من يتعمق في قراءة كتاب (عميروش)، يكتشف أن صاحبه يسعى إلى تشويه عميروش ومنطقة القبائل، فهو ينقل على لسان عميروش بأنه كرر مرارا »أنه لا يشك في انتصار الثورة ولا يستبعد فكرة إتحاد وثيق مع فرنسا ولكنه يرفض اقتراحات وقف إطلاق النار التي قدمها ديغول ص ص 252 253«، وخلاصة استشهاد عميروش... * كما يقدمها صفحة 193 هي أن عميروش »بعدما أصبح له نفوذ وشعبية كبيران سلم بشكل أو بآخر للعدو«. ومثلما أن هذا الحكم لا يصدر إلا من مريض بالجهوية، لأن عميروش كان رفقة العقيد سي الحواس وهو قائد الولاية السادسة، ولم يستشهد وحده، ولأن مشكلة سعدي هي مع »الإسلام« فقد سحب من العقيد عميروش صفة الشهيد بالادعاء بأنه كان »يزعج« جماعة بومدين فتخصلوا منه (ص 193). * ويتمحور كتاب سعدي حول البحث عن أدلة وشواهد »جهوية« تفيد أن الثورة الجزائرية كان هدفها الأسمى هو تصفية الثلاثي (كريم وعبان وعميروش)، وهو يحرّض المنطقة على حمل السلاح ضد النظام الجزائري، لأنه في نظره إمتداد إلى نظام بومدين. * يقول على لسان العقيد عميروش ص197، »أطالبكم بألا تضعوا السلاح بعد الاستقلال إلا بعدما يكون بوسع الشعب الجزائري أن يقرر مصيره بنفسه«. * ويحاول التضخيم من شأن »مجزرة ملوزة« التي ينسبها إلى العقيد سي ناصر (محمدي السعيد)، والتقليل من »مجزرة الزرق« المتهم فيها عميروش، زاعما أن نظام بومدين يصر على أنها »نتاج جنون رجل سفاح في طبعه وأن ليس له من غاية أخرى سوى إبادة المثقفين. ص178«، وأتحدى سعدى ومن والاه أن يأتي بديل واحد على ما يدّعيه، علما بأن نظام بومدين كان يهين المثقفين والدليل هو ما لحق بالمخرج عمار العسكري من تعذيب في سجون نظام بومدين، وهو حي يرزق، ويمكن دعوته للشهادة. * * الشاهد في إخفاء رفات الشهيدين * يزعم سعدى أن »جهاز الاستخبارات الجزائرية لغاية اليوم (2011) عاجز عن تقديم حصيلة سياسية واقتصادية مقنعة عن نصف قرن من التسيير الخفي والمهين. ص220« وهو يدرك أن الحصيلة يقدمها النظام وليس الجهاز الذي جمع له التوقيعات للترشح لرئاسيات 1995؟!. * وهجوم سعدي على جهاز المخابرات ليس من باب أنه عذب المثقفين في أحداث 5 أكتوبر 1988، وإنما لأنه تابع للجيش الجزائري الذي يعتبره امتدادا لجيش التحرير »الذي أظهر تشابها مع الجيش الفرنسي في الجريمة (ص15)«. * لو كان سعدي يحترم نفسه لما تجرّأ على اعتبار استشهاد عميروش »وفاة«، كما ورد في عنوان الكتاب (عميروش، حياة، موتتان ووصية)، ولو كان واعيا بما يقول لما ادّعى بأن سفيرا جزائريا في عهد الشاذلي بن جديد بتونس عام 2001 قال: »كان عميروش يزعجنا فتخلصنا منه«، وهو اسم ليس معروفا في الثورة، وهو استشهاد لا مكان له من الإعراب، يشبه ما نقله عن مناضل له بولاية تبسة يصفه مواطن من المنطقة ب»لقيط يخدم القبائل ص265«. * والسؤال الذي يطرح: هل سعدي صناعة أجهزة في النظام الجزائري أم أجهزة في النظام الفرنسي؟ وهل يريد إعادة الاعتبار للعقيد عميروش أم يريد تصفية حساباته مع الثورة الجزائرية التي لم يلتحق بها وهو شاب؟ * لا أحد ينكر أن عبان رمضان من قادة الثورة الجزائرية، ولا أحد ينكر أن كريم بلقاسم كان مسؤولا ساميا في الحكومة المؤقتة، وهو الذي عيّن أحمد بن شريف للتحقيق في قضية محاولة الانقلاب التي قادها النقيب لعموري على الحكومة المؤقتة. * وقضية رفات الشهيدين سي الحواس وعميروش مرتبطة بضابط من ضباط فرنسا وهو »شابو« الذي تفاوض مع فرنسا وأبلغ بمكان وجود الرفات بمنطقة بوسعادة، وأنه طلب من العقيد أحمد بن شريف (رئيس الدرك الوطني) أخذها، ويعترف العقيد أحمد بن شريف في حوار مطول مع مجلة »منبر أكتوبر« (العدد 11 جوان جويلية 1989)، »أن شابو هو الذي اتصل به وطلب منه إرسال وحدة من الدرك وأخذ رفات الشهيدين وحفظ السر حتى يحين الوقت، وهو الذي أعطى المعلومات للجنرال شلوفي في عهد الشاذلي بن جديد«. * أما الادعاء بأن الرئيس الأسبق، أحمد بن بلة، هو الذي قال بأن عدد شهداء الجزائر هو مليون ونصف المليون، وأن هذا الرقم مضخم، فهذا دليل آخر على أن لسعدي مشكلة مع الثورة ورجالها، سواء في المنطقة القبائلية أو المناطق الأخرى. * وإذا كان نجل عميروش أول من طعن في عدد الشهداء، وأن سعدي التقط الفكرة منه، إلا أن الحقيقة عكس ذلك، فالمؤرخون الفرنسيون أول من شكك في عدد شهداء 8 ماي 1945، حيث حاولوا الطعن في الرقم سعيا إلى الطعن في عدد الشهداء للتقليل من شأن الثورة. وكأن قيمة الثورات في »الكم« من الشهداء وليس في تحرير البلاد بأقل الخسائر. * ما لا يقال في منطقة القبائل هو التسويق لمقولة تفيد باستحالة أن يرأس الجزائر »قبائلي« وذلك بهدف زرع الفتنة بين العرب والقبائل، لأن الزعيم آيت أحمد اقترح عليه عبد العزيز بوتفليقة أن يكون رئيسا للجزائر وهو في سجن »لا صونتي« بفرنسا، خلال أزمة حكومة بن يوسف بن خدة مع قيادة الأركان ورفض ذلك. * وبعد توقيف المسار الانتخابي في 11 جانفي 1992، اتصل الإنقلابيون به ورفض المشاركة في نظام اعتبره غير شرعي، وهو الذي ترشح لرئاسيات 1999 ولكنه انسحب مع المجموعة، وهو الذي مكن سعيد سعدي من مشاركة المنطقة القبائلية في رئاسيات 1995 عندما كان سعدي »مجرد أرنبا قبائليا« على حد وصفه قادة المنطقة ب(القبائليين). * إن قراءة التاريخ الجزائري تحتاج إلى رجال لا يحملون حقدا له، وتاريخ الجزائر حافل بالتناقضات ومن حق المؤرخين فقط إصدار الأحكام، أما من اعتبروا أنفسهم أخطأوا في فهم مجتمعاتهم، فإنه يصعب عليهم فهم تاريخ هذه المجتمعات.