تؤكد الدكتورة في علم النفس العيادي بجامعة الجزائر2 ''سامية شويعل'' في هذا الحوار ل ''المساء''، أن المرأة الجزائرية قطعت أشواطا كبيرة ضمن ميادين كثيرة، مُساهِمة بذلك في تحقيق تنمية مجتمعها، وأنه لم تعد هناك أعمال خاصة بالرجل وأخرى بالمرأة، في مجتمع يتفاعل مع محيطه الخارجي بكل تأثيراته. كما تتحدث عن أوضاع الجامعة والصعوبات التي قد تعرقل مسار البحث والباحثين. كما كان للدكتورة رأي حول ما اصطلح على تسميته ب''الربيع العربي''، داعية الشباب لأن يكونوا أكثر إيجابية في الحياة.. - ''المساء'': في البداية دكتورة، حدثينا عن أطروحتك لنيل الدكتوراه، وعلى أي أساس كان اختيارك لموضوع الرسالة؟ * الدكتورة سامية شويعل: أطروحتي تحمل موضوع: تعديل مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي، وأثر برنامج تدريبي لتعلم نظافة الذهاب إلى المرحاض على السلوك التكيّفي لمجموعة من المتخلفين عقليا، القابلين للتعلم. الدراسة كانت إكلينكية على 3 عينات، وتقريبا 400 طفل؛ النصف الأول من ذوي تخلف عقلي بسيط، والنصف الآخر من الأطفال العاديين. تراوحت أعمار العينة ما بين 6 إلى 16 سنة. وقد تم إسقاط هذا المقياس عليهم لاستخراج معايير جزائرية، واعتمدت على المقياس الأمريكي الذي استعمل في بلدان عربية مثل؛ الأردن، مصر والبحرين بعد ترجمته وتقنينه. كما استعمل في بلدان أوروبية مثل بلجيكا. وفي إطار الدراسة، تم استخراج عوامل الصدق والثبات لتطبيقه على البيئة الجزائرية. الرسالة تدخل في إطار تحضير دكتوراه دولة في علم النفس، استغرقت حوالي 10 سنوات، وتمت مناقشتها في ديسمبر.2007 أما عن الصعوبات، فكانت كثيرة؛ لعل أكبرها كان عائق الحصول على النسخة الأصلية للمقياس وحتى على النسخة العربية من الأردن، فقد سافرت إلى بلجيكا وقابلت الدكتور نفسه الذي استعمل ذات المقياس في إطار رسالته، وأيضا الأستاذ فاروق الروسان الذي كان قد ترجم هذا المقياس عام .1980 وقد صمم مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي (aamd-abs) للأقسام العادية، والأقسام الخاصة بالأطفال المتخلفين عقليا القابلين للتعلم (EMR)، والأقسام الخاصة بالأطفال المتخلفين عقليا القابلين للتدريب والتمرن(TMR). يعطي الدليل مقياس التوجيهات الخاصة بتطبيق الصورة المدرسية العامة من المقياس، وكيفية استعمال النتائج للتخطيط التعليمي وتكوين برامج تربوية فردية. ويمكن استخدامه في: - تشخيص حالات الإعاقة العقلية. - التخطيط للبرامج وتقييم فعالية البرامج المقدمة للمعوقين عقليا. - توضيح مواطن القوة والضعف عند الفرد. كما يتضمن المقياس ثلاثة مظاهر: 1 النضج: معدل اكتساب المهارات. 2 القدرة على التعلم: قدرة الطفل على اكتساب المعلومات من مواقف التعليم المختلفة. 3 الكفاءة الاجتماعية: قدرة الطفل على الاستقلال والاعتماد على نفسه. - ولماذا اخترتم فئة ذوي الإعاقة للدراسة والتحليل؟ * إنها فئة من فئات المجتمع، والعمل على مساعدتها في التأقلم أولا مع إعاقتها، ومن ثم الاندماج في مجتمعها مسؤولية الجميع، كما أنها فئة لها مراكزها الخاصة، وعلى الباحثين العمل على تطوير الأساليب الخاصة بالتعامل والتكفل بها، والاجتهاد كذلك لتوفير أساليب اندماجها في المجتمع. - وبعد كل هذا العمل الكبير، هل أنتم راضون على رسالتكم؟ * طبعا، رسالتي أكاديمية ومن المنتظر أن تصدر في شكل كتاب في غضون السنة الجارية، لإفادة الطلبة والباحثين في مجال التربية الخاصة في القياس والعلاج. - وهل من صعوبات اعترضتكم أثناء بحثكم؟ * الصعوبات كانت فقط في سياق الحصول على المقياس بحد ذاته، بحيث أنني اضطررت للسفر عدة مرات إلى الأردن للحصول على النسخة الأصلية والنسخة المترجمة، وكذلك السفر إلى بلجيكا لذات الغرض. أما القول بوجود عراقيل مقصودة، فلم يحصل ذلك إطلاقا، فالمرأة في المجتمع الجزائري مثلها مثل الرجل، ولا أرى أي فرق في الميدان العلمي. لكنني وجدت صعوبات على غرار نقص أدوات البحث وقلة المصادر والوسائل. - وهل من صعوبات أخرى على المجال الشخصي؟ * لا أبدا، أنا أنتمي لأسرة متعلمة وتشجع طالبي العلم. ترعرعت في حي المحمدية بولاية الجزائر الذي يضم أفرادا مثقفين، وقد تأثرت بهم كثيرا، مثلما تأثرت بأساتذتي في كل مراحلي الدراسية. وأمتلك ثقة في نفسي، تتعزز أكثر في كل مرحلة من مراحل حياتي. - كيف بدأتم مشواركم في العلم والبحث؟ * مشواري العلمي بدأ بنيل شهادة البكالوريا شعبة علوم عام ,1984 بعدها درست في كلية الطب لسنة واحدة، وحُوّلت نحو كلية النفس برغبة مني. وفي,1987 نلت شهادة الليسانس في علم النفس العيادي وكنت الأولى على الدفعة. دخلت بعدها آليا للماجستير في نفس الاختصاص، وبعدها انتقلت للدكتوراه التي حضرتها بتأطير جزائري فرنسي. وأشرف عليّ أستاذ من معهد علم النفس المرضي الفرنسي ''برنار شوفييه'' من جامعة ليون .2 - لو أن الزمن يعود بكم للوراء، هل ستختارون نفس التخصص؟ * أكيد، ولكن دعيني أشرح لك، المشكل ليس في الفرع نفسه أو في التخصص، وإنما في ظروف الجامعة، عامة، التي أصبحت لا تسمح بالدراسات من النوعية الرفيعة والدرجة العالية. هي ظروف متشابكة، وربما يعود السبب كذلك لهجرة الأساتذة والكفاءات خلال العشرية التي مرت بها الجزائر، والتي جعلتنا لا ننهل من تلك الكفاءات وإنما نعتمد على أنفسنا أكثر، وبدون تأطير حقيقي. كذلك تدني مستوى الطلبة كثيرا، والسبب -حسب اعتقادي- يعود لتسيير غير الكفؤ للجامعة. - وكيف ترون الحل في كل هذا دكتورة؟ *الحل بكل بساطة يكمن في وضع الإطارات الكفأة في أماكنها، فالجزائر لا تنقصها الكفاءات البشرية ولا الموارد المالية والمادية، وإنما تحتاج لتسيير كفؤ من طرف كفاءاتها حتى تتقدم للمكانة التي تليق بها، وهذا على مستوى جميع الميادين. دعيني هنا أشير إلى مستوى الطلبة في الجامعات، لقد تراجع كثيرا، للأسف، وهذا ليس مشكل الجامعة وإنما يعود إلى التربية الوطنية، لذلك فإن حل هذا الإشكال يكون بالتنسيق بين عدة قطاعات.لا بد من إعادة دراسة المنظومة التربوية وبرامج التربية وإعطاء التعليم حقه الطبيعي، يعني الاهتمام بالنوعية وليس الكمية. - في إطار تخصصكم عن المجتمع الجزائري، كيف ترونه اليوم؛ هل تغيّر حقيقة؟ * طبعا، مجتمعنا تغير كثيرا، ويظهر ذلك في سلوكات الناس والطموحات التي لم يعد لها مكان، وتفضيل الكم على النوع. - بمعنى! * أصبح العنف طاغيا على تصرفات الناس، وانعدم الأمان بين الناس أي أصبحت هناك شخصيات مضادة للمجتمع مثل؛ استفحال المعتدين على الغير والسارقين، وهذا دون تدخل من أحد. أما الطموح ف''الكل'' أصبح يقول: ''تخطي راسي''، حتى الأطفال يرددون كلمة ''ألي قْرا واش دار''، أما عن تفضيل النوع على الكم، فيظهر في النسب المئوية للنجاح دون أخذ النوعية بعين الاعتبار. هناك أيضا مظاهر أخرى؛ كالاكتئاب والانتحار والهجرة غير الشرعية.. فيه تراكم نفسي لفقدان الأمل في الحياة للأسف، لا يوجد أيضا اهتمام جدي بالشباب، أو بالأصح العمل الحقيقي في الاستثمار في طاقات الشباب، لم يصل إلى ماهو مطلوب منه بعد. - وماذا تقترحون في هذا السياق؟ * تعزيز الأمل لدى الشباب، لابد من الدراسة الجدية لمشاكل الشباب وإيجاد حلول واقعية لها، وبمشاركة منهم. لا بد من وعي اجتماعي بحقيقة المشاكل التي يواجهها المجتمع، دون إغفال أهمية التربية الأخلاقية والمدنية، وهذا كل متكامل، أي أنه لا يختص بالأسرة فقط وإنما المجتمع والأسرة ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني. والوعي الاجتماعي نعني به معرفة ما يدور في المجتمع الذي يتغير بتغير الظروف العامة والعالمية، والتغيير ينبع من الإرادة الشخصية والجماعية لتحقيق خطوة إلى الأمام. - هل لنا دكتورة أن نعرف رأيكم حول ما تعيشه المنطقة العربية حاليا من تغيرات؟ * أولا، أفضل عدم تسميتها بالثورة، وإنما أعتبرها انتفاضة تنفسية لا غير، هو ما يطلق عليه علم النفس ''كاترسيس'' أو تفريغ للشحنات النفسية وللقمع الذاتي. ثانيا، لا أعتقد أنها ولدت بمحض الصدفة أو أنها تغيير تلقائي، وإنما هو تغيير مقصود من أطراف أخرى تغذيه لتحقيق مآرب معينة، أسبابه بالنسبة لي ما تزال مجهولة.. وأعتقد أنه من المستحيل أن يكون التغيير حدث صدفة وبالطريقة التي تعرفها هذه المنطقة حاليا، أكيد أن هناك أطرافا تغذي هذه الصراعات لضرب استقرار المنطقة العربية، وإلا كيف نفسر سكوت الشعوب العربية لدُهورٍ، ثم تثور بهذه الطريقة! صحيح أنها كانت تعيش قمعا، وقد وجدت في هذه الثورات متنفسا لتفريغ الشحنات لا غير. هنا نتساءل هل ثارت الشعوب للإدلاء برأيها؟ الأكيد لا. كانت فيه مساحات للرأي، فلماذا الثوران إذن؟ الجواب هو البحث عن التغيير لأن صيرورة المجتمع تتغير، وهذا شيء طبيعي، ولكن أن تكون بهذه الطريقة فمستحيل.. أن تكون تلقائية.. - كلمة أخيرة توجهونها لمن يقرأ حوارنا هذا؟ * أقول دائما؛ إنه فيه شمعة أمل على الفرد البحث عنها، لأن التغيير يكمن هناك. كما أقول؛ إنه لابد من حياكة خيط يربط بين مؤسسات الدولة العليا والفرد الشعبي أو المواطنين، وتعزيز قنوات الاتصال، ومن ثم الثقة بين الطرفين. وللأمانة، أستوصي الجهات المعنية بالأطفال خيرا لأنهم جيل المستقبل ورجال المجتمع-.