رحلت من الدار الفانية ولكن طيف روحك مازال بيننا في قاعات التحرير نستحضره من خصالك، في أقوالك التي حفظت لك أثرك بيننا، رحلت في مقتبل العمر حاملا أحلامك وطموحك ولكن طيف ''علي'' باق معنا بوقعه وأنت حي بيننا لا تفارقنا.. نذكرك سهوا حينا وباستحضار ذكراك أحيانا أخرى. رحلت وقد افتقدك الجميع في جريدتك التي آثرتها على غيرها من الجرائد وعبارات ''قال علي''، ''شفيت واش كان يقول علي''، عبارات تتردد على الألسن في كل لحظة ويوم، ومن منا لا يتذكرك في اليوم مرة بل مرات، ليل نهار بعد أن تمكنت بخصالك الحميدة وشهامتك وخفة روحك وصفاء سريرتك وطيبة قلبك أن تحتل مكانا في قلوبنا جميعا. وكيف لا وقد كنت رهن الخدمة كما يقال، لا ترفض طلبا لأحد هذا يريد نصيحة رغم صغر سنك وآخر يريد مساعدة لحل مشكل شخصي وآخرين استعادة تاريخ حدث من الأحداث وعبارة الجميع ''آه لو كان علي هنا كان على باله بها''. هل تعلم أنك تركت فراغا رهيبا بيننا، فراغ لم يتمكن أي منا تحمله لأن حضورك طيلة عقد من الزمن في الجريدة ترك بصمته ولا أحد سيملؤه وذكراك لا يمكن أن تنمحي هكذا لدرجة معزتك في قلب كل واحد منا. هل تعلم أن كل حديث بيننا بعد رحيلك لا يمكن أن ينتهي دون أن تدخل طباعك وحسن سيرتك وبهاء طلعتك وابتسامتك التي لا تفارق ثغرك في كل حديث. ليس ذلك فقط، فقد كانت نظرتك إلى الحياة في حد ذاتها فلسفة محركها القناعة وغايتها الرضى بكل شيء ومهما كان الحال، صفات لا نجدها إلا عند مؤمن قانع ومحتسب وقد كنت من طينة هؤلاء. وهل تعلم أنني حاولت البحث عن ذكرى سيئة واحدة فقط بيننا فلم أجدها وأنا واثق وبنفس درجة وثوقي اليوم برحيلك الأبدي أن لا أحد منا كانت له ذكرى سيئة بل إن الجميع الذين رثوك غداة رحيلك عددوا خصالك والتي لم يكن لموضوع واحد أن يحصيها. وهل تعلم أن فاجعة رحيلك لم يهضمها أي منا لأن فراقك صدمنا ولولا إيماننا بشئ اسمه الأجل والقدر وأن لكل أجل كتاب لقلنا إن الأمر مزحة أو نحن في مجرد رؤيا ستنتهي بمجرد استفاقتنا من كابوس مرعب ولكنه القدر وأجل الله إذا جاء لا يؤخر. هل تعلم أن لا أحد تجرأ على الجلوس أمام حاسوبك الذي بقي كرسيه ينتظر عودتك ولكن هيهات فالانتظار سيطول ويطول ومن جلس هناك بعد عدة أيام من رحيلك كان من باب أنه سيرمق وجهك في شاشته وكأنك تطل عليه وربما فعلها البعض لاستعادة تلك الصورة المتبسمة لمحياك. هل تعلم أنني لم اتجرأ حتى على النظر باتجاه مكتبك لأنني لا أريد أن أصدق أنك لن تعود في شعور قد يغضب الله لعدم الرضى بقضائه وقدره ولكنه إحساس أكبر من أن أصده عني فتلك هي طبيعة البشر لا يستطيعون تحمل فاجعة فراق كل عزيز. وكيف لي أن أنساك في اليوم الموالي لرحيلك الأبدي وقد قضينا أجمل عشر سنوات بحلوها ومرها، نتقاسم الهموم ونتبادل الحديث في كل شيء، فخزانتك من أسرار الساسة والأحزاب والنواب لا تنضب ففي كل يوم جديد تبشرني ''مولود عندي سكوب من العيار الثقيل'' نفشي أسرارنا لبعضنا باحترام الأخ لأخيه رغم فارق السن بيننا وتوطدت علاقتنا إلى درجة أن الجميع في دار الصحافة كان يعزيني في مصاب موتك وكانوا يرددون علي عبارة ''كنا عندما نراك في ساحة الدار ندرك أن عليا قادم وإذا رأينا عليا تيقنا أنك آت''. وكم كان يعجبني فيك تعلقك بأسرتك ودرجة طاعتك لوالديك حد التقديس وحمل هموم إخوتك وأكثر ما كان يزيد تعلقي بك حرصك على حضور موسم جني الزيتون فعطلتك تتركها لذلك اليوم الذي تقرر فيه ''تجماعت'' قريتك الماتن لبدء جني هذه الثروة التي شكلت بالنسبة لبلاد القبائل رمز الصمود والتلاحم الأسري، كنت تنتظرها بفارغ الصبر لأن العائلة سيجتمع كل أعضائها بعد طول فراق وكم كنت أتمنى لو كانت عاداتنا بمثل عاداتكم لأشعر بما تشعر بعد أن فرقتنا هموم الحياة ومتاعب الدنيا ومشاغلنا اليومية. ورغم صغر سنك فإن نظرتك للأشياء وتحليلك الموضوعي للأمور وأعقد القضايا السياسية في بلادنا زاد من درجة تعلقي بك وجعلتك من أقرب المقربين مني إلى درجة أنك أصبحت تدرك بحسك المرهف متى أكون تعيسا ومتى أكون سعيدا ''واش ماركش مليح اليوم كاش ما كاين رانا هنا؟. واعتقدت أن عبارة ''رانا هنا'' كنت تقولها فقط لي أو لصالح ومليكة أو محمد ولكني بعد إعلان فاجعة رحيلك وجدتها عند كل شخص عرفك في ''المساء'' وفي كل الجرائد الأخرى وعرفتها في خواطرهم التي أبوا أن ينشروها في خبر إعلان نعيك. وهل تعلم أن شوارع حسيبة بن بوعلي والعربي بن مهيدي وديدوش مراد لازالت تذكرك وقد كنا نجوبها طولا وعرضا لا نمل المسير على أرصفتها المكتظة لأن المواضيع التي كنا نتجاذبها كانت بالأهمية التي تنسينا عناء تلك الزحمة فهي لا تنتهي بل تبدأ بالسياسة إلى الوضع العام في الجزائر وتنتقل إلى التاريخ لتصل إلى أخبار الدنيا. قد نكتب ونكتب ولكن ما عسانا أن نقول اليوم وقد مرت أربعون يوما عن فراقك يا علي إننا لن ننساك ما حيينا، وإن تضرعنا إلى العلي القدير أن يشملك بواسع رحمته ويجمعنا جميعا في جنة الخلد لن ينقطع،،،آمين.