العظماء لا يموتون في وجدان شعوبهم، والراحل أحمد بن بلة من طينة هؤلاء العظماء، فهو بقدر ما كان وفيا لبلده الجزائر وشعبه، بقدر ما تبقى الجزائر وهذا الشعب بكل أجياله، يتذكر أنه زعيم فذ ورجل مغوار ورئيس انتصر للفقراء والمظلومين والمضطهدين في الجزائر وفي خارجها. ناضل واضطهد وخطف وادخل السجن من أجل تحقيق حلمه في تحرير الجزائر واستقلالها من قبضة المستعمر الغاشم وصبر على الظلم بل وقاومه كالصخر متحديا جلاديه ومختطفيه، لأنه ببساطة كان يؤمن بعدالة قضية شعبه وشرعية ثورته ومطلبه في الحرية والانعتاق. كان مساره مليئا بالتحديات وكان شعاره ان يحيا أو يموت من أجل الجزائر، لقد لعب الراحل أحمد بن بلة دورا قياديا في شتى مراحل نضالات الجزائر من التحرير والانعتاق الى البناء والتشييد في واحدة من اصعب مراحل بناء الدولة الجزائرية. ولعل الاجيال التي واكبت الثورة وانصهرت فيها وذاقت ويلات الظلم والاستبداد، تدرك ان الرجل كان من ذلك الرعيل الذي ترك بصماته في تحرير الجزائر الى جانب زملائه الذين لم يرضخوا ولم يقبلوا بالمساومات لأنهم كانوا يؤمنون ان الحرية تؤخذ ولا تعطى وأن الشعوب المظلومة يجب ان تنتصر وأن المستعمر مهما كان بطشه وغطرسته يجب ان يخضع لإرادة أولئك الذين يؤمنون بمبادئ الحرية. هكذا كان الرجل ومن معه، وهكذا كانت فلسفته في النضال الذي كان يخوضه على اكثر من جبهة، بالرغم من أنه كان يدرك بأن الطريق نحو الاستقلال كان شاقا وأن التضحيات جسام. لقد وضع بن بلة كأول رئيس للجزائر المستقلة، أسس الدولة الحديثة، وكان يؤمن بأنه لابد من الانتصار للفقراء والمظلومين من خلال اعتماد العدالة والمساواة في شتى المجالات، ورغم إبعاده عن الحكم في إطار ما سمي بتصحيح المسار، إلا أن تعلقه بالجزائر التي ناضل من أجلها، دفع به للبقاء الى جانب شعبه يناضل سلميا بأفكاره وعقيدته لأنه كان يؤمن بأن الجزائر يجب ان تبقى شامخة وقوية ولا يمكن ان تعصف خلافات بعض ابنائها ولا تعبث بها التقلبات الظرفية، فاختار البقاء الى جانب شعبه الذي أحبه وهاهو هذا الشعب بكل فئاته ينعاه اليوم كواحد من أكبر الرجالات الذين صنعوا الثورة وانتصروا لها في أحلك الفترات، كما انتصر لحركات التحرر في العالم الثالث وافريقيا التي كان حتى قبل وفاته من حكمائها الذين يحظون بثقة واحترام كبيرين.