تستحضر تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، علمين من الأعلام الفنية للجزائر، حيث تكرّم غدا الثلاثاء احتفالية ''النوبة'' في ختام فعالياتها، الشيخ عبد الكريم دالي والشيخة طيطمة، في وقفة عرفان وترحّم تحتضنها دار الثقافة ''عبد القادر علولة". التكريم هذا يندرج في إطار معرض النوبة الذي كرّم شيوخ الموسيقى الأندلسية للمدارس الثلاث الجزائر العاصمة، تلمسانوقسنطينة، حيث أجاب على العديد من التساؤلات حول الفن الأندلسي بالجزائر والذي يتفرّع إلى ثلاث مدارس (الجزائر العاصمة، قسنطينةوتلمسان)، حيث تم فيه تناول سير الشخصيات التي أثرت في مسيرة هذا الفن الأصيل، وكذا معلومات عن الآلات الموسيقية والنوتات التي تستعمل فيه، بالإضافة إلى صور ولوحات تحكي تاريخ هذا الفن. تكريم عبد المكريم دالي والشيخة طيطمة، سيعرف تنظيم مائدة مستديرة، حيث سيتطرّق الأستاذ حصار بن علي إلى مسار وحياة عبد الكريم دالي الذي يعدّ من أجمل الأصوات الأندلسية، فيما سيتناول الأستاذ مصطفى كرابشي حياة ومسيرة الشيخة طيطمة الفنية، إلى جانب مشاركة مدير الأرشيف في الإذاعة الجزائرية المختص في الموسيقى والباحث في التراث، نصر الدين بغدادي. هذه الاحتفالية ستشهد أيضا تقديم السلسلة الأنطولوجية، وكذا الكتب التي أنجزتها دائرة التراث غير المادي والكوريغرافيا تكريما للمحتفى بهما، إذ سيقدّم نجيب كاتب من ''مؤسّسة دالي'' ما تمّ إنجازه عن صاحب رائعة ''من زينو نهار اليوم''، فيما سيتكفّل فيصل بن كلفات بتقديم الجزء الخاص بالشيخة طيطمة. وفي الشق الفني والموسيقي، ستلقي جمعية ''القرطبية'' من تلمسان بدلوها في هذه الوقفة التكريمية، حيث ستحيي سهرة الثلاثاء، فيما يأتي الدور يوم الأربعاء على جمعية ''قرطبة'' من الجزائر العاصمة. ويتزامن هذا التكريم مع اختتام معرض النوبة يوم الخميس القادم السابع عشر من نوفمبر الجاري، لذا سطّرت دائرة التراث غير المادي والكوريغرافيا لتظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، برنامجا يواكب الحدث والهدف الذي نظّم من أجله، حيث سيقدّم الأستاذ فيصل بن كلفات مجموع مؤلّفات وألبومات الموسيقى الأندلسية وشعراء تلمسان التي صدرت بالمناسبة، إلى جانب عرض صناديق ألبومات كلّ من سلوى، محمد العماري، نصر الدين شاولي وسمير تومي، هذا علاوة على إحياء جوق ''الشيخ رضوان بن ساري'' من تلمسان حفل الاختتام بدار الثقافة ''عبد القادر علولة'' بمشاركة زكية قارة تركي من العاصمة، مريم بن علال، دليلة مقدر وكريم بوغازي. ويعتبر الشيخ عبد الكريم دالي معلّم الغرناطي والحوزي التلمساني، حيث أفنى حياته في خدمة الموسيقى الأندلسية، إذ أشرف على ترقيتها والحفاظ على هذا الإرث الثقافي وتلقينه للشباب، وكلّ من عرفه وعاشره يشهد لشخصيته البسيطة وفائقة الكرم مثلما كان يتميّز بموهبة عظيمة وصوت قوي وواضح قادر على تأدية الأفضل حتى بدون ميكروفون، كما عرف عبد الكريم دالي كيف يجمع بين الطابع الموسيقي الأندلسي التلمساني الغرناطي والعاصمي صنعة. الشيخ عبد الكريم دالي من مواليد عام 1914 بمدينة تلمسان من عائلة فنية، يعتبر من أعلام طابع الحوزي ومن الذين لهم الفضل في تطوير هذا الطابع من الشكل الموسيقي الشعبي إلى المزج بينه وبين الحداثة الكلاسيكية السائدة في ذلك الوقت، وأجاد العزف على آلات عديدة كالمندولين والعود والكمان. أوّل من اكتشف مواهبه هو الشّيخ عمر بخشي الذي علّمه مبادئ الموسيقى الأندلسيّة وواصل رحلته الموسيقيّة مع عبد السلام بن صاري (أخ العربي بن صاري) ومع الشّيخ يحيى بن دالي الذي كان يمثّل حينئذ الموسيقى الغرناطيّة، عزف على آلة المندولين ثمّ على الكمان والنّاي، وأخيرا على العود، انضم إلى أهمّ الفرق آنذاك وهي فرقة ''العربي بن ساري''، حيث أدّى أغاني أم كلثوم ومحمّد عبد الوهاب، ليواصل مسيرته بعد ذلك مع رضوان بن ساري (ابن العربي) ثمّ انضمّ إلى فرقة ''الشّيخة طيطمة''، وسجّل سنة 1930 استخبار موّال ''مع ناري هيهات تنطفى'' ثمّ عراق ''كيف عمالي وحيلتي''، وسجلّ سنة 1938 ما يقارب العشرين اسطوانة في شركة ألجيريافون وقدّم عروضا مع فرقة إذاعة الجزائر تحت قيادة محمّد فخارجي ثمّ إنضمّ إليها نهائيا سنة 1952 وشارك في القيام بأنطولوجية الموسيقى الأندلسيّة، حيث قام أيضا بتسجيل نوبات مدرسة تلمسان، وتوفي في 21 فيفري 1978 ودفن بمقبرة سيدي يحيى بالجزائر العاصمة. أمّا سيدة الحوزي، الشيخة طيطمة، فتعدّ من القلائل الذين تناولوا التراث الأندلسي والحوزي والعربي على السواء، كما أتقنت العزف على عدّة آلات موسيقية منها العود، الكويترة والكمان، واشتغلت لسنوات طويلة مع الراحل عبد الكريم دالي وأنجزت معه ثنائيات رائعة، ليبقى في رصيدها 30 أغنية. الشيخة طيطمة ذات الأصول التلمسانية ولدت سنة 1891 واسمها الحقيقي طيطمة ثابت، دخلت الساحة الفنية بالموسيقى التلمسانية النسوية المسماة ''الحوفي'' وهي دندنة تشبه غناء الأم لرضيعها عند النوم. سطع نجم طيطمة بفضل صوتها الساحر وكذلك لإتقانها العزف، إضافة إلى ثقافتها، حيث كانت تجيد اللغة العربية الفصحى مما ساعدها على سرعة حفظ وإتقان القصائد، كما ساعدتها هجرتها نحو المغرب سنة 1914 على اكتساب مهارات فنية جديدة. عملت طيطمة مع أوركسترا عمر بخشي، كما انضم إليها عبد الكريم دالي وعازف البيانو جيلالي زروقي، الذي بقي وفيا لها وصاحبها في كلّ حفلاتها التي أقامتها في الجزائر، المغرب وفرنسا، وتميز جيلالي بعزفه وتألّقه في الاستخبار بأنماط الزيدان والموال والسيكا، وقد وجد جيلالي ضالته في صوت طيطمة ما جعلها تقفز قفزة نوعية في فن الحوزي الجديد بقصائد لابن المسيب واليعقوبي ومحمد بن سهلة وبن تريكي وأحمد زنقلي. أدّت طيطمة أيضا قصائد ذات طابع أندلسي، خاصة بعد انضمامها إلى أوركسترا سمفونية أوروبية كانت تنشط بمدينة وهران، وتوفيت إثر مرض عضال سنة ,1962 لتبقى رائدة في الفن الجزائري وصانعة أمجاد الأغنية في طبع الحوزي والمسامعي، ولا يزال تراثها مطلوبا ويسمع حتى أيامنا هذه كأغنية ''أنا غريب''''، ''لله توبّ و''عييت في قلبي".