سمحت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السيد مراد مدلسي إلى العاصمة الأوروبية بروكسل بتوضيح الأمور بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بخصوص مسائل جد هامة في العلاقات التي تربط الطرفين في انتظار انعقاد الدورة المقبلة لمجلس الشراكة المرتقبة بعد ثلاثة أشهر· أهم التوضيحات التي قدمتها الجزائر تأكيد اعتراضها على مقترح الانتقال من مسار برشلونة الى سياسة الجوار الاوروبية الذي يرغب فيه الاتحاد الاوروبي· وقال وزير الخارجية مخاطبا المفوضة الاوروبية للشؤون الخارجية بينيتا فيريرو فالدنر "ان الجزائر لاترغب في الذهاب الى أي توجه دون معرفة السبب أو مدى القدرة على تحمل العواقب"، مطالبا بشروحات أوفر من طرف الاتحاد الأوروبي· بالمقابل أكد مدلسي أن الجزائر تؤيد مشروع الاتحاد المتوسطي الذي بادر به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي "اذا كان يهدف الى اعادة بعث اطر التعاون القائمة على غرار مسار برشلونة وبعث مشاريع تنموية مشتركة في منطقة المتوسط" · وقال انه لايرى في هذا المشروع أي خطر على مسار برشلونة أو سياسة الجوار الاوروبية بل هو خطوة اضافية، داعيا الى اشراك الجزائر في صياغته· واستنادا الى مانقلته وكالة الانباء الجزائرية فان لقاء يوم الجمعة كان مثمرا حيث احرزت ثلاثة ملفات هامة تقدما معتبرا بعد المحادثات التي اجراها مدلسي مع كل من المفوضة الاوروبية للشؤون الخارجية وكذا رئيس المفوضية الاوروبية المكلف بالعدل والحريات والامن فرانكو فراتيني· ويتعلق الملف الاول بمسألة المفاوضات حول تحرير الخدمات التي كان من المفروض الشروع فيها بعد انضمام الجزائر الى المنظمة العالمية للتجارة، لكن تأخر انضمام الجزائر دفع الجانب الاوروبي الى تسبيق التطرق الى هذا الملف نظرا للاهمية التي يحملها في التعاون الاقتصادي بين الاتحاد الاوروبي والجزائر· في هذا السياق حاول الطرف الاوروبي الظهور بمظهر المساند لانضمام الجزائر الى المنظمة باعتبار ان كل الخطابات التي قيلت في هذا الاتجاه لم تجد طريقها للتجسيد الى حد الان وبقيت الالتزامات الاوروبية في هذا الشأن مجرد كلمات· وتحدث مسؤولو المفوضية الاوروبية عن وجود ارادة "واضحة" لمرافقة الجزائر في هذا المسار· في هذا الصدد تم الاعلان عن ايفاد بعثة من الخبراء الى الجزائر في غضون الاسابيع المقبلة لتمهيد الطريق أمام بداية المفاوضات الثنائية الخاصة بالخدمات ودعم الجزائر في مسار انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية· ملف الطاقة كان بالطبع هو الأخر من أهم وأثقل الملفات التي وضعت على طاولة المحادثات الجزائرية - الأوروبية· وعكس الملف الاول فان التعاون الطاقوي بين الطرفين يسير في الاتجاه الايجابي وهو مالم يخفه وزير الخارجية الذي اكد وجود "تقارب" في المصالح اكثر من أي وقت مضى بشأن هذا الموضوع بين الجزائر والاتحاد الأوروبي· وحسب مدلسي فإن ماتريده الجزائر هو استراتيجية تعاون تقوم على اساس "الاستباق وانشاء شبكات وفرض حضورها على مستوى الأسواق الدولية" وهو مايقتضي الوصول الى "اتفاق صريح ورسمي" مع الجانب الاوروبي يسمح لشركة سوناطراك من ولوج الاسواق الاوروبية والاستثمار بها مثلها مثل أي شركة اوروبية وفق مبدإ المعاملة بالمثل الذي تطالب به الشركات الاوروبية· واستنادا الى تصريحات الوزير فإن مثل هذا الاتفاق الذي يجري التفاوض بشأنه منذ اكثر من سنة من اجل وضع أسس شراكة إستراتيجية في المجال الطاقوي من الممكن ان يتم ابرامه بين الطرفين في 2008 أو 2009 على اقصى تقدير· لكن الجزائر تسعى الى اكثر من ذلك بدعوتها الى توسيع هذا الاتفاق - كما اضاف مدلسي- الى اتفاق استراتيجي يضم مجموع الجوانب المتعلقة بالتعاون في هذا القطاع لاسيما الطاقات المتجددة· وقبل تحقيق هذا الاتفاق تمكن الطرفان خلال هذه الزيارة الى فض احدى الخلافات المطروحة في هذا القطاع حيث توصلا الى اتفاق مبدئي لتسوية مشكل ازدواج التعاريف بالنسبة للغاز التي تطبقها الجزائر لصالح الشركات الخاضعة للقانون الجزائري· وهو الاتفاق الذي من المقرر ان يتم استكماله بصفة نهائية في الاسابيع المقبلة بين الجزائر والاتحاد الاوروبي بمشاركة الطرف الاسباني· وعبر الاتحاد الاوروبي عن موافقته على ان تطبق الجزائر ازدواجية في التعريفات بالنسبة لسعر الغاز ضمن سوقها الداخلية وفي مجال التصدير لكن باشتراط نقطتين الاولى أن تبقى اسعار السوق الداخلية اكبر من سعر التكلفة، والثانية ان تطبق هذه التعريفات على كل المؤسسات النشطة بالجزائر دون تمييز· زيارة مدلسي إلى بروكسل أثمرت كذلك التوصل إلى اتفاق مبدئي آخر لكن ليس في قطاع الطاقة بل في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ينص على مضاعفة عدد المؤسسات المعنية بالمساعدة الموجهة خصوصا للتكوين في مجال ادراة الاعمال وتعزيز نسيج هذا النوع من المؤسسات· ويأتي هذا الاتفاق ردا على طلب جزائري بمضاعفة المساعدة التقنية لهذا القطاع الذي يجب اهتمام الشركات الاوروبية· اما الملف الثالث الذي اخذ حيزا هاما من المفاوضات بين الجزائروبروكسل فكان مسألة تنقل الاشخاص وهو الملف الذي مازال يشكل محور نزاع بين الطرفين ولايبدو انه سيجد الطريق الى الحل عن قريب بالنظر الى الاختلافات الكبيرة في وجهات النظر بين الجانبين واصرار كل جانب على رأيه· فالجزائر ترفض ان ينحصر مفهوم التعاون في هذا النطاق على مراقبة الحدود وصد تدفقات المهاجرين غير الشرعيين·· دون ضمان أي تحسن في الشروط القانونية وظروف تنقل المواطنين الى دول الاتحاد الاوروبي· بالمقابل يقترح هذا الاخير ان تستفيد الجزائر على غرار باقي الشركاء الاوروبيين من تسهيلات في منح التأشيرات لكن لفئات معينة كرجال الاعمال والطلبة بشرط مكافحة الجزائر لظاهرة الهجرة غير الشرعية بالتعاون مع الدول المعنية· واكتفى الطرفان خلال زيارة مدلسي بتقديم اقتراحات ملموسة ستعرض في الدورة المقبلة لمجلس الشراكة في فيفري القادم· ولم يتردد مدلسي في وصف نتائج زيارته الى بروكسل ب"الايجابية"، معربا عن ارتياحه لمدى التوافق الذي لمسه في المحادثات مع المسؤولين الأوروبيين· *