"صلاة لأرض الثورة''، هو عنوان الديوان الشعري الظريف الذي خصصه الشاعر السوري الكبير سليمان العيسى في عام 1961 للاحتفاء بالثورة الجزائرية. نظم قصائد هذا الديوان في ظرف خمسة عشر يوما على حد ما كتبته في المقدمة السيدة ملك أبيض العيسى زوجة الشاعر، وقالت على وجه التحديد إن سليمان العيسى أمضى أسبوعين كاملين وهو منهمك في النظم، يصب روحه كلها في أتون الثورة الجزائرية التي كانت يومها على وشك تحقيق النصر النهائي على الاستعمار الفرنسي. أعدت قراءة هذا الديوان وأنا أستعيد تلك الأيام المجيدة التي عاشتها الجزائر والأمة العربية في أعقابها. وكانت مناسبة نظم قصائد هذا الديوان الزيارة التي قام بها الشاعر والروائي مالك حداد لسوريا بتكليف من الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. التقى الشاعر بالشاعر. هذا ينطق بالعربية وذاك عاجز عن التعبير بها عن خلجات نفسه. ومع ذلك عرف الشاعران سبيلا إلى التفاهم فيما بينهما. استذكرت لقائي بالشاعر مالك حداد يوم أن أسندت إلي جائزة رضا حو للقصة القصيرة في يوم 4 ديسمبر .1969 وكان مالك حداد يومها حاضرا، وأذكر أنه قال لي وهو يستقبلني في وزارة الإعلام: ألفان وخمسمائة دينار، مبلغ لا بأس به ويمكنك أن تقتني به ما تشاء من الكتب! وبالفعل، كان المبلغ جيدا جدا. وأذكر أن مالك حداد طلب مني في عام 1975 أن أنقل إلى الفرنسية بعض قصائد سليمان العيسى بمناسبة انعقاد المؤتمر العاشر لاتحاد الأدباء العرب. وكان ينوي إعادة صياغتها باللغة الفرنسية، أي بقلمه الشاعر الرشيق، ولست أدري ما آلت إليه تلك الترجمة. ها أنذا أستعيد صورة مالك حداد الشاعر الهادئ في مكتبه بمقر اتحاد الكتاب الجزائريين في عام .1975 إنسان كله ظرف ودماثة خلق، وليس هناك فرق بين ما ورد في أشعاره ورواياته. يتكلم بصوت هادئ وهو لا يكاد ينظر إليك، بل يسترق النظر إليك من حين إلى آخر ليتأكد من أن حديثه يبلغ مسامعك. لقد ذهب ذلك الرعيل من الأدباء الجزائريين الذين واكبوا الثورة الجزائرية والطموح العربي مشرقا ومغربا، ولم يبق إلا بعض الصدى الذي يتردد في بعض ردهات النفوس التي كان لها حظ التعرف على مالك حداد وسليمان العيسى والدكتور عبد الله الركيبي الذي ترأس المؤتمر العاشر لاتحاد الأدباء العرب. هل نعود إلى سابق مجدنا الأدبي؟ لست أدري.