سجلت الأسرة الإعلامية في الجزائر هذه السنة وموازاة مع إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة، نوعا من التحسن في كواليس المجالس القضائية، بعدما عرفت خلال السنة الماضية مرور عدد من الصحفيين الذين رفعت ضدهم دعاوى قضائية بتهمة القذف، ليقل الحديث عن محاكمات عبر الصحف الوطنية، المتهمون الرئيسيون فيها صحفيون، في حين يطالب القانونيون بضرورة التمييز بين الخبر الخطأ والقذف، بالتحقيق في القضية قبل اصدار الحكم ضد الصحفي الذي كثيراما توجه إليه تهمة القذف ظلما· ويتفق المهتمون بشؤون الصحافة والقانونيون الجزائريون، أن نسبة عدد المتابعات القضائية المباشرة ضد الصحفيين في الجزائر، عرف انخفاضا محسوسا مقارنة بالسنتين الماضيتين، وهي الحقيقة التي اعترفت بها حتى بعض المنظمات الدولية كمنظمة "محققون بلا حدود" التي أكدت مؤخرا في تقريرها لسنة 2008، ان عدد الصحفيين الذين مثلوا امام العدالة لا يتعدى العشرة، بعدما كانوا يفوقون هذا العدد خلال سنوات مضت، وتبقى الارقام الدقيقة حول عدد القضايا المطروحة حاليا امام العدالة غير متوفرة بسبب تغيرها المستمر حسب رئيس نقابة الصحفيين الجزائريين بالنيابة، السيد كمال عمارني، الذي اشار في تصريح ل"المساء"، الى ضرورة الاسراع لإلغاء المادة 144 مكرر من قانون العقوبات، التي تنص على حبس الصحفي في قضية القذف· وكانت نقابة الصحفيين الجزائريين قد حيت مبادرة رئيس الجمهورية في الخامس من جويلية 2006 التي اصدر خلالها قرار عفو رئاسي شمل 200 صحفي كان محكوما عليهم نهائيا، إلا أن النقابة أكدت انها تنتظر المزيد من ذلك، تجسيدا لمبدأ حرية التعبير الذي يضمنه دستور البلاد· وتأتي الاحتفالات باليوم العالمي للصحافة في الوقت الذي اكدت الدولة على لسان وزير الاتصال مؤخرا في تقييمه لحرية التعبير في الجزائر، ان الدولة تولي اهمية كبيرة لموضوع تأمين كل شروط ضمان هذه الحرية القانونية السارية المفعول حاليا· ولم يعارض المحامي خالد بورايو المدافع عن قضايا الصحفي في الجزائر في تصريح ل"المساء"، ما ورد في كلمة وزير الاتصال السيد عبد الرشد بوكرزازة، خلال اعلانه عن المرسوم الجديد الخاص بالصحفي من أرقام حول القضايا المرفوعة ضد الصحفي، والذي مفاده ان 97 بالمائة منها رفعت من طرف أشخاص و3 بالمائة منها فقط من الإدارة، إلا أن الاشكال المطروح حاليا حسب السيد بورايو، هو كيفية تأويل هذه القضايا·· متسائلا كيف يعقل ان تصدر احكام ادانة في 97 بالمائة من هذه القضايا المطروحة امام العدالة وان ثلاثة منها فقط براءة· وأوضح المتحدث ان هناك سوء فهم وخلط بين الخبر الخطأ والقذف·· علما ان الاول هو ان يخطئ الصحفي في الخبر، كأن يعطي رقما خاطئا عن اعمال شركة، بينما الذي يحدث في الثاني اي القذف، هو ان يمس الصحفي بكرامة الشخص، وهذا غير مقبول اصلا، إضافة الى هذا أن الكل في الجزائر يجهل الدور الحقيقي للصحفي، صلاحياته وحقه الاساسي في الكشف عن الحقيقة امام الرأي العام· وتأسف المحامي خالد بورايو لعدم الاعتماد على التحقيق في امر القذف المدعى·· متسائلا بقوله هل الكشف عن الحقائق يعتبر قذفا؟·· كل الاخبار التي ينقلها الصحفي اذا كشفت عن حقائق لا تخدم صاحبها تتحول الى تهمة قذف في حق صاحبها - يضيف المتحدث - الذي دعا الى ضرورة تفهم المهمة الحقيقية للصحفي وبالتالي مساعدته على القيام بها على اكمل وجه· وأثار بعض رجال القانون وحتى مسؤولي المؤسسات الإعلامية نفسها، نقطة حساسة بالنسبة لمهنة الصحفي، والتي كثيراما وجد صحافيون شباب أنفسهم بسببها امام العدالة، وهي نقص الاحترافية في معالجة المواضيع وانتقاد الاخبار وتقديمها للنشر، دون التحقق منها والتحري بشأنها للتأكيد من صحتها او عدم صحتها، اضافة الى التكوين الذي يبقى دون المستوى··· من بين هؤلاء الشباب الصفحي (م· ل) الذي روى ما حدث له وهو في بداية مشواره مع مهنة المتاعب، حيث وهو يقوم باستطلاع حول موضوع شائك نوعا ما، لم يتحر حقيقة ما جمع من معلومات، خاصة لدى المعني الأساسي بالموضوع، واكتشف بعد نشر مقاله ان دعوى قضائية رفعت ضده بتهمة القذف والتشهير الكاذب، قائلا لحسن حظي أن صاحب الدعوى قبل اعتذاراتي التي اسرعت إلى تقديمها بعد ان أدركت الخطأ الذي وقعت فيه· مضيفا أن ما ينقص الصحفي اكثر في الوسط الإعلامي في بداية وحتى طيلة مشواره، هو التوجيه والتكوين· ويثير رجال المهنة في قطاع الإعلام وحتى القانونيين المهتمين بشؤون الصحافة، مسألة اصدار قانون اخلاقيات مهنة الصحافة، الذي من شأنه ان يبرز حدود الصحفي في تعاطيه مع الخبر وبالتالي تحديد المسؤوليات·