محمد الشريف خروبي وزير التربية الأسبق ووالي ولاية تيزي وزو والسفير، شخصية بقدر ما تتسم بالبساطة بقدر ما تملك من العزم والصرامة، استضافته الجمعية الثقافية الجاحظية في إطار الاحتفال بمرور خمسين سنة على استرجاع السيادة الوطنية، فاستعرض في هذا اللقاء تجربته ابان الثورة وفي الاستقلال، بحديث فيه من التشويق وفيه ايضا من التاريخ والصراحة والصراع المرير الذي عرفه قطاع التربية مع الطابور الخامس من أجل عرقلة العربية والقرارات الحاسمة التي اتخذها، فأمام حضور من المثقفين تحدث الأستاذ محمد الشريف خروبي بكل صراحة عن مسيرته... قسم الأستاذ محمد الشريف خروبي مداخلته المعنونة ''التعليم والتكوين إبان الثورة التحريرية (تجربة الولاية الثالثة)'' الى قسمين، القسم الأول تناول فيه التعليم إبان الثورة، حيث استعرض في حديثه لمحات عن التعليم في منطقة القبائل، وأوضح أنه كان من المحظوظين الذين عايشوا الثورة وقريبا من مسؤوليها وأنه كان على دراية بالاجتماعات التي كانت تقع آنئذ. كما تحدث الأستاذ محمد شريف خروبي عن سفرته الى القاهرة التي مكث بها سنة كاملة مع الحكومة المؤقتة وكان على دراية بما يحدث هناك. أما عن التعليم، فقد تحدث عن مراحله في منطقة القبائل الكبرى والصغرى، وأن المدارس كانت تقليدية وهي زوايا تعليم القرآن الكريم ثم تأتي مرحلة الإصلاح مع جمعية العلماء المسلمين وان من سبق لإنشاء مدارس حرة هي الحركة الوطنية، حيث كان يستقبل مصالي الحاج في المنطقة بهستيريا أي اكثر من مجرد حماس. ويضيف السيد خروبي أن تجربة منطقة القبائل في بناء المدارس الحرة، كان يشيدها أبناء حزب الشعب ثم تسلم الى جمعية العلماء، حيث كانت شبكة واسعة من جمعية العلماء تنشط في منطقة القبائل. ويضيف خروبي أنه عندما قامت الثورة المسلحة تنبه الفرنسيون الى خطورة الدور الذي يؤديه معلم اللغة العربية حيث كان يحصل على راتب قدره 12 ألف فرنك، مما ترك سلطات الاستعمار تقوم بإعدام معلم العربية الذي كان هو الإمام، إذ كانت الثورة هي التي تدفع له أجرة تعليمه ويتم اعدامه داخل قسم الدراسة. أما عن فكرة البعثات العلمية وإيفاد الطلبة الى الخارج، فيقول خروبي أنها بدأت مبادرتها مع العقيد عميروش، حين انتقاله الى تونس ووجد هناك الكثير من الطلبة الذين انقطعت بهم السبل وحاولوا الالتحاق بصفوف الثورة كمجاهدين، فرأى أنه من اللازم أن يواصلوا تعليمهم فحاول في اجتماع مع الولاية الأولى والثانية والثالثة احداث برنامج تعليمي، إلا أن الولايتين الأولى والثالثة لم تعط الأمر أهمية، بينما وضعت الولاية الثالثة مركزا للطلبة، وعندما عين عميروش رحمه الله قائدا للولاية الثالثة بدأ يرسل البعثات الى المشرق للتحصيل العلمي، والبلدان التي كانت تستقبل البعثات العلمية الجزائرية هي سوريا، العراق، مصر، وكان العراق أكثر البلدان العربية استقبالا للطلبة الجزائريين. ويضيف خروبي أنه كان من الطلبة الموفدين الى العراق وأنه التحق بمعهد اللغة العربية بجامعة بغداد بعد ان نصحه المحامي الكبير مبروك بلحنين بالالتحاق بكلية الحقوق. وأكد السيد محمد الشريف خروبي، أنه عندما عاد الى الجزائر المستقلة لم يختر ثانوية الأمير عبد القادر أو المقراني أو حسيبة بالجزائر العاصمة للتعليم بها، بل اختار التعليم بثانوية عميروش بتيزي وزو. كما هاجم السيد محمد خروبي بقوة الطابور الخامس الذي كان يعمل من أجل تثبيت الفرنسية على حساب العربية من قبل اشخاص، وذكر من جملة ما ذكر، هزيمة 1967 واستقالة الرئيس جمال عبد الناصر، حيث احتفل مقتصد الثانوية بهزيمة العرب امام اسرائيل، وذلك من خلال تقديم غذاء فاخر للأساتذة على غير العادة، والمقتصد كان فرنسيا يشتغل وزوجته بالثانوية، وكان الفرونكفونيون يشنون هجوما على المعربين، بينما كانت الإدارة تضع المتخرجين من الجامعات العربية في المرتبة الثانية أو الطبقة الثانية، باعتبار أن هذه الجامعات تمنح شهاداتها بالعاطفة. وأكد السيد خروبي في القسم الثاني من حديثه الذي خصصه لمرحلة الاستقلال، أن صعوبات جمة كانت تواجه المعلمين بالعربية، ويذكر أنه حينما زار الرئيس الراحل هواري بومدين منطقة القبائل وكان هو المشرف على تنظيم الاستقبال، أنه وضع طلاب الزوايا بألواحهم في استقبال الرئيس بعد استقباله من طرف إطارات الولاية، ولاحظ - يضيف السيد خروبي- الدموع في عيني هواري بومدين وهو يرى الطلبة بألواحهم. ويضيف خروبي أنه تم تعيينه سنة 1974 واليا على تيزي وزو وأن من نصبه هو الرئيس هواري بومدين واحتج الوالي آنذاك قائلا للرئيس أن خروبي لا يحسن الفرنسية، فرد عليه بومدين ولكنه يحسن القبائلية، فليخاطب المواطنين بالقبائلية. كما تحدث السيد خروبي عن قضية ''التاريخ في المزبلة'' واعتبرها مؤامرة من الطابور الخامس، وذكر خروبي كيف كان يعامل المعلم باللغة العربية باستخفاف ويبقى مهمشا وتعديل الشهادات بالعربية يطول، بينما بالفرنسية يتم التعديل في الشارع وأن ابناء الشعب هم من كانوا يتسربون من المدارس، حيث لم تكن تدرس اللغة الفرنسية في الولايات الداخلية، وأن ابناء الشعب في العاصمة يدرسون في مدارس ''برارك'' واقسام مكتظة من 40 الى 50 تلميذا في القسم الواحد، بينما في ''تيلملي'' لا يتجاوز عدد التلاميذ في القسم الواحد 25 تلميذا. كما تطرق خروبي الى اقصاء اللغة الإنكليزية وجعل المسابقات المخصصة لها، أي للغة الإنكليزية، تجرى باللغة الفرنسية. كما تطرق الى الوسائل التي كانت تلجأ إليها الإدارة آنذاك لإرسال الطلبة الضعفاء الى دار المعلمين وتمنع من يمتلك الشهادات العليا من التعليم، حتى يظهر أساتذة التعليم المتخرجين من دار المعلمين الأضعف من ناحية التعليم. وأضاف خروبي أن مفتشين قضوا 20 سنة في العمل دون ترسيم، وأن التعليم في الجزائر تطور بعد خمسين سنة من الاستقلال وأن تقدما كبيرا حصل في حقل التعليم ففي كل ولاية جامعة. كما رد على بعض الأسئلة بما فيها سؤال عن الذين يتهمون عميروش بأنه عدو المثقفين، فقال ''أنا أعرف عميروش وهو من أنشأ مدرسة خاصة في ليون الفرنسية تعلم العربية، أما قضية الزرق، فهي مؤامرة حاكتها المخابرات الفرنسية، وهناك من يحاول التشويه وهذا تزوير للتاريخ''. كما نفى السيد خروبي نفيا قاطعا تمدرس أبنائه بثانوية ديكارت، وقال أن أبناءه لم ينجحوا في تعليمهم. وأضاف محمد الشريف خروبي، أن الطابور الخامس هو الذي يقوم بعرقلة البلاد، وهذا من أجل استمرار الإدارة كما كانت عليه في عهد الاحتلال الفرنسي. وأضاف ''وأنا مسؤول منعت من دخول الوطن لأنني ملأت استمارة الدخول باللغة العربية''.