لم أتعود أن أكتب للرؤساء أو للملوك أو السلاطين مهنئا أو شاكيا أو متذمرا، و لم أجرب أي نوع من الكتابات لا للأمراء و لا لأولياء العهد. لم يدر بذهني في يوم من الأيام أن أتطاول لا كنائب أو مثقف في أن اكتب إلى أي رئيس أية دولة من دول العالم محتجا على عدوان، أو منددا عبر رسالة مفتوحة عن حرب ظالمة أشعلها هذا أو ذاك ، لأنني أشعر أن الكتابة لأي رئيس دولة كان لها أدبياتها و شروطها و أخلاقها .. ثم لماذا أكتب أصلا لهؤلاء أو أولئك ما دامت توجد هنا دبلوماسية تمثلني و تمثل غيري من أبناء هذا الوطن.. لم أجرب طوال حياتي أن أشتكي من ظلم أي حاكم على وجه الأرض.. لم أتعود المدح أو الشيتة من أجل أن أعتلي منصبا بارزا كما يفعل اللاهثون و المتزلفون و الشياتون و ما أكثرهم . و لم أتعود القدح المشين كما تعود آخرون من أجل أن يصلوا بفعل المعارضة الوهمية الشرسة التي تتحول بمجرد اعتلائهم لهذا المنصب أو ذاك إلى قامعين للفكر و الحرية ، والى دعاة للانغلاق بل و إلى سدنة للفكر الواحد الأحد ،ثم إلى دكتاتوريين قمعيين، بل و إلى نابذين للأفكار التي كانت " تميزهم" عن غيرهم من الناس قبل الانقلاب على ذواتهم و حتى على الذين "عرفوهم "و ربما دفعوا بهم إلى الأمام .. كل ما هنالك أنني قررت في لحظة من الزمن أن أكسر كل الحواجز و الطابوهات و أن أكتب إليك أنت وحدك دون الآخرين.. لقد قررت في تلك اللحظة من ذلك الصباح المبكر من يوم الخامس نوفمبر 2008 الذي كنت تلقي فيه خطاب الانتصار أن أكتب ، أن أكتب إليك أنت سيدي الرئيس الأمريكي المنتخب، أنت بالذات باراك حسين اوباما، قررت أن أخاطبك ليس بصفتي النيابية، و ليس بصفتي النضالية في حزب ناضل رجالاته و نساؤه الشهداء منهم و الأموات رحمهم الله و الأحياء أطال الله في أعمارهم من أجل تكريس قيم الحرية و العدالة و محاربة الجهوية المقيتة و العنصرية البغيضة. قررت أن أكتب إليك ليس بصفتي كرجل يتعاطى مع الفكر السياسي و مع الثقافة و مع الحرية و الديمقراطية ،قررت أن أكتب إليك ليس من منطلق إقليمي ضيق و كلانا سيدي الرئيس ينتمي إلى القارة الافريقة رغم تباين بشرتنا.. قررت يا سيد البيت الأبيض الجديد اوباما أن أتوجه إليك و أنت الرقم الجديد الرابع و الأربعون من رؤساء أمريكا لأهنئك أولا بهذا الفوز الكاسح الذي حققته ليس فقط لآل اوباما في قرية "كوغيلو" تلك القرية التي كانت منسية في كينيا أو الأفارقة وحدهم، بل و لكل الذين هم منم طينتك من بني الإنسانية جمعاء، للذين يصنعون من العصامية والأفكار الجميلة و القيم النبيلة سلما يعتلون به المجد و العلا، بل ويصنعون من الحلم حقيقة. لقد قررت يا سيدي الرئيس أن أخاطبك أنا الإنسان بصفتك أنت الإنسان أولا، و بصفتك أنت الرئيس الذي سيحكم أهم و أقوى دولة في العالم.. قررت يا سيادة الرئيس أن أخاطب فيك الضمير الإنساني الحي حتى لا يكون التغيير الذي حدث في أمريكا على يديك مجرد تغيير في الواجهة السياسية الأمريكية،و أنا و الآخرين مثلي المؤمنين بأنسنة العلاقات بين الدول و الشعوب نريد تغييرا في العمق و الجوهر لا تغييرا في المخبر و المنظر، تغييرا في العلاقات الدولية التي داسها سلفك ،و تغييرا كليا في سياسة العجرفة والصلف التي انتهجها سلفك عبر تنظير المجموعة التي أحاطت به وأحكمت طوقها عليه، حيث كان أحدهم يوصف بأمير الظلام في حين أن شعوب هذا العالم تبحث عن رجالات و قادة الضوء الأخضر والبياض والصفاء.. لقد استمعت إليك في ذلك الفجر الجديد ، استمعت إلى كلماتك الرقيقة القوية في نفس الوقت، والتي لا أكتمك بأنني تأثرت بها ووجدت نفسي لأول مرة منذ تعاطيت مع السياسة ومع الإعلام كما أومن به وكما يؤمن به الشرفاء وما أكثرهم مثلي أقول أجدني أتأثر ولأول مرة بعد حوالي أربعين عاما لانتسابي للصحافة ثم السياسة بخطاب رئيس دولة أجنبية .. صحيح أن خطابات أمثال عبد الناصر وغاندي ومانديلا ونكروما ونيريري وسوكارنو وبومدين وغيرهم من الرجالات كانت ملهمة لنا و لغيرنا نحن الجيل الذي تشبع بقيم الحرية والانعتاق والاستقلال مثلما تشبعت أجيال قبلنا بقيم ويلسون ومبادئه الشهيرة من الاستقلال والانعتاق للشعوب.. لقد استمعت إلى كلماتك التي حملت في أسمى معانيها روح التغيير في أمريكا بعد أن كان أمثالك سيادة الرئيس قبل عشريات قليلة مجرد مستعبدين و خدم لدى البيض لا يحلمون حتى بالجلوس في مقعد حافلة كما فعلتها تلك المرأة الشهمة من بني جلدتك عندما ثارت على ذلك الفعل الإنساني البغيض الغارق في العنصرية، ثم هاأنت ذا تكرس على أرض الواقع الأمريكي الجديد تلك القيم النبيلة التي اغتيل من أجلها داعية حقوق الإنسان في أمريكا الرمز الراحل لوثر كينغ .. سيدي الرئيس: لست من الذين ينطبق عليهم مقولة:مات الملك عاش الملك.. لكنه لابد من الاعتراف أن سلفك بوش جعل العالم كله يكاد يكره أمريكا بسبب الحروب الظالمة التي ورط فيها شعب أمريكا الطيب، حيث خاض حربا مدمرة في العراق بدعوى أسلحة الدمار الشامل الوهمية ، وظل يخوض حربا قاسية في أفغانستان بدعوى محاربة الإرهاب، وكاد يخوض حروبا في ليبيا وفي كوريا الشمالية وفي إيران بدعوى وجود أنظمة مارقة في تلك الدول.. ثم ها هي ذي طائراته تنقض بين الحين و الآخر على سكنات المواطنين الآمنين بما فيهم العرسان الجدد و الصبيان في الأراضي الباكستانية دون علم مسبق من الحكومة الباكستانية، فتروع بذلك من تروع ،و تقتل من تقتل من الناس بدعوى مطاردة رجالات القاعدة التي هي كما تعرف و ستعرف أكثر سيادة الرئيس بعد اطلاعك على خفايا و أسرار البيت الذي ستسكنه أن هذه "القاعدة" هي مجرد غول و فزاعة أمريكية لتخويف الشعوب بهذا الإرهاب "الإسلامي" الذي يتزعمه شخص يدعى بن لادن كان في القرن الماضي مجرد صناعة أمريكية لضرب الاتحاد السوفيتي السابق، ثم صار مع هذا القرن سلعة أمريكية موجهة لضرب هذا الدين العظيم الذي كنت تدين به من قبل.. لقد تابعت حملتك والحملات كما يعرف المختصون في علم الاتصال والدعاية قد يقال فيها كل شيء بما في ذلك الذي يتناقض مع الأخلاق والقيم، ثم لا يطبق فيها كل شيء خاصة بالنسبة لمن هو في منصبك رئيسا لأكبر دولة في العالم يتابع الناس كل خطواته، بل يتتبعون حركاته وسكناته وأنفاسه لحظة بلحظة.. قد يلومك بعض العرب الذين لا يعرفون أمريكا بأن اللوبيات المتحكمة فيها و في مقدمتهم جماعة "الأيباك" ستجعلك أسير سياساتها وأنك لن تختلف عن سابقيك في دعم إسرائيل وأنك ستكون مجرد صورة منسوخة لبوش في تعامله السياسي مع قضية الشرق الأوسط وغيرها من القضايا العادلة في العالم ، وينسى هؤلاء أنك أنت العصامي الوحيد الذي وصلت إلى ما وصلت إليه بفضل كاريزميتك أولا وقد أحاط بك حتى قبل الوصول إلى البيت الأبيض بعض الرجالات المؤثرين من تلك الجماعات الضاغطة في أمريكا، ومن بينهم مدير حملتك "دافيد بلوف" الذي لا شك أنه لا يقبل أن تميل يا سيادة الرئيس مليمترا واحدا نحو الخط الذي يعادي إسرائيل. نعم ،ندرك أنك مطوق بهم في البيت وفي البنتاغون وفي وكالة الاستخبارات وال ف ب اي ، وندرك أنك مطوق بأصحاب القرار الفاعلين في مختلف دواليب الدولة سياسيا و اقتصاديا وعسكريا وأمنيا، و لكن ندرك أيضا بأن العظماء بإمكانهم أن يغيروا لأنهم قادرون على التغيير والإقناع والحوار، و أنهم لن يكونوا أسرى محيطهم الضيق.. لست ممن يترجاك في شيء ما لأنني واحد من ممثلي هذا الشعب العظيم الذي لم يركع إلا لرب العالمين ، و لست ممن يبيعون وطنهم و"يرخصون" بوطنيتهم، فيرحلون إلى بلدك تزلفا إليك وللاستقواء بك ضد مؤسسات بلده التي يؤمن بها حتى الثمالة ، صحيح قد ينتقد أحدنا سير بعض هذه المؤسسات داخل البلد لكنه ليس من الذين "يأكلون الملة و يسبون الغلة" خارج حدود الوطن .. إنني سيادة الرئيس لست من تلك الطينة و لن أكون بعد هذا الذي قد قطعته من أشواط عمري والأعمار تمضي بنا إلى أن نلقى الله .. كلماتي إليك سيادة الرئيس بسيطة لا فلسفة فيها ولا تنميق ولا تزويق.. كلماتي إليك وقد تحدثت في حملتك وفي خطاب الانتصار عن التغيير والسلام وحقوق الإنسان وعن نظرتك إلى العلاقات الدولية المشينة أن تعمل على تغيير تلك الصورة النمطية التي علقت بأذهاننا عن حماقات أمريكا البوشية ،و أن تعيد لنا صورا من الصور الجميلة التي سمعنا بها وقرأنا عنها في السابق، عن أمريكا "الكينيدية" عندما كان الرئيس يقف مع المظلومين ضد الظالمين تماما كما فعلها الراحل كينيدي بالنسبة لنا نحن الجزائريين عندما أيد قضيتنا العادلة حتى قبل أن يكون رئيسا لأمريكا، ثم وقف رئيسا ضد فرنسا حليفة بلده في الحلف الأطلنطي. سيدي الرئيس وأنت الذي أعدت بانتخابك رئيسا لأمريكا الأمل في كثير من الناس والشعوب المضطهدة في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان وفي كل بقاع العالم أملنا أن تزيل من الأذهان تلك الصورة الأمريكية الظالمة المتغطرسة. فهناك أمامك معاناة هؤلاء الفلسطينيين المشردين منذ ستين عاما والذين يتعرضون للمجازر تلو المجازر على أيدي الاسرائليين، إننا ننتظر منك موقفا إنسانيا لا أكثر أو أقل يكرس حق هؤلاء الناس في أن يقيموا دولة فوق الأرض التي سلبت منهم ذات عام منذ أكثر من ستين عاما مضت، وننتظر منكم موقفا يسحب قواتكم من العراق ، وننتظر منكم موقفا يعيد للعلاقات بين الدول الدفء وينهي سنوات الظلم والعجرفة التي قادها سلفكم بوش بكل صلف وعجرفة .. غيروا سيادة الرئيس تلك النظرة عن بلدكم وارسموا له صورة جميلة وستجدون أن الذين كانوا يكرهون أمريكا سيتغير كرههم على الأقل إلى إعجاب.. جربوا وستجدون أن العظماء ليسوا هم من يشعلون الحروب ولكن هم الذين يتمكنون من وضع أسس السلام والمحبة بين شعوبهم وشعوب العالم.. جربوا وستجدون أنكم الرئيس الذي ستكتب أحرفه بماء الذهب ليس في بلدكم فقط ولكن في العالم أجمع.. جربوا فلن تخسروا شيئا وستغيرون عندها تلك الصورة المشينة التي لصقت بأجدادك الأفارقة الذين كان يتم جلبهم من إفريقيا مقيدين بالسلاسل لخدمة الرجل الأبيض في أمريكا.. عندها سيادة الرئيس ستصبحون في صورة الرجل المثل في العالم كله وليس في أمريكا وحدها.. [email protected]