عالجت الأستاذة سميرة مخالدي، رئيسة مكتب الحديث الديني بالإدارة المركزية بوزارة الشؤون الدينية، وعضو باللجنة الوطنية للإفتاء، العنف الأسري على ضوء المنهج الإسلامي، حيث قالت في ملتقى حول العنف الأسري، نظم مؤخرا بجامعة بوزريعة '',''2 إن كل المشاكل التي تعانيها الأسر اليوم، راجعة إلى الابتعاد عما جاء في كتاب الله، وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لم يدع أي مسألة إلا وأعطاها حكمها.وحول إشكالية المنهج الإسلامي في معالجة العنف الأسري، حاورت لكم ''المساء'' الأستاذة سميرة في هذه الأسطر. - ''المساء'': بداية، كيف يعرّف الإسلام الأسرة؟ * الأستاذة سميرة: جاء في كتاب الله العديد من التعاريف للأسرة التي نستخلص منها أنها الهيئة الأساسية التي يقوم عليها النوع البشري، أو القاعدة التي يقوم على أساسها بناء الأمة، و هي حجر الزاوية في بناء المجتمع الذي بقدر ما يكون راسخا متينا، يكون صرح المجتمع وبناؤه شامخا منيعا. وهي أيضا مستقر الإنسان ومصدر أنسه وراحته، وفيها سكنه وطمأنينته، حيث قال الله عز وجل: ''وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ''. وبالتالي، فالأسرة بالنسبة للمجتمع بمثابة القلب للجسد، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ''ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب''، ومن ثمة، نلاحظ من خلال هذه الآيات، أن المولى عز وجل أوزع الأسرة بعناية خاصة، فإذا صلحت ارتقى بها المجتمع، وإذا فسدت عادت عليه بالانهيار والدمار بشتى أنواعه. - فما هو مفهوم العنف في المنهج الإسلامي؟ * إذا قلنا؛ إن العنف هو إلحاق الضرر النفسي أو الجسدي من طرف أحد أفراد الأسرة تجاه الآخر بدافع القوة أو السلطة، فإن من أخطر أنواعه، ذلك الذي يمس ركيزة المجتمع أي الأسرة، والذي يعتبر نوعا من أنواع السلوك العدواني، يخالف ما جاءت به الشريعة الإسلامية من مبادئ حسن المعاشرة، المعاملة، البر والتربية الحسنة. وبالرجوع إلى الإسلام، نجد أنه أولى عناية خاصة بالأسرة، ولا يقبل أي تهاون في رعايتها والحفاظ عليها، فنجده وضع التشريعات التي تنظم شؤونها المختلفة، كأحكام الزواج، الطلاق، الميراث، الحقوق والواجبات بين الزوجين وبين الآباء والأبناء، وقدّم من التوجيهات ما يصون ألفتها ويحقق تعاونها، وشرّع من الفرائض والعبادات ما يصحّح به لبناتها ويعصم أخلاقها، حتى تتوفر القدوة وينشأ النشء في جو من الطهر والسلوك الطيب. وأول ما عني به الإسلام في تكوين الأسرة؛ الحث على الزواج، والترغيب في اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين، الخلق والمنبت الحسن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ''تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ''، وما ذلك، إلا لتنشأ الأسرة في كنف حياة مستقرة بعيدة عن بوائق النزاع والشقاق. ومن ثمة، فالعنف مهما كان نوعه، فهو بمعناه الشامل بالمنهج الإسلامي، انحراف بالجانب الإنساني الواعي العاقل إلى مراتب سفلية، وهو هبوط من الكرامة الإنسانية الشريفة، يُحوّل المخلوق العاقل إلى وحش قُدّت الرحمة من قلبه وقطعت الرأفة من فؤاده، وهو أيضا بمعناه المفصل، الإتيان بسلوك يسبب الضرر للآخرين على غير وجه حق، سواء باستخدام القوة البدنية أو القسوة في التعامل، بل هو كما جاء في لسان العرب لابن منظور؛ ''قلة الرفق''. - حدثينا عن موقف الإسلام من العنف الأسري؟ * حرص الإسلام بكل وضوح على أن تكون العلاقة بين الأفراد وبين هذه الأسرة التي تكوّن المجتمع، علاقة الروح الواحدة، الجسد الواحد والمصلحة الواحدة، من أجل حياة فاضلة كريمة، ملؤها الود والأمن والسلام، من أجل ذلك، حرم العنف بكل أشكاله، يقول الله تعالى: ''وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ''، ويقول في موضع آخر: ''فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ''. وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ''إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه''. ما يستخلص من هذا، أن موقف الإسلام كان واضحا، إذ أنه حرّم وبدقة متناهية استعمال أي نوع من أنواع العنف تجاه الوالدين خاصة، ونحو كل أفراد الأسرة والمجتمع، فنجد أن القرآن الكريم ينهى، مثلا، عن استعمال كلمة ''أف'' للوالدين، مع أنها عبارة عن كلمة واحدة من حرفين، لكنها تعبر عن إيذاء، فاعتبرت عنفا لا يصح مخاطبتهما بها. - في اعتقادك، ما هي أسباب العنف الأسري بالمنظور الإسلامي؟ * أرجح أن الفهم الخاطئ لبعض نصوص الشريعة واحد من أهم مسببات العنف الأسري، إذ ينشأ من سوء فهم بعض النصوص الشرعية استعمال العنف، إذ يعتقد البعض ممن استأمنهم الله عز وجل شؤون هذه الأسرة، أن من واجبه نحوها استعمال العنف حتى يكون على أعلى درجة من تحمل المسؤولية، وعلى أعلى درجة من الامتثال لأوامر الله تعالى. إلى جانب ضعف أو غياب الوازع الديني الذي ينتج عنه تقطع علاقة الود والرحمة بين أفراد الأسرة الواحدة، ويتحول الإيثار إلى أنانية، ويزول التعاون، ومن ثم يسعى كل فرد إلى تحقيق مصالحه الخاصة، فيتولد العنف كنتيجة حتمية. - فيما تتمثل أهم الآثار المترتبة عن العنف الأسري برأيك؟ * أرجح أن من أهم الآثار التي تترتب عن العنف الأسري، هي تلك التي تنعكس اليوم على الشباب، إذ يصاب بعضهم باليأس نتيجة العنف الذي نشأ بأسرهم، فمنهم من يعزف عن الزواج سواء كان الشاب ذكرا أو أنثى، لنظرته المسبقة المتشائمة تجاه تكوين الأسرة. ومن الشباب أيضا، من يتوجه إلى الانحراف السلوكي، الذي يؤدي به في النهاية إلى جرائم القتل أو الانتحار أو التخريب في المجتمع. كما يؤدي العنف إلى إشاعة الفوضى، مما يعيق التنمية بالكامل، يضعف الأمة ويضيّع المجتمع. - علام يعتمد المنهج الإسلامي في الوقاية من العنف الأسري؟ * إن منهج الإسلام في معالجة الأمور، لا يخرج عن الرفق، اللين، الحلم والعلم، فاهتم بصلاح الفرد الذي بمجموعه تتكون الأسرة، من خلال النقاط التالية: - إرشاده إلى التربية الحسنة، وخير منهج في ذلك المنهج النبوي الشريف في تنشئة الابن على استقامة صلته بالله تعالى وبالناس، مع الإلتزام بمكارم الأخلاق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: '' لاعبه سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا''. وتعلم القواعد الصحيحة للعلاقة الزوجية التي هي أساس بناء الأسرة والمجتمع على حد سواء، أي معرفة واحترام الحقوق والواجبات، والعلاقات الأسرية بين الآباء والأبناء وبين الحواشي، إلى جانب انتهاج سبل الإقناع بالتي هي أحسن، قال تعالى: ''ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم''. - كلمة أخيرة؟ * لا أرى كحل للعنف الأسري ما هو أحسن من الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه الذي جاء شاما وكاملا ، إلى جانب فتح باب الحوار الهادف بين أفراد الأسرة، مع حسن الاستماع والاستعداد لتقبل رأي الآخر. وأختم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ''تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي''.