزه إن شاء الله''. فنظرت إليها الأستاذة بريبة وقالت لها: ''هل أفهم من قولك إن شاء الله أنك ستنجزين العمل أم لا؟ لأنه في حالة عدم تأكيدك أفضل أن أحضّر أنا العمل''.... ضحكت فائزة وضحك كل الطلاب الحاضرين لأنهم أدركوا أن أستاذة الفرنسية لم تكن خاطئة في قراءتها للاستخدام العشوائي للكلمة. فهي تعيش منذ ثلاث سنوات في الجزائر والتجربة -كما تروي- بينت لها أن ''إن شاء الله'' لاتعني الالتزام بفعل الشيء، وإنما تعني وجود احتمالين. سألنا البعض عن معنى ''إن شاء الله'' لديهم، فأجابت رقية بالقول: ''منذ أن كنت صغيرة، تعودت دائما أن أقول ''إن شاء الله'' في المناسبات وفي الحياة اليومية، هكذاربتني أمي التي كانت تقول لي إن كل شيء يتم بإرادة الله، ولكنني عندما كنت أطلب شيئا من أمي، كنت أنتظر أن تجيبني بالإيجاب، لأنها عندما كانت ترد على طلبي بجملة ''إن شاء الله'' فهذا يعني أنها ترفض طلبي وأنها لا تريدني أن أغضب. فكنت وأنا طفلة صغيرة أقول لها: ''لا يا أمي لا تقولي لي إن شاء الله، قولي لي نعم''. وتضيف ''الآن أنا متمسكة دائما بقول ''إن شاء الله'' إلى درجة الهوس أحيانا، فأنا على اعتقاد تام بأنني إذا لم أقل ''إن شاء الله'' فالله سيحاسبني ولن يحقق ما أريد. وهو ما حدث لي يوما عندما قلت إنني سأصل إلى البيت باكرا وأنا متأكدة من ذلك، باعتبار أن ذاك اليوم كان عطلة، وخرجت من العمل باكرا. إلا أن ذلك لم يحدث وبفعل ظروف معينة، وصلت جد متأخرة إلى البيت، وحينها تذكرت أنني لم أقل إن شاء الله''. ولاينكر عبد الجليل أن ''إن شاء الله'' أصبحت أفضل طريقة للتهرب من بعض الالتزامات دون إغضاب الآخرين، فهو مثل الكثيرين في محيطه لايتردد في قول ''إن شاء الله'' كلما رفض لقاء شخص ما،''من الأسهل والأفضل، وحتى لانجرح الآخرين أن نقول لهم ''إن شاء الله'' سنلتقي إذا كنا في حقيقة الأمر لانريد لقاءهم، ثم نتذرع بأسباب وظروف لتأجيل اللقاء، وشيئا فشيئا، يصبح هذا اللقاء في خبر كان''. هكذا ينظر محدثنا للأمور. من جانبها، تشير ''نورة-م'' إلى أنها تستخدم ''إن شاء الله'' في سياق الكلام، لكنها في موقف ما توضح رفضها أو قبولها حتى إذا قالت ''إن شاء الله''، وأحيانا أخرى تفضل السكوت كرد، وفي هذا الإطار تشير إلى كلمات أخرى يكثر استخدامها مثل ''بإذن الله'' و''ربي يسهل'' دون أن تؤدي المعنى الحقيقي لها، لكنها تعترف أن ''إن شاء الله'' هي الأكثر استعمالا، والدليل أنها معروفة حتى لدى غير المسلمين. وهي لذلك تعتبر أن المسألة ذات علاقة ب''النوايا''. استفسرنا السيدة سميرة مخالدي رئيسة مكتب الحديث الديني ونشرات التوجيه وعضو باللجنة الوطنية للإفتاء عن رأيها في استخدام كلمة ''إن شاء الله''، فأصرّت أولا على التذكير بأصل الكلمة قائلة: ''يجب أن نعرف المعنى الأصلي لكلمة إن شاء الله، وهي تعني أننا نعلق كل شيء على مشيئة الله عز وجل، سواء كان هذا الأمر سيتم في المستقبل البعيد أو القريب، فحتى لو تعلق بفعل سيتم بعد لحظات، فإننا لايمكننا أن نضمن حدوثه، لأننا أصلا لايمكننا أن نضمن حياتنا من موتنا. واصل؛ الكلمة موجود في القرآن الكريم، حيث وجه الله عز وجل نبيه-صلعم- في سورة الكهف حين قال: ''ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله''. والمعنى أن أي عمل نعزم فعلا على القيام به نضيف له كلمة ''إن شاء الله'' من باب التوكل، وبالتالي فإن الجواب من المفروض أن يكون إيجابيا وليس سلبيا''. لكن محدثتنا تعترف أن ما يلاحظ في مجتمعنا حاليا هو الاستخدام العشوائي المتكرر لهذه الكلمة دون إحقاق معناها، ''نلاحظ أنه في أي عمل نقول إن شاء الله، سواء كان موعدا أو خدمة، لكن الشخص الذي يقولها لايكون في الحقيقة عازما على فعل ذلك... إنها تقال في كثير من الأحيان للتملص من الفعل. والدليل أن الكثيرين لايقولون: نعم سأفعل إن شاء الله، وإنما يقولون: إن شاء الله فقط بدون نعم، وهذا ينم عن غياب جواب قاطع للشك. وللأسف، هذا ما جعل كلمة ''إن شاء الله'' ترادف عدم التأكيد. والأدهى أن حتى أولادنا أصبحوا لايثقون في هذه الكلمة، فكثيرا مايقولون لأوليائهم: لاتقل لي إن شاء الله اِفعل الشيء الآن. وهذا يعني أن استخدام هذه الكلمة أصبح سلبيا، وهو مايخالف الأمر الرباني، وبالتالي يشوه صورة الإسلام والمسلم الذي أصبحت إن شاء الله بالنسبة إليه تحمل معنى التواكل. من المفروض أن يلتزم المسلم بالصراحة وأن يقول نعم أو لا بكل وضوح''. ولمزيد من التوضيح، وجهنا سؤالنا للشيخ محمد راتب النابلسي الذي قدم في رمضان الماضي سلسلة قيمة من المحاضرات حول أسماء الله الحسنى في قناة القران الكريم، فأجابنا بالقول: إنه يجب الرجوع إلى تفسير الآية في سورة الكهف: ''ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله'' وهي كالآتي : من عدَّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت، قل: إن شاء الله، استثنِ، إذا استثنيت فقلت: إن شاء الله فإنَّ كلامك صحيح، أمّا إذا قلت: إني سأفعل ذلك غداً، فأنت لا تعرف ما حياة الإنسان، فهو يصبح في ثانية واحدة من أهل القبور. ''إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدا'' -سورة الكهف- لكن (إن شاء الله) لها معنى عامي، يعني إذا لم يكُن الإنسان جاداً في الدفع يقول: إن شاء الله أُعطيك، وإذا كان غير جاد في الحضور يقول: إن شاء الله سآتي إليك، فإن شاء الله أُسيءَ استخدامُها، حتى إنها صارت تعني الإخلاف في الموعد، وعدم الدفع، والكذب، لا، ليست (إن شاء الله) بهذا المعنى، إذا كنت جازماً كل الجزم، وعاقداً كل العزم على أن تدفع تقول: إن شاء الله.