لا يعرفن بعضهن البعض، إلاّ أنّ مكان ممارسة الرياضة يجمعهن.. نساء من مختلف الفئات العمرية يشتركن في أداء التمارين الرياضية لغايات مختلفة، ولكنّ الوعي بأهمية الرياضة ليس بالضرورة السبب الذي يدفعهن لممارسة الرياضة، لأنّ كثيرات ينشدن التخلص من بروز البطن والاستجابة لرغبة الزوج في الحفاظ على قوام رشيق، وفي المقابل، قليلات هن من يتعاملن مع الرياضة كثقافة وأسلوب حياة. وتحرص بعض قاعات الألعاب الرياضية بالعاصمة على استقبال النساء والعناية بهن ليس لغرض الاحتراف الرياضي فحسب، وإنّما لغرض الرشاقة، الترفيه والاسترخاء، لذا اتجهت إلى إضافة صالون للحلاقة، صونا ومقهى نسائي مصغر كملحق للقاعة بهدف ديمومتها. ويضاف إلى ذلك ظهور بعض محلات الأجهزة الرياضية في بعض أنحاء العاصمة في السنوات القليلة الماضية، الأمر الّذي يسدي خدمة لبعض هواة ممارسة الرياضة. ويلاحظ في هذا الإطار، أنّ بعض النسوة فضلن وجودها في البيت اختصارا للزمان والمكان وتقشفا، وأملا في الرشاقة. الآنسة ''منيرة'' (موظفة) تقول؛ إنّها لم تعد ترى جدوى في الذهاب إلى قاعة الرياضة، بعد أن تمكنت من شراء دراجة رياضية ثابتة تسمح لها بالمواظبة على النشاط البدني كل يوم في المنزل.. وعكس ذلك، تفضل بعض النسوة الإقبال على القاعات الرياضية، لما توفره لهن من فرصة لممارسة التمارين الرياضية على الأجهزة الرياضية مختلفة المواصفات، مع الاستفادة من توجيهات المدربة.. وبين اختلاف التوجهات، ثمة رغبة في الحصول على جسم رشيق بدون بطن منتفخ ولا ترهلات أو للتخلص من شبح الفراغ.. ''ليندة'' (شابة عاملة) تعاني من زيادة سريعة في الوزن، وتشير إلى أنّ هذا المشكل يتطلب منها إجراء تمارين خاصة بالرشاقة، للتخلص من الوزن الزائد بعيدا عن الترهل والكسل. ولا تنكر ''ليندة'' أن اهتمامها بالرياضة يقتصر على اهتمامها برشاقتها، فما إن تشعر أن وزنها بدأ يزداد حتى تسارع إلى البدء بالرياضة. وأظهر الاستطلاع الّذي أجرته ''المساء'' أنّ نساء عازبات، سيدات في مقتبل العمر وأخريات متقدمات في السن يقبلن على قاعات الرياضة، والهدف واحد هو الرشاقة قبل أن يكون أي شيء آخر، وبينما نجحت العديد منهن في التخلص من بعض الأرطال الزائدة، بقيت البطن ''المنتفخة'' عددا يطارد جمال القوام، حيث أنّ بعضهن لجأن إلى قاعة الرياضة خصيصا لهذا السبب. سيدة شابة تقول؛ إنّها بعد الولادة القيصرية أصبحت تعاني من بروز البطن، وهو أمر أزعجها، ولكنها تماطلت في اتخاذ التدابير اللازمة للتخلص منها، لكنّها سرعان ما قصدت قاعة الرياضة طلبا للأجهزة الرياضية الّتي من شأنها أن تخلصها منها، بعد أن وجّه لها زوجها الملاحظة وطلب منها ممارسة الرياضة! فئة أخرى من النساء دفعهن المرض إلى ممارسة الرياضة، منهن الآنسة ''سهام''(تعمل في مؤسسة عمومية)، تذكر أنّها توجهت لممارسة رياضة الرقص الإيقاعي ''الأيروبيك'' بطلب من الطبيب.. وتوضح بهذا الخصوص: ''كانت ثمة رغبة تراودني لممارسة الرياضة، لكني لم أحرك ساكنا لتحقيقها، نظرا لقلة قاعات الرياضة وصعوبة العثور على قاعة يتماشى جدولها الزمني وأوقات فراغي كاِمرأة عاملة''. وتستطرد قائلة: ''بعد الانطلاق في الممارسة، شعرت بمتعة وأدركت أهمية الرياضة، لكن ما ينقص في بعض قاعات الرياضة هو حسن الاستقبال وعامل الأمن، حيث كثيرا ما تحصل عمليات سرقة. كما تبقى مسألة الرياضة بحاجة إلى الزيادة في عدد قاعاتها، لتسهيل مهمة العثور على قاعات قريبة من مكان العمل أو المسكن لكل من يرغب في ممارسة الرياضة''.
أجهزة الرياضة.. بين ضيق المسكن وأساليب الحياة الخاطئة وفيما يتعلق بالأجهزة الرياضية في العاصمة، فهي محدودة العدد عموما، إذ تظهر بعض المحلات المتخصصة في بيعها، ثم سرعان ما تختفي، ويوفر هذا النوع أحدث الأجهزة المتطورة للتدريب البدني والرشاقة، بعضها كهربائي والآخر ميكانيكي يدوي، منها؛ الدراجات الرياضية الثابتة، المتحركة والحزام المتحرك، لاستخدامها في البيوت من قبل المواطنين ممن يتعذر عليهم الذهاب إلى قاعات الرياضة. ورغم ما توفره هذه المحلات من أجهزة مختلفة، إضافة إلى البدلات الرياضية، إلاّ أنّ تجارتها لم تنتعش كثيرا، طبقا لما يؤكده صاحب محل لهذا النوع من الأجهزة في شارع أرزقي حماني، حيث يوجد محل لبيع الأجهزة الرياضية، يصرح صاحبه ل''المساء'' بأنّ الإقبال على الأجهزة الرياضية ضعيف جدا، سواء من طرف الرجال أو النساء. وأرجع ذلك إلى مشكل ضيق المساكن، الذي يعاني منه العديد من الناس بالعاصمة، وكذا إلى قلة الإمكانيات، إذ يصل سعر الدراجة الرياضية الثابتة مثلا إلى 35 ألف دج. ويضيف محدثنا أنّ قلة الإمكانيات ليست السبب المباشر في قلة الإقبال على اقتناء الأجهزة الرياضية، فالمسألة تتعلق بانعدام ثقافة استثمار الوقت لدى الشباب، باعتبار أنّ السواد الأعظم يحب تمضية الوقت بالتنقيب عن أسرار وتحركات الغير، والبعض الآخر يحب ممارسة الرياضة في فصل الصيف، ثم سرعان ما يتخلى عنها في سائر الفصول الأخرى. في نفس الاتجاه، تذهب مديرة ومدربة في قاعة للرياضة النسوية بمدينة الرويبة، السيدة ''أوكسانة''(روسية الأصل) لتؤكد بحكم تجربتها في تدريب النساء على ممارسة الرياضة، على أنّ هذه الأخيرة موسمية تبدأ في شهر أفريل وتنتهي عند حلول العطلة الصيفية، وبعد مضي عدة أشهر، تعود الممارسات إلى القاعة بأرطال زائدة، كنّ قد فقدنها خلال الموسم الذي مارسن فيه الرياضة. وتتابع أنّ الإقبال عموما من طرف العنصر النسوي ليس في المستوى المطلوب بحكم تجربتها، لاسيما وأن الغاية من ممارسة الرياضة لا تنبع من الوعي بأهمية النشاط البدني في الحفاظ على الصحة، إذ تمارسها الغالبية من أجل اكتساب جسم رشيق، والتخلص من مشكلة بروز البطن. رغم أنّ هذه القاعة التي فتحت أبوابها منذ أكتوبر من السنة الفارطة لا تكتفي بالتدريب على ممارسة بعض أنواع الرياضات، إنّما تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات تستهوي الجنس اللطيف، على غرار التجميل، الحلاقة، الصونا والتدليك. وتسجل أيضا أنّ العديد من الفتيات يقصدن القاعة شهرا قبل موعد الزفاف لتنحيف الجسم، فيبذلن كل ما بوسعهن من جهود لتحقيق الغاية المنشودة في ظرف قياسي، لكنّهن سرعان ما يقاطعن الرياضة بعد الزفاف. كما أنّ هناك حالات كثيرة يقصدن قاعة الرياضة بطلب من الطبيب، فيمارسنها على مضض بعدما يجدن أنفسهن مخيرات بين الحياة والموت. وتستكمل أنّ حالات نادرة يمارسن الرياضة طمعا في الزيادة في الوزن، في حين تلجأ النساء المتقدمات في السن إلى الرياضة، دفعا للفراغ الذي يخيم على حياتهن بعد زواج الأبناء.
غياب ثقافة ممارسة الرياضة وتستطرد في هذا الشأن قائلة؛ ''إنّ نسبة النساء اللواتي يمارسن الرياضة بصفة منتظمة لا تتعدى 10 بالمائة، بالإضافة إلى أنّ المترددات على قاعة الرياضة عاملات، حيث لا يندرج الاهتمام بالرياضة في قاموس النساء الماكثات بالبيت في المجتمع الجزائري''. وفيما يخص الأسعار، فتبين أنّها تتفاوت من قاعة إلى أخرى، وتختلف حسب نوع الرياضة الممارسة وعدد الحصص الممارسة خلال كل أسبوع، ففي بعض القاعات العمومية، يصل سعر الاشتراك الشهري إلى ألف دج، ليقفز إلى 3آلاف دج في بعضها، فيما يحطم رقما قياسيا في البعض الآخر من قاعات الرياضة، حيث يصل سعر ساعة واحدة من الرياضة إلى ألف دج! رغم أنّ نوعية الأجهزة المستخدمة لا تختلف عن غيرها من القاعات الموجودة. والمسألة الجديرة بالذكر في إطار موضوع الرياضة النسوية، هو أنّ بعض النساء يقبلن على القاعات الخاصة بهن ويمارسن الرياضة بشكل أسبوعي، والواقع أنّ الرياضة حاجة يومية، مثلها مثل العديد من الحاجات الضرورية الّتي يفرضها مبدأ الحفاظ على الصحة، على غرار تنظيف الأسنان الذي لا يمكن أن نتردد في القيام به بصفة يومية. وبرأي المدربة ''أوكسانة''، فإنّ سبب العزوف عن ممارسة الرياضة أو عدم الانتظام في ممارستها في الوسط النسوي، هو غياب الاهتمام بتكريس ثقافة ممارسة الرياضة في الوسط المدرسي، لافتة إلى أنّ المشكل يتمثل في كون بعض القاعات الموجودة لا تضمن بالضرورة ممارسة الرياضة وفق القواعد الصحية الصحيحة، لأنّ المدربات لسن مؤهلات للتدريب، فيُعلمن الزبونات حركات خاطئة، خاصة فيما يتعلق برياضة الرقص الإيقاعي التي تركز بعضهن من خلالها على حركات القفز بالدرجة الأولى. وتشارك في الموضوع مدربة بنفس القاعة، لتلفت الانتباه إلى أنّ عدم الاحترافية كثيرا ما يتسبب في متاعب صحية لبعض النساء، نظرا للأخطاء التي ترتكبها بعض المدربات غير المؤهلات، ويكون ثمن ذلك، غالبا، حركات خاطئة تؤثر على سلامة الجسم. والملاحظ كذلك في هذا الإطار، هو أنّ ''الأيروبيك'' ما زالت الرياضة الأكثر رواجا وسط الجزائريات، فالعديد من أنواع الرياضة تبقى غير معروفة رغم أهميتها، كما أنّ كثرة الإقبال على هذه الرياضة يسبب الملل مع مرور الوقت، إذ يفترض تغيير نوع الرياضة الممارسة بين فترة وأخرى بحسب أهل الاختصاص. ولعل أنّ الانطباع الّذي يتبادر إلى الأذهان إثر تناول هذا الموضوع، هو انتشار الأجهزة الرياضية في البيوت أو الإقبال على قاعات الرياضة بشكل ملحوظ، لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب، في الوقت نفسه، يغيب فيه تكريس مبدإ الحرص على ممارسة الرياضة في الحياة اليومية في المدارس. كما أنّ قاعات الرياضة ومحلات الأجهزة الرياضية تظهر تارة وتختفي أخرى، بينما تبقى الرياضة مطلبا ملحا لكافة الفئات، لاسيما فئة العمال بالنظر إلى الضغوط المهنية التي يعيشونها، والّتي ساهمت في انتشار أمراض كثيرة؛ كمرض القولون والتهاب المعدة.