استقبل لقاء ''موعد مع الكلمة'' بقاعة ''الأطلس''، أول أمس، المجاهدة زهرة ظريف بيطاط التي استغلت حضورها للرد بثبات وثقة على ادعاءات برنارد هنري ليفي الذي تهجم عليها في مقال نشرته منذ أيام جريدة ''لوبوان'' الفرنسية بعدما هزم أمام زهرة ظريف على المباشر في مناظرة نظمتها جريدة ''ماريان'' و''الخبر'' بمرسيليا - مؤخرا - بعنوان ''الجزائر 50 سنة من بعد''. استهل اللقاء بوقفة تكريمية للمجاهدة بادر بها الديوان الوطني للثقافة والإعلام وسط حضور مكثف لم تشهده قاعة نادي الإعلام الثقافي بالأطلس من قبل، وكان من بين الحضور إطارات في الدولة وباحثون ومثقفون وكذا جمع من المواطنين. ومباشرة بعد التكريم، تم عرض مقطع من مناظرة زهرة ظريف مع ليفي (مدته 20 دقيقة) ظهرت فيه المجاهدة أكثر هدوءا ورزانة عكس ليفي الذي بدا مضطربا ومغرورا. الحجة تفرضها وقائع التاريخ انطلقت المناظرة بتدخل السيدة ظريف التي اعترفت بداية أنها لم تتعود على مثل هذه اللقاءات، لكنها سرعان ما راحت تفتح جراحها وجراح ا شعبها التي لم تلتئم بعد بفعل وحشية الاستعمار. عرفت ظريف نفسها ليس بشكل شخصي ولكن ضمن انتماءاتها لشعب وأرض الجزائر قائلة ''أنا أحمل هوية هي عبارة عن ترسبات لتاريخ وثقافة شعب ولجغرافية وطن ينتمي في بعده الحضاري والقومي إلى العالم العربي والإسلامي ولإفريقيا، إذن فإن هويتي خالصة ومعرفة''. واصلت السيدة ظريف حديثها بالقول ''أنتمي إلى جيل ولد في عهد الاستعمار الفرنسي للجزائر وأنا من أبناء هذا الشعب الذين حملوا السلاح وناضلوا تحت لواء جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني، عملت في المنطقة المحررة (القصبة بالجزائر) تحت إشراف ياسف سعدي والعربي بن مهيدي ومع غيرهما من مسؤولي الثورة، لقد حاربنا مظاهر محو الهوية، ولاسترجاع حقوقنا ولنتخلص من العبودية التي فرضها علينا الاستعمار، قررنا الموت من أجل أن نعيش، لم يكن لدينا خيار آخر''. تشير المجاهدة خلال المناظرة إلى أن الاستعمار الفرنسي كان نظاما عنصريا وبالتالي فإن مشكلتها ومشكلة الشعب الجزائري لم تكن مع أفراد (فرنسيين)، بل مع نظام استعماري مستبد. وتقول ''جهادي كان من أجل شعبي وبلادي وأقولها بملء فاي وأنا على أرض فرنسا، لأنني لا أريد أن أكسب أحدا على حساب تاريخي، بل كل ما أرجوه وبكل هدوء ايصال رسالة وعي نحو هذه الثورة وهذا الشعب الذي دفع غاليا لاستعادة استقلاله وكرامته''. إن الثورة ممثلة في جبهة التحرير الوطني، جمعت تيارات وايديولوجيات وجنسيات مختلفة، كما أضافت ''كنا كلنا متحدين حول هدف واحد لا حول زعامة واحدة، كنا مختلفين أحيانا في الرؤى، لكن ذلك كان أمرا ثانويا أمام أحلامنا بمشاريع ما بعد الاستقلال''، و''لاتحل المقارنة بين 132 سنة استعمار وفترة 50 سنة استقلال، فرغم قصرها في عمر التاريخ إلا أنها أظهرت الفرق بين الكرامة والعبودية''. بالمقابل، بدا ليفي متسرعا يحمل أحكاما مسبقة وجاهزة عن الثورة التحريرية، محاولا في كل مرة ضرب جبهة التحرير الوطني، حيث قال مثلا إنها ''استعملت وسائل إرهابية للوصول إلى الاستقلال''، حاثا على واجب تنقية الذاكرة الجزائرية من ''شوائب لازمتها'' تسبب الاحقاد والاحتقان، مؤكدا أن الوصول إلى ''تصحيح التاريخ'' هو بمثابة ''ربيع جزائري في إطار الربيع العربي''، وهنا احتج الجمهور الحاضر بمرسيليا على المتدخل مما اضطره إلى الهتاف (بمضاضة) ''تحيا الجزائر، تحيا الجزائر''. زهرة ظريف لم تتزعزع، مواصلة حديثها بهدوء، متسائلة ''ماذا سيكون رد فرنسا لو أن الاحتلال الألماني زرع فيها 10 ملايين عائلة ألمانية دون رضاها''. ثم تواصل طريق رجوعها إلى ذاكرتها النقية لتستحضر مآثر حسيبة بن بوعلي التي ماتت تحت الديناميت ووريدة مداد التي اكتشف أثناء دفنها أن قدماها محترقتان، وكذلك حال آلاف الجزائريين الذين قنبلتهم فرنسا بيد جيشها النظامي، بينما المناضلون الجزائريون كانوا مدنيين اضطرهم الاستعمار لحمل السلاح بعدما أوصد كل أشكال التسوية معهم ليقرروا حل مشاكلهم بأنفسهم. لست نادمة ولا كوابيس تؤرقني أكدت السيدة ظريف لليفي أثناء المناظرة أنها ليست نادمة على جهادها وعلى القنبلة التي وضعتها في أحد المقاهي منذ 56 سنة وبالتالي فإنها تنام ملء جفونها ولا كوابيس تتهددها، ذلك أن ما فعلته كان من أجل استرداد كرامة شعب ولم يكن لها خيار أو فرصة أخرى. بعد العرض مباشرة، انطلقت مداخلة السيدة زهرة ظريف بقاعة الأطلس مستهلة إياها بالوحشية التي تميز بها الاستعمار في الجزائر، أولها القضاء على آدمية الشعب الجزائري لتقول إننا في عرف الاستعمار لم نكن آدميين، يجب على أجيال الاستقلال أن تعي ذلك رغم أن هذا أمر يصعب تصديقه ولايدركه إلا من عاش ويلات الاستعمار مثلي، إن جيل اليوم يعيش بكرامة على أرضه وهذا لا يساويه ثمن فلا أحد اليوم يقول لك ''حقير''، ''كلب''، ''حيوان''، ولا أحد يصف شعبك بالغبي الأحمق، ''لاحظوا التغيير بعد 50 سنة من الاستقلال في التعليم والتكوين والإطارات الجزائرية المنتشرة في البلدان المتقدمة، كلها ثمرة ,1962 أنا أكثر من يتمنى ذلك وأفتخر به، صحيح أن لدينا مشاكل ونقائص، لكن كل شيء يأتي مع الوقت وبالنضال المستمر وليفي يعلم أكثر من غيره قيمة الاستقلال وما تحقق لأنه مطلع ومثقف ويحسن المقارنة''. الجزائر مستهدفة تاريخا وجغرافيا أشارت السيدة ظريف إلى أن من أسباب قبولها دعوة ''ماريان'' و''الخبر'' حضور هذه المناظرة بمدنية مرسيليا، الحملة الشرسة على تاريخ ثورتنا المجيدة، خاصة عبر الإعلام الفرنسي (سواء ذو الاتجاه اليميني أو اليساري). والخطير هو إعطاء صفة ''اللاشرعية'' على ثورتنا التي يصفها العالم بأنها من أعظم ثورات التحرير في القرن ال,20 مع التأكيد أن ضرب الثورة وتاريخها يستهدف أيضا نضال ومقاومة الشعوب اليوم لنيل حريتها وفي مقدمتها نضال الشعب الفلسطيني. ردت السيدة ظريف على افتراءات ليفي التي جاءت في مقال كتبه مؤخرا في جريدة ''لوبوان'' عبر فيه عن أحقاده الدفينة تجاه الجزائر والعرب ولم يحترم أدنى شروط اللباقة ليصل إلى شتمها ومحاولة النيل من الثورة وشهدائها الأبرار. تقول السيدة ظريف ''قناعات ليفي معروفة وموقفه من ليبيا واضح، فقد ساهم في تدمير شعبها من خلال استقدام حلف الناتو إليها، كما أنه لايكف عن الافتخار بجذوره اليهودية ويتناسى جرائم الحرب للاستعمار الفرنسي في الجزائر الذي وجد عدد سكان الجزائر عام 10 1830 ملايين نسمة، لينخفض هذا العدد إلى 5,2 مليون فقط عام .1871 إن حقده غير مبرر ويستهدف الرموز في الأساس، إن ليفي رمز التناقض ويظهر ذلك في مواقفه التي يساوي فيها بين الضحية والجلاد، إنه رجل لا يقتنع باستقلال الجزائر وما يراه من نهضة منذ ,1962 فالجزائر حسب المختصين خضعت لحرب تدميرية شاملة''. وبالمناسبة، قدمت السيدة زهرة ظريف بيطاط (المجاهدة والحقوقية والسيناتور) صورة عما يتهدد العالم العربي اليوم من مخاطر في إطار عودة أطماع الاستعمار الغربي، مؤكدة أنها تنبأت بهذه الثغرات منذ احتلال العراق عام 2003 ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه فالمواثيق والإعلانات الاستعمارية، خلال القرن ال 19 تكاد تكون نفسها اليوم مع تغيير الحجة من ''التحضر'' إلى ''الديمقراطية''. في الأخير، أكدت ضيفة ''موعد مع الكلمة'' أننا نعيش مرحلة الجهاد الأكبر وأن حماية الاستقلال هي مهمة الجميع وليست مقصورة على جيل الثورة من المجاهدين وعلى الأجيال اليوم الإسراع في الرد كل في مجاله وفيما يتعلق الربيع العربي الذي لا يكف ليفي بالمطالبة به، ردت أن الجزائر عرفت ربيعها الأمازيغي الذي تحققت به الأمازيغية لتصنف لغة وطنية في الدستور وعرفت أيضا - أي الجزائر - تغييرات عميقة بفضل نضال أبنائها في الداخل. من جهة أخرى، حرصت المتدخلة على التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية التي هي صمام أمام لكل محاولات الهدم والتدخل.