لست أدري لماذا عاد طيفك هكذا فجأة ظهر الخميس واستعدت الشعور الذي انتابني وأنا أتلقى خبر فاجعة وفاتك المفاجئ الذي نزل على جميع أصدقائك وزملاء مهنتك بوقع الصاعقة ليس نكرانا للموت الذي يبقى أمرا جللا ولكن لأنك سافرت كما تعودت لرؤية أمك وأبيك ورفيقة دربك وكنا ننتظر عودتك التي لن تأتي... ويمر عام على رحيلك وكأن موتك كان يوم أمس فقط، رحلت في ريعان الشباب ولكن طيفك بقي بيننا تعود في كل يوم ولحظة ومن منا لا يتذكرك في قاعة تحرير احتفظت بصوتك وضحكتك التي كانت تسبقك إلى أسماع زملائك وكأنها اشارة للقول للجميع لقد جئت. لقد تحولت إلى غائب حاضر بيننا سيرتك وخصالك واستعدادك لمساعدة الآخرين بمعلومة أو تاريخ حدث ما أو فكرة وحتى خلفية مقال أبقتك حيا بيننا رغم أن الجميع يستحضر سيرتك في حكم الماضي بعبارات ''كان علي'' أو ''آه لو كان علي هنا"... طيفك حاضر بيننا رغم رحيلك الأبدي وصورتك التي علقت في إطار فوق رؤوس الجميع بقاعة التحرير تذكرنا أنك كنت هنا وأن ذاكرتك مازالت حية بيننا أو لنقل أنها صورة تذكر كل من أنساه تسارع أحداث مهنة المتاعب بصورتك وابتسامتك التي لا تفارق محياك. لا بد أن تعلم علي أيها الراحل عنا أن انتقالك إلى الدار الأخرى شكل صدمة لنا جميعا وأن البعض وبعد عام كامل لم يقتنع بوفاتك رغم أنهم زاروا ذلك المنعرج الذي هوت فيه سيارتك في جسر وادي اميزور على بعد أميال فقط من ايلماتن مسقط رأسك التي شغفت بحبها وتصر على زيارتها لتجديد طاقتك كما كنت تؤكد في كل مرة والتبرك بعطف وحنان والديك ''نا وريدة'' وعمي مصطفى اللذان لم يستطيعا نسيانك وأنت الذي عودتهما على زيارتك ''المقدسة'' نهاية كل أسبوع. ولا يجد المرء في تذكار مأساوي بحجم وفاتك ما يكتبه، حيث تتداخل الذكريات حلوها ومرها وطيف صورتك الملائكي الذي اشتاق إليه الجميع، ولكن من حسن حظنا أن تلك الصورة استعدناها في ملامح علي الصغير الذي يحمل في بريق عينيه شخصية علي الكبير الغائب الحاضر. وكم كانت فرحة الجميع في صحيفة ''المساء'' كبيرة وهم يتبادلون صوره ولسان حالهم أنه ''عليلو الصغير'' وهو يرمق من التقط له أولى صوره في هذه الدنيا وملامحك ظاهرة في محياه الباسم الثغر. وأملهم أن يكون نعم الخلف وقناعتهم أن طينتك لا تولد منها سوى الشهامة والثبات وحسن الخلق ودعاؤهم اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة. رحمك الله علي وأسكنك فسيح جنانه.