دعت المجاهدة زهرة ظريف، أول أمس، خلال نزولها ضيفة على نادي الإعلام الثقافي بقاعة »الأطلس« إلى ضرورة تجنيد النخبة المثقفة الجزائرية للتصدي لحملات التشويه التي تستهدف ذاكرة الثورة التحريرية، مؤكدة أن الردود لابد أن تكون في سياق علمي وموضوعي مؤسس على معطيات دقيقة. أشارت السيدة ظريف إلى أن هذا اللقاء مكمل للقاء الأسبوع الفارط الذي نشطته بنفس النادي والمقصود من ذلك هو الإلحاح في الدعوة إلى ضرورة إشراك كل الفعاليات خاصة المثقفة منها، للنهوض بذاكرتنا ونفض الغبار عنها وجعلها تصدّ مخططات التحريف والتشويه التي تحاول نزع الشرعية عن ثورة التحرير. قالت السيدة ظريف في معرض تدخلها »إن الاحداث والمتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية مؤخرا فرضت علينا الحضور واسترجاع ذاكرتنا التاريخية والنضالية، لقد عادت القوى العالمية الكبرى الآن بفكر استعماري متجدد (بثوب جديد) وبدا حنينها واضحا نحو مستعمراتها القديمة، علما أن الخطاب الاستعماري لايظهر مباشرة وصراحة لكن منطق القوة والضغط سائد بشكل أو بآخر، مما يفرض علينا الفطنة وإدراك الرهانات كي ننظم أنفسنا ونواجه بالحجة وبنشر الوعي وبتحسيس شعوبنا بالاخطار التي يحيكها الطامعون فيها«. وتضيف المتحدثة »إننا نستغل مناسبة خمسينية الاستقلال كي ننشر تراثنا الثوري ومبادئ نضالنا ورفضنا للهيمنة الأجنبية مهما كانت«. توقفت المجاهدة ظريف عند بعض مظاهر التشكيك بتاريخنا وثورتنا، ومن أبرز ما استشهدت به ذلك التساؤل المفخّخ الذي يوجه غالبا لجيل المجاهدين والجزائريين عموما الذين عاشوا فترة الاستعمار والذي يقول »ألم ينتبكم إحساس بالخيانة تجاه الثورة والشهداء لأنكم لم تحققوا شيئا من اهدافها؟«. هنا اعتبرت ظريف التساؤل الخبيث محاولة لزرع الندم في نفوسنا وفي وعينا الباطن على كل ما قمنا به من جهاد ومقاومة للاستعمار. لذلك - حسبها- على شعبنا أن يكون واعيا لهذه المخططات التي تزرع التشكيك في ثورتنا ويكفي أن يقوم الواحد منا بمقارنة بسيطة بين مرحلة الاستعمار والاستقلال ليلاحظ الفرق، علما أن دعاة الاستعمار وزبانيتة هم أدرى الناس أنه لا مجال للمقارنة بين الفترتين وأن الجزائريين كانوا قبل سنة 1954 شعبا بلا كرامة ولا حياة، تقول »أيعقل أن نقول أن سنة 2012 (50 سنة بعد الاستقلال) هي أسوأ من سنة 1954 ياللعجب. إن الانفتاح الذي تعيشه الجزائر كغيرها من دول العالم سمح لابنائها الاطلاع على تقدم ونقلات شعوب أخرى متقدمة، مما ولد عندها أحلاما وطموحات نحو غد أفضل وهذا حق مشروع ومقارنة مشروعة في اطارها الداخلي والجزائري المحض، كما أن طرح مشاكلنا الراهنة، كجزائريين ظاهرة صحية إذا لم يحشر الأجنبي أنفه فيها. تؤكد المتحدثة أن التواصل بين الجزائريين كان شبه ممنوع إبان الاستعمار فلقد قسم هذا الاحتلال البلاد الجزائرية إلى 3 مناطق (العاصمة، وهران وقسنطينة) وكل منطقة تكاد تكون معزولة عن الأخرى وفق قوانين رسمية. ظلت الضيفة ظريف تلح على دور الطبقة المثقفة عندنا لتبني استراتيجية دائمة للحفاظ على ذاكرتنا الوطنية، إضافة إلى رفع مستوى الوعي عند شعبنا للتصدي لهذه المخططات، فالشعب وحده من لديه سلطة حماية »قانون تجريم الاستعمار« على المؤسسة التشريعية في الجزائر. للإشارة فقد حضر الندوة مع السيدة بيطاط البروفيسور سليمان حاشي رئيس المركز الوطني للبحوث ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والإنثروبولوجيا الذي ثمن مبادرات حماية ذاكرتنا التي هي ركيزة لبناء مستقبلنا مستعرضا بالمناسبة الحرب الشاملة التي خاضتها فرنسا ضد الشعب الجزائري بما فيها محاربة نسيجنا الثقافي والاجتماعي بطرق جهنمية ولذلك اعتبر وجود الشعب الجزائري وصموده معجزة صنعتها المقاومة. أشار حاشي إلى أن جمهور المؤرخين والباحثين والانثروبولوجيين هم من على عاتقهم مسؤولية حماية الذاكرة الوطنية، إضافة إلى ضرورة نشر أبحاثهم في الداخل والخارج وعبر كل وسائط الاتصال. كما أكد المتحدث أنه توجد الآن فرق بحث ومحاولات لتجميع الباحثين والمفكرين نحو هذا الموضوع سواء في الداخل أو الخارج وبالتالي تجنيدهم وهيكلتهم بشكل دائم، علما أن الوصاية لم تبخل بالتمويل ففيما يتعلق باحتفاليات الخمسينية تمت برمجة عدة ملتقيات علمية وعدة بحوث خاصة بالثورة وسيتم بثها ونشرها عبر وسائل الإعلام. حضر اللقاء جمع غفير من المثقفين والمجاهدين الذين قدموا اقتراحات ومشاريع للنهوض بذاكرتنا الوطنية، منها مثلا استرجاع أرشيفنا في الداخل (من الخواص) ومن فرنسا وتقريب التاريخ إلى تلاميذ المدارس والحث على نشر وإنتاج المادة التاريخية المصورة والمكتوبة وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال ومحاولة خلق نشريات مختصة (دوريات) تعنى بإصدار الابحاث العلمية والكتب. أثناء اللقاء تقدم الديوان الوطني للثقافة والإعلام رسميا للسيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة التي حضرت بالقاعة برسالة قرأها سمير مفتاح تتضمن بعض المطالب التي من شأنها المساهمة في الحفاظ على ذاكرتنا، منها خلق فضاءات مكتبية بنادي الإعلام الثقافي بها كتب وأفلام وغيرها خاصة بالثورة وكذا المطالبة بتأسيس فرقة موسيقية تحمل اسم »علي معاشي« خاصة بالشباب تعنى بالأغنية الوطنية، وكذا إنشاء فرقة مسرحية شبيهة بفرقة جبهة التحرير الوطني، وطبع سلسلات عن تاريخ الجزائر وكذا برمجة زيارات إلى ولايات الوطن من طرف زهرة ظريف وعدم الاكتفاء بلقاءات العاصمة.