يفتقر الأطفال في مجتمعنا إلى فضاءات للترفيه والترويح عن النفس، وخير دليل على ذلك، نتيجة التحقيق الوطني متعدد المؤشرات حول صحة الأسرة الجزائرية لسنة ,2007 الذي أشار إلى حرمان الأسر الجزائرية من أساليب الراحة والترفيه، وبالخصوص الأطفال، بحيث لا تتمتع سوى نسبة 4 % من هؤلاء من الترفيه. وتبقى ممارسة كرة القدم على الطريق بالنسبة للذكور، ومتابعة برامج التلفزيون للإناث، وسائل الترفيه الوحيدة لفئة كبيرة من أطفال مجتمعنا. ينتقد الكثير من الأولياء قلة وجود أماكن ترفيهية يلوذون بها هم وأبناؤهم في العطل، ومعظم الأماكن التي يمكن أن يقصدوها، هي في الغالب الحدائق العامة التي لا يجدون فيها، أيضا، أية متعة وراحة نفسية بسبب كثرة الرواد فيها من فئة الشباب والبطالين ممن قد يتسببون في إحراج للعائلات. ناهيك عن مشكلة بُعد المسافات بين الأماكن التي تحتوي على مناطق للترفيه، إضافة لارتفاع الأسعار في مدن الملاهي. وتعتبر ممارسة كرة القدم على قارعة الطرقات بالنسبة للذكور، وسيلة الترفيه الوحيدة المتاحة أمامهم، خاصة مع قلة دور الشباب ونقص النشاطات الموجهة للأطفال الأقل من 15 سنة، هكذا اتفق كل من سهيل، سفيان، أمير وعبد المالك، وأعمارهم تتراوح ما بين 10 و13 سنة، على القول بأن افتقار أحيائهم السكنية لفضاء لعب يجعلهم يمارسون كرة القدم على قارعة الطريق؛ ''نلعب وإذا اقتربت سيارة ننتظر مرورها، ثم نواصل لعبنا''، يقول سفيان، ويضيف صديقه سهيل بقوله؛ ''لا مكان نقصده لنروّح على أنفسنا سوى الطريق، نلعب إلى وقت آذان المغرب''. وتأتي برامج التلفاز ولعب ''البلاي ستايشن'' مصدرا آخر للترفيه بالنسبة للأطفال، فيما يقصد آخرون بعض الغابات الجوارية للتمتع باللعب لساعات طويلة أيام الطقس المشمس. كما أن صنفا آخر من الأطفال يفضل ممارسة الرياضة في إطار أندية منظمة، مثلما يؤكده أسامة 11 سنة، الذي قال؛ إن وقته الفارغ بعد المدرسة يمضيه في ممارسة الجيدو، فيما يجد عصام في أفلام الكرتون التي تعرضها قنوات متعددة، وسيلة وحيدة للتسلية والترفيه، في ظل غياب وسائل الترفيه المختلفة المخصصة للأطفال في دور الشباب. أما بالنسبة للبنات، فإن الأمر متشابه إلى حد كبير، ذلك أن ضيق الأحياء السكنية وانعدام فضاءات لعب يجعلهن يفضلن الاستمتاع بمسلسلات الكرتون أو تبادل الزيارات بين الصديقات، للعب بالدمى ولعبة القريدة أو البطاقات، ''لا يسمح لنا باللعب على قارعة الطريق، مخافة التعرض للحوادث أو حتى لأن الأولاد يحتكرون المكان للعب كرة القدم، تقول فطيمة بنت ال 10 سنوات وتضيف؛ هناك أرجوحة واحدة في حينا، وعليها طابور طويل، كل مساء، لذلك أفضل المكوث في البيت ومتابعة الرسوم المتحركة''، والأمر سيان بالنسبة لوفاء، لينا ولطيفة اللواتي يجدن في التلفاز وسيلة ترفيه وحيدة، والملاحظ أن ''الأزمة'' تزداد في أيام العطل والمناسبات، حيث يحتار أرباب الأسر في الوسيلة الأمثل لقضاء أوقات الفراغ الكبيرة، فالمخيمات الصيفية قليلة والحدائق العامة أيضا، إذ لا تجد إحدى ربات الأسر ممن حاورتهن ''المساء''، أماكن ترفيهية تقصدها رفقة أطفالها الثلاثة، إلا شاطئ البحر أيام العطلة الصيفية، وفي عطلة نهاية الأسبوع فقط بحكم عملها، وأشارت إلى أنها عادة ما تختار الشواطئ كونها توفر مساحة لعب. أما أم أخرى، فقالت إنها تقصد بعض الحدائق العامة، وأشارت إلى أن المقاعد المتواجدة معظمها لا يصلح للاستخدام. ولهذا تضطر إلى الجلوس على الأرض، دون أن تنسى الإشارة إلى أن معظم هذه الحدائق تكون غالبا، مقرا لبعض الشباب ممن يتعمدون إزعاج الأسر المتواجدة والتلفظ أمامهم بألفاظ نابية، بهدف استفزازهم. أما سيدة أخرى، فقالت إنها تتجنب التواجد في الأماكن العامة وتلجأ لاصطحاب أبنائها إلى الأماكن المغلقة؛ مثل المطاعم، صالونات البيتزا والمثلجات، وكذا مدينة الملاهي المتواجدة بمدينة الدارالبيضاء بالعاصمة، أو ببعض الولايات الأخرى في إطار تبادل الزيارات بين الأهل. أما رب أسرة، فأشار إلى أنه يتمنى توفير أماكن ترفيهية أكثر، نظرا لزيادة عدد السكان وحاجة الناس إلى فضاءات يقضون فيها أوقاتهم وإجازاتهم. وفي السياق، تحدثت السيدة ليلى صحراوي، مربية، نفسانية ورئيسة جمعية ''نساء لجزائر الغد''، عن مشكل غياب أماكن الترفيه بالنسبة للأطفال، ففي الوقت الذي تثقل الساعات المدرسية الطفل بسبب حجم الدروس، فإنه لا يجد في المقابل مكانا خاصا به ليروح عن نفسه، فحتى المكتبات الجوارية تكاد تكون منعدمة، ضف إلى ذلك انعدام المبادرات من طرف الجهات الرسمية؛ مثل المدارس أو دور الشباب أو حتى من طرف الحركات الجمعوية لتنظيم خرجات لصالح الأطفال،''وهنا استغل الفرصة للتأكيد على أن الجمعيات ذات موارد مالية محدودة جدا، في ظل غياب الدعم من المجالس البلدية، لذلك فإن نشاطاتها تكون محدودة، وقد تقتصر على بعض المناسبات مثل؛ الأعياد، الدخول المدرسي، عيد الطفولة وغيرها''، تقول المتحدثة، مضيفة أنه لما كان الترفيه والتسلية حاجة مهمة وجانبا مؤكدا للأطفال، فإنه من الضروري أن يكون للطفل متسع من الوقت للتمتع، الترفيه والتسلية، إذ تكون له الحرية في قضائه كما يريد ويرغب، وهنا يستطيع الطفل أن يختلي بنفسه ويتعرف على قدراته وميولاته، ويعبر عنها بمختلف أنواع الأنشطة التي تتاح أمامه لممارستها، وهي الأنشطة التي توفر له فرص التعلم والنمو، فالهواية في الأخير وسيلة لتنمية الطفل عقليا، جسميا، اجتماعيا ونفسيا بما يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع. جدير بالإشارة أن التحقيق الوطني متعدد المؤشرات حول صحة الأسرة الجزائرية لعام ,2007 يظهر حرمان الأسر الجزائرية من أساليب الراحة والترفيه، وبالخصوص الأطفال، بحيث لا تتمتع سوى نسبة 4 % من هؤلاء من الترفيه.