ونحن نعيش نهاية العام الدراسي، وأجواء الامتحانات المصيرية، ونتائجها المؤثرة حتما على مستقبل التلاميذ، فإن سؤالا يبدر إلى الأذهان؛ ''لماذا ينجح البعض ويفشل الآخرون؟''، هو سؤال بديهي، لكن الإجابة عليه لايمكن بأي حال من الأحوال أن تختصر في عامل واحد أوعاملين، باعتبار أن مسألة النجاح في الدراسة ترتبط بكيفية تحصيل التلميذ لدروسه وكل الأجواء المحيطة بعملية التلقين والتعلم. وتشير الأستاذة الزهرة قاصد المختصة في التربية والتعليم، أن الحديث عن التحصيل المدرسي لايمكن أن يتم إلا ضمن معادلة ثلاثية الأبعاد؛ ''الأسرة، إدارة المدرسة، الطاقم التربوي''. وتوضح المختصة وجهة نظرها، من خلال استعراض جملة من النقاط ضمن هذه المعادلة، في مداخلة ألقتها خلال ملتقى نظمه اتحاد أولياء التلاميذ لشرق العاصمة مؤخرا، فتقول؛ إن للأسرة دورا رئيسيا في توفير الجو الملائم للأبناء، يمكنهم من التحصيل العلمي، ولايتعلق الأمر بتوفير الأمور المادية، فقط، التي تتعلق بالغذاء الجيد والانتباه لصحة الأبناء، مع معالجة أي خلل جسدي يعترضهم، باعتبار أن هذا الجانب هام جدا، فنقص البصر عامل من عوامل التأخر المدرسي على سبيل المثال، والمرض يؤدي إلى تغيب التلميذ عن الدراسة لمدة طويلة قد لاتمكنه من الاستدارك، لكن يتعداها إلى مسائل نفسية واجتماعية عميقة لاينتبه إليها الكثير من الآباء. وأول المسائل النفسية تخص طريقة التربية التي تحمل في كثير من الأحيان عدة أخطاء لاتغتفر، لأنها قد ترهن مستقبل الطفل كله، وهو ماتتحدث عنه الأستاذة من خلال ذكر عدة أمثلة في طريقة تعامل الوالدين مع الأبناء في مواقف مختلفة، والكلمات الموجهة لهم. لذا تقول؛ إن ''للأسرة تأثيرا مباشرا على تأخر التلميذ عن التحصيل الدراسي''، فالسلبية في رد الفعل تجاه النقائص الدراسية للابن تفاقم المشكل، بدل أن تعالجه والعكس صحيح. في هذا السياق، تضرب مثلا بتلميذ حصل على علامات سيئة في عدة مواد، لكنه تمكن من الحصول على علامة جيدة في مادة معينة، في هذه الحالة، فإن العلاج الأفضل هو التركيز على نقطة قوة الابن، من خلال تهنئته على العلامة الجيدة، وهو ماسيشجعه على تحسين مستواه في باقي المواد، أما التركيز على العلامات السيئة، فإنه سيقلل من ثقة الابن في نفسه ويزيد الطين بلة. تحسيس الأبناء بالحب والاهتمام وكذا إشعارهم بقيمتهم ومسؤولياتهم تجاه أسرتهم، هي أيضا طريقة لتحفيزهم على التحصيل الدراسي. فالمطلوب من الآباء عدم اللجوء إلى أسلوب المواجهة العنيفة، ولكن البحث في كيفية كسب الأبناء من خلال فتح حوار معهم، وهو الباب الذي لايجب سده أبدا. كما أن الجو العام في الأسرة له دور لايستهان به، كما تضيف المتحدثة التي أشارت إلى تأثير المشاحنات بين الزوجين على نفسية الأطفال، راجية هؤلاء -لاسيما وأنها كانت تتحدث أمام أولياء التلاميذ- إلى الابتعاد عن الخصام أمام الأبناء، إضافة إلى عدم التفرقة بينهم. وهنا لفتت الانتباه إلى أن التفريق بين الأبناء والبنات مازال منتشرا ببلادنا، واعتبرت أن هذا العامل هو الذي يقف وراء تفوق البنات على البنين في الدراسة. وأسهبت المختصة -وهي مدرسة لمادة الأدب العربي- كثيرا في دور المدرسة إدارة وطاقما تربويا، في مسألة التحصيل الدراسي، حيث شرحت أهم تداعيات الفراغ البيداغوجي لدى التلميذ، والتي تتضح في: شعور التلميذ بالنقص وعدم الكفاية، الإحساس بالعجز عن مسايرة البرامج، وبالتالي يصبح الشعور بالتأخر سلبيا. وكل هذا يتحول مع الوقت إلى عدوانية، هدفها محاولة تأكيد الذات وجلب التقدير، وتظهر في التشويش بالقسم أو إزعاج التلاميذ، أو عدم احترام المعلم والأستاذ، وحتى استعمال القوة ضد زملائه أو أساتذته. وأمام هذا، تعتبر أن العلاج التربوي المنتهج حاليا لا يعطي أي حلول عملية لهذه الحالات؛ ''إن غياب اليد التي تأخذ بالتلميذ وتعالج أخطاءه التربوية، وتهميش التلميذ الذي له تأخر أو صعوبات، يؤدي إلى العنف. كما لايمكن بأي حال من الأحوال الخلط بين القسوة والصرامة، فالموجود حاليا هو قسوة وليس صرامة، وهو مايدفعني إلى القول؛ إن بعض المعلمين هم السبب الأول للعنف المدرسي''. لكنها بالمقابل تعبر عن اقتناعها بأن هذا الوضع، مع عدم قدرة المعلم على معالجة هذه الحالات، وضعف التعامل في الوسط التربوي، ناتج أساسا عن غلق المعاهد التكنولوجية لتكوين الأساتذة، والتي كانت توفر لهم فضاء لدراسة علم النفس التربوي، وهو ما يعطيهم السلاح اللازم لتدريس بيداغوجي صحيح. وتضيف؛ ''منذ عشرية، أصبح توظيف الأساتذة يتم عبر مسابقات، صحيح أن هؤلاء يملكون شهادة الليسانس، لكنهم بدون أي تكوين بيداغوجي، لايعرفون التعامل التربوي.. وهذا هو الاختلال الكبير في المدارس، لاسيما في المتوسطات والثانويات''. وتعطي المتحدثة جملة من السلوكات التي يمكن للمعلم أن يدرك من خلالها معاناة التلميذ من مشاكل، منها الانطواء الذي يظهر في عدم المشاركة، السكوت، عزل النفس واجتناب التعامل مع المعلم، إلى جانب الهروب من المدرسة. وتصل الأستاذة إلى معالجة مشكل التأخر في التحصيل، لتركز على أهمية تنمية طاقات الفرد واستغلالها، مراقبة المراهق خصوصا بطريق ذكية جدا عبر تجنب اللغة السلبية، أي الانتقادات المتكررة والمعايرة، واستبدالها باللغة الإيجابية عبر التعبير عن المحبة والتشجيع، وإحداث تغييرات بيئية، إضافة إلى تطوير أسلوب التعليم وعدم اللجوء إلى القسوة في التعامل، لأنها تبقى راسخة في أذهان الشخص طيلة حياته، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ ''إن أغلبنا ينسى أشياء كثيرة في حياته، لكن لا أحد ينسى قسوة تعرض لها في حياته الدراسية''. في السياق، تعبر عن معارضتها للنظام الدراسي الجديد الذي يجعل الطفل ينتقل إلى المتوسط في سن العاشرة، وتقول؛ إنه من الأفضل العودة إلى نظام الست سنوات في الابتدائي، لأن التلميذ في مثل هذه السن لا يمكنه استيعاب المواد الكثيرة المدروسة في هذه المرحلة، وهو ما يفسر -حسبها- النسبة المعتبرة من الإعادة في السنة الأولى متوسط حاليا. كما أن عرض التلميذ الذي يعاني من مشاكل أو تأخر دراسي على الأخصائي النفساني، من أهم طرق العلاج التي لايجب إهمال أهميتها وفعاليتها، وهو ما تؤكده التجارب في الميدان، فتفهّم المشكلات النفسية له دوره الأساسي في العلاج، كما تطالب بفتح أقسام خاصة بالمتأخرين في التحصيل الدراسي، إلى جانب دعوة الأولياء إلى المدرسة في حال وجود مشكل بطريقة سرية، حتى لا يتعرض التلميذ للاستهزاء من طرف أقرانه، لاسيما إذا وجه له الولي كلمات جارحة.