الأستاذ الجامعي والشاعر أحمد عادل المغناجي، أحد المشاركين بالملتقي الأدبي الثاني ''شموع لا تنطفئ'' الذي احتضنته وهران، جاء من مدينة الجسور المعلقة قسنطينة، هو لم يعايش المرحوم بختي بن عودة، لكن قرأ له وتغلغل في عمق كتاباته الفلسفية والنقدية، لكن يعتبره شاعرا، مبدعا ومثقفا سابقا لعصره، بالرغم من حداثة سنه وضيق وقته في هذه الحياة، وهذا من شأن الكبار، المثقفين والعباقرة في الحياة، يكتفون بأيام قليلة من حياتهم، ينثرون فيها عطرهم وعبقريتهم، ثم يرحلون. يسترسل في حديثه فيقول؛ ''عمر المثقف لا يعدّ بالسنوات التي عاشها، بل بمدى وصوله لعمقه وتعرّفه على ذاته، كما يقول البسطاني، فهذا يتوقّف على عبقرية المثقف في إقناع اللحظة والوصول إلى الحقيقة، مثل النيزك، وهذا ما قيل عن بختي بن عودة من قبل الذين عايشوه''، هو لم يعرف الرجل عن قرب، لكنّه فتّش عنه من خلال قراءته لكتاباته وسمع عن خبر اغتياله، فشعر كم كان حجم الخسارة كبيرا وعميقا، قرأ له كتابه ''رنين الحداثة'' وبعض مقالاته وآرائه حول الحداثة، كان يحدث الرؤيا، وأراد بشكل من الأشكال أن يسبق زمنه الحقيقي بتوجّسه وعقله. يضيف الشاعر محمد عادل المغناجي، أنّ بختي بن عودة تأثّر بالمحدثين في قراءة الخطاب، على غرار محمد أركون والجابري أو بعض الفلاسفة الذين أرادوا أن ينثروا الريش عن التراث، عن الحقيقة اللغوية المعايشة في الحياة، مثل أدونيس (أحمد علي سعيد) الذي كان بمثابة الأب الروحي لبختي بن عودة، وعن التجربة النقدية في بلادنا، يقول الشاعر؛ إنّنا لا يمكن أن نعترف بأنّنا نعيش حاليا تجربة نقدية لها ملامحها الخاصة، إلاّ بعد القراءة لمشاريع أخرى، مثلا بختي بن عودة -كما يقال عنه- قدّم إسهامات أولى، بحيث فتح باب الفلسفة، فهو لم يمت في الحقيقة في كتاباته ومقالاته، ويضيف المتحدّث ل''المساء''؛ ''قرأت له حوارا أجراه مع محمود درويش، سقطت دمعة من على قلبي، واخضر العالم حولي، وأحسست أنّني في حضرة الشعر المتّصل بسموات أخرى، بختي بن عودة وصل إلى شعبة الشعر، كما يقول جون جامي، وإلى جمالية الأشياء، هكذا عبر عن الحالة الشعرية التي وجد بها الشاعر''. كما يرى المتحدّث أنّ هناك الكثير من النقّاد المعاصرين الجزائريين ممن برزوا في عالم الكتابة النقدية من أمثال أحمد بوعلام البلباني، وهو اسم معروف كثيرا، فهو مثقف وفيلسوف صاحب كتاب ''مقال التحوّل'' حول المفهوم المعاصر، لتحوّل الإنسان من لحظة راكدة في الوعي، العرف والدين، إلى لحظة جديدة عذراء لم يطأها أحد، نشر أوّلا في بيروت، وعلّق عليه أدونيس، حيث قال للكاتب بالحرف الواحد؛ ''قد أعجبت بهذا المستوى من الفهم، العمق والرؤى الجمالية، وأنا فرحت لأنّه كتب كتابا حولي بهذه الشاكلة''، كما قرأته الدكتورة خالدة سعيد (زوجة أدونيس)، وقد أعجبت به، وقال له بصراحة؛ ''إنّني فهمت أشياء أخرى عن نفسي لم أكن أعرفها'' وهذا اعتراف بقيمة الناقد المعرفية. للإشارة، محمد عادل المغناجي أستاذ مساعد بالمدرسة العليا للأساتذة بجامعة قسنطينة، ويشرف على إنهاء أطروحة الدكتوراه حول ''مفهوم التحويل اللساني والبلاغي في القرآن الكريم، ربع مريم''، في داخله يسكن الشاعر الذي نشأ معه صغيرا، نشر قصائده في العديد من الصحف الوطنية، وشارك بالكثير من الملتقيات الوطنية والأجنبية، يقول إنّه يستمتع كثيرا بالقراءة وكتابة الشعر الذي يعتبره اللحظة الجميلة في حياته، ولا يرى ضرورة لطبع ديوان لأشعاره حاليا، وسيفعل فقط عندما يشعر في وقت ما بأنّه اكتفى عن كتابة الشعر، ليترك للقراء بعدها الحكم على إنتاجاته، إما أن يحبونها أو العكس.