يتوجه 45 مليون ناخب فرنسي اليوم إلى مكاتب التصويت لاختيار رئيس جديد للبلاد من بين تسعة مرشحين لعهدة رئاسية جديدة من خمس سنوات. وشهدت فرنسا طيلة أسبوعين حملة انتخابية شدت إليها الانتباه وسط طغيان عامل المفاجأة الذي يمكن أن يحدث الاستثناء هذه المرة بإزاحة الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي لصالح منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند الأوفر حظا لاعتلاء كرسي قصر الإليزي. وفي حال نجح هولاند في رهانه فإنه سيكون أول مرشح اشتراكي يبتسم له حظ الجلوس على كرسي الرئاسة الفرنسية لأول مرة منذ حكم الرئيس فرانسوا ميتران ما بين سنتي 1981 .1995 وانتهت الحملة الانتخابية منتصف ليلة الجمعة إلى السبت وقد قدم كل مرشح الخطوط العريضة لبرنامجه السياسي وتفنن كل واحد منهم في تقديم وسائل الإقناع التي عادة ما حملت نقيض مقاربة الآخر، لكنها صبت جميعها في خدمة المجتمع الفرنسي وإن اختلفت الوسائل والأساليب والطروحات لتحقيق ذلك. ورغم ذلك فإن جل المتتبعين للشأن السياسي الفرنسي أبدوا مخاوف متزايدة من احتمالات تسجيل أكبر نسبة امتناع في موعد اليوم قد تصل حسب العديد من نتائج سبر الآراء إلى حوالي 26 بالمائة من إجمالي عدد الناخبين في ارتفاع ملحوظ مقارنة بانتخابات سنة 2007 والتي لم تتعد حينها 16 بالمائة. وفي حال صدقت هذه التوقعات فإن الكل متأكد من أن ذلك سيخدم اليمين المتطرف الذي تقوده مارين لوبان رئيسة الجبهة الوطنية التي قد تعيد تجربة انتخابات سنة 2002 عندما تمكن والدها جون ماري لوبان من إحداث المفاجأة بتخطيه عتبة الدور الأول لأول مرة في تاريخ حزبه مستفيدا من نسبة امتناع تجاوزت حينها عتبة 28 بالمائة. واقتنعت الطبقة السياسية الفرنسية منذ تلك الانتخابات أنه كلما زاد عدم اكتراث الناخبين كلما انتفع منها اليمين المتطرف الذي يتميز ناخبوه بالانضباط الانتخابي وهو ربما ما جعل المرشحين ساركوزي وهولاند يركزان في آخر تجمعاتهما أول أمس على دعوة المترددين والممتنعين على عدم ترك الباب مفتوحا أمام اليمين وحثوهم على التوجه إلى مكاتب التصويت، خاصة وأن عدد الذين لم يختاروا مرشحهيم إلى غاية أمس بلغ نسبة ناخب واحد من بين أربعة. وأرجع متتبعون عدم اهتمام الناخبين الفرنسيين إلى وجودهم في عطلة عيد الفصح الذي عادة ما يخرج فيه الفرنسيون في عطلة سنوية ومدرسية تاركين مشاكلهم السياسية والاجتماعية وراء ظهورهم. وهو ما جعل المرشحين الأوفر حظا للانتقال إلى الدور الثاني نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند في السادس ماي القادم يركزان جل حملتهما على الأغلبية الصامتة أو أولئك الذين لم يحسموا بعد مسألة مشاركتهم من عدمها أو أولئك المترددين بين الأسماء المطروحة لهذا الموعد الانتخابي الذي يكتسي أهمية استراتيجية علهما يحققان هدفهما في اعتلاء كرسي الرئاسة الفرنسية. ونظرا إلى التقليد المتعارف عليه في تاريخ الانتخابات الفرنسية باستمرار الصراع بين اليمينيين والاشتراكيين فإن الأنظار متوجة منذ اليوم إلى ما بعد هذا الموعد وتحديدا إلى الدور الثاني الذي رشحت كل التكهنات الرئيس الحالي والاشتراكي خوضه، لكن وسط معطيات مغايرة تأخذ في الحسبان التحالفات التي يمكن أن يقيمها هذا المرشح أو ذاك لتعزيز مواقعه وقطع الطريق أمام الآخر تفاديا لمفاجآت آخر لحظة والتي لا يريدها أي منهما أن تكون غير سارة. وهي القاعدة التي تريد مارين لوبان كسرها تماما كما هو الحال بالنسبة لمرشح اليسار الشيوعي جون لوك ميلونشون ومرشح الوسط فرانسوا بايرو الذين يسعون إلى أن لا ينظر إليهم على أنهم مجرد أرانب في سباق انتخابي محسوم النتائج، إما لمرشح الحزب الاشتراكي أو اليميني أو مجرد وعاء انتخابي يلجأ إليه أكبر المرشحين لتعزيز مكانتهم في مواجهة الآخر خلال الدور الثاني.