أكد الأستاذ نصر الدين بغدادي، أن الموسيقى الأندلسية عرفت خلال مسار تطورها تغيرات وانحرافات في بعض مضامينها، ورغم اتساع رقعة الممارسين لهذا النوع الموسيقي عبر الوطن وعدم انحصاره في المدن الكبرى، إلا أنها فقدت الكثير من جماليتها بسبب إدخال الآلات الموسيقية العصرية التي استغلت في الكثير من الأحيان في غير موضعها، موضحا أن تأدية الأغاني كذلك حرفت من طرف الجمعيات الموسيقية المختصة في الطابع الأندلسي. قال الأستاذ نصر الدين بغدادي المختص في نوع الموسيقى الأندلسية، أول أمس في ندوة أدارها بمركز التسلية العلمية التابع لمؤسسة فنون وثقافة بالجزائر العاصمة، أنه من الجيد العمل على تطوير هذا الفن لكن ينبغي أن يكون التطور مشروطا بإخضاع عزف الآلات الموسيقية العصرية لإيقاعات وأنغام النوتات الأندلسية، وهو ما ينقص الفرق الحالية. مشيرا إلى أن الفرقة في بداية الأمر كانت تتكون من ثلاث آلات موسيقية هي التار والكويترا والكمان، ومع دخول الاحتلال الفرنسي وتحول الجزائر إلى مكان عالمي احتكت بالعديد من الثقافات الفرنسية والأمريكية والإسبانية والإنكليزية، دخلت آلات عصرية أخرى، كالبيانو والموندلين، وتكون جوق أو فرقة إثرها، وحسب المتحدث فإن هذا الاحتكاك أفرز بعض الإيجابيات ولكنه بالمقابل عرفت سلبيات كذلك على غرار فقدان الجمالية في العزف والأداء. ويرى السيد بغدادي من هذا المنطلق، أن استعمال الآلات الموسيقية العصرية أحاد عزفها عن النوتات الأصلية وبدت أنغامها غربية، الأمر الذي جعلها تدخل الإذاعة مع مطلع القرن العشرين، وبعدها تقرر وضع مجلة وخلق العديد من الفرق وبهذا الشكل بدأت عملية جمع التراث. وأضاف المتحدث أن جمعية ''المطربية'' 1911 كانت أول جمعية تشتغل على حفظ التراث، وكان من بين أعضائها الشيخ عبد الرحمان الجيلالي ومفتي بن عمر وهما شخصيتان دينيتان معروفتان مهتمتان بصون التراث الجزائري. واسترسل المتحدث في تدخله، أن الراحل مصطفى اسكندراني العازف على آلة البيانو، كان يعزف بشكل مقبول وهو بحق نموذج في إخضاع الآلة الغربية للموسيقى الأندلسية، والأمر نفسه بالنسبة لآلة العود المشرقية التي أخضعت للأنغام المغاربية الكلاسيكية في ثلاثينيات القرن الماضي. مشيرا إلى أن غياب الانضباط في الوقت الحالي أدى إلى عزف نوتات غربية. وفي هذا الصدد، دعا السيد بغدادي إلى ضرورة مصاحبة تعليم الموسيقى والأغنية الأندلسية بدروس تكوينية وأخرى تاريخية، في كيفية استعمال الآلات والتأدية الصحيحة للأغاني، كما استغل الفرصة ليؤكد أن الحفاظ على الموسيقى الأندلسية يجب أن يكون بالكتابة والتسجيل معا، لأن الكتابة رغم أنها واحدة فإن الفرق الموسيقية تختلف في عزفها، لذا، توجب مرافقة العمل بتسجيل سمعي لمعرفة الأداء المناسب. وأشار بغدادي الذي يشغل مدير الأرشيف بالإذاعة الوطنية، إلى أن الأداء الحالي لبعض الفرق الموسيقية يشكل الجانب الممل لدى الاستماع للنوبة الأندلسية وليست الموسيقى، ويرجع السبب إلى ضعف إمكانيات المؤدين، وكان زرياب في زمانه يضع شروطا عديدة في المؤدي كأن يتمتع بقدر واف من العلم والمعرفة ليفهم معاني الأشعار والموشحات.