ربما هي أمنيتك أن تموت شهيداً، وأن تستعجلَ لقاء الله وتحبَّه، فيعجّل المولى عز وجل ويحب لقاءك، مصداقاً لقوله صلى اله عليه وسلم ''مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهُ كَرِهَ اللهَ لِقَاءَهُ'' فتكون حادثة وادي أميزور السبب والقدر المحتوم... لا نستطيع أن نواجه قدر الله الذي كنتَ أنت راضياً به طوال معرفتنا بك خلال عشر سنوات مرت وكأنها طيف... يوم فراقك غلبتنا الدموع فلم نستطع التعبير، وغلبتنا الصدمة فلم نطق الكتابة والتحرير، ونزلت علينا طامة وفاتك فلم نقدر على تصديق ذلك، وكنا كلما هتفنا لزميل نخبره بذلك يظن أنها كذبة أو''سمكة أفريل'' الذي لم تشهده... ولكنه قضاء الله هدوؤك واتزانك وطيبة سريرتك أيها الراحل منحتك التّجلّة والاحترام من زملائك من حولك وجعلتك تفتكُّ من الجميع الحبّ والتعلّق بك، وكان فقدانك المباغت كافياً لكشف ذلك جلياً، حيث نزل علينا نبأ رحيلك كالصاعقة، لم نصدّق الخبر لأنه حقاً كان صدمة ما بعدها صدمة، فلم نستطع التعبير عن ذلك إلاّ بكلمة ''الله أكبر.. الله يرحمو.. إنا لله وإنا إليه راجعون''.. كانت آخر اللحظات التي رأيتك فيها عندما جئتني تطلب خيط نقل البيانات الخاص بهاتفك النقال، فبحثتُ عنه في الدرج لأجده فقلت لي لن أعيده لك في يوم الغد لأقول لك ''خوذ راحتك''، وبعد قليل وعندما شرعتَ في كتابة موضوعك، سألتني عن موقع إحدى الكلمات من الإعراب وهي ''جمع مذكر سالم'' إن كانت كتابتها مرفوعة أو منصوبة. نم قرير العين أخي علي فكل الأعين التي دمعت حزنا وحرقة عليك لن تتذكرك إلا بالخير والدعاء الصالح، ولن ترى فيك إلا صورة الأخ الكريم والصديق الحميم، لقد زرعت الحب والرزانة والإصرار والطموح في أوسط زملائك، وجئت من تلك القرية الشامخة ''فناية إلماثن'' شامخاً فعشت مجاهداً برأيك ونصحك وخيرك وتوجيهاتك وتسهيلاتك لكل من يعرفونك... ومتَّ شهيداً لأن مركبتك التي هوت بك في مياه واد أميزور عجلت بتغسيلك وإعدادك للقاء مولاك...لقد رحل ربيع عمرك قبل حلول ربيع هذا العام بثلاثة أيام وهو رقم ماركة سيارتك ''سي ''3 . عندما شيعنا جنازتك ووضعناك في مقامك الأخير وألقينا على وجهك الصبوح آخر نظرة، أدركنا أننا سنشتاق إليك وسنحنّ إلى دعاباتك وروحك المرحة وطبعك الخفيف الظريف، وسنفقد مرجعاً في المعلومات والمستجدات...لن يعوضّ طلّتك أحد، ولن يقلّد صوتك أحد ولن نجد يوماً غيرك من نقول له'' ياعليلو'' ويا ليتنا سجلنا مقاطع من صوتك حتى لا ننسى ترانيم حديثك ورنات موجاتك، وأذكر أنني كنت من الذين يستمعون إلى تحاليلك من خلال برنامج ''مقهى الصحافة'' كل أربعاء على أمواج القناة الأولى، وكنت تدلي بدلوك في القضايا الوطنية والدولية وتظهر جانباً من تحاليلك الإعلامية الهادفة والمتزنة، ولذلك كان معدّ البرنامج الزميل أحمد خيدة لا يتخلى عن مشاركتك ولو بالهاتف على الهواء مباشرة. يوم شيعناك سألني شقيقك إسماعيل والدموع تنهمر من عينيه المحمرّتين إنْ كان علي قد أخطأ مع أحد الزملاء، فأخبرته أن علياً لم يخطئ في حق أحد ولا يحمل ضغينة لأحد، بل ''المشكل'' أنه محبوب من طرف الجميع...ولذلك فلا يسعنا إلا أن نشهد الله على أخلاقك العالية وتدينك ومعدنك الأصيل...رحمك الله وطيّب ثراك وأسكنك مع الشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقاً، ورزق أهلك جميل الصبر والسلوان وعظيم الثبات والإيمان.. آمين أمين.