تحولت معظم الجرائد اليومية الوطنية إلى إصدارات متخصصة في مواضيع وملفات دون أخرى، ونخص بالذكر المواضيع الأمنية وتلك المتعلقة بالأنشطة الإرهابية والتي أصبحت مادة دسمة احتلت مساحات واسعة من صفحات الجرائد، التي اختارت التخصص في مثل هذه الملفات على حساب قضايا أخرى قد تكون اهم وأصلح للمجتمع· ويجمع المختصون و النقاد أن تعاطي الصحافة مع المواضيع الأمنية أصبح ذا بعدين احدهما إيجابي والآخر سلبي سواء على القراء أو حتى على المصالح الأمنية من شرطة ودرك وطني التي تستغرب في العديد من المرات تركيز الصحافة الوطنية على تفاصيل امنية مدققة كثيرا ما تشكل خطورة على المسار التحقيقي لبعض القضايا·· وتكمن درجة الاستغراب في الاهتمام المتزايد للصحفيين بالتفاصيل الامنية، وسعيهم الحثيث وراءها وكأن في الأمر منفعة للقراء والرأي العام، حتى أصبحت بعض المواضيع خاصة تلك المتعلقة بالتنظيمات والانشطة الارهابية تنشر في شكل مسلسلات في كل يوم يعرض فيها الجديد المثير··· مصادرنا الأمنية وان رفضت الخوض في هذا النقاش صراحة، غير أنها ترى في بعض المقالات والمنشورات مساسا وتهديدا بالسير الحسن للخطط والتحقيقات الامنية، كما ان في بعض التصريحات والكتابات ما يثير البلبلة والتوتر والإثارة السلبية، فليس كل معلومة أمنية صالحة للنشر - تضيف ذات المصادر - وكان جديرا بالصحفي المهني المحترف، التركيز على الظواهر التي اصبحت تنخر مجتمعاتنا وتهددها كالجريمة المنظمة التهريب، الحرقة، المخدرات··· وغيرها التي أضحت تشكل الاهتمام الاكبر لمصالح الشرطة والدرك التي تركز جل تدخلاتها وانشطتها للتصدي لمثل هذه الآفات· وكثيرا ما يجد الصحفي نفسه امام متابعات قضائية نظير إفشائه أسرارا أمنية تتعلق بتحقيقات لم تجد بعد طريقها إلى الحل، مما يتسبب في فشلها وذلك بسبب نقص المهنية والاحترافية لدى الصحفي، الذي يجب ان ينسق مع مصالح الامن لا أن يكون هدفا لها· من جانب آخر، تحولت بعض العناوين الصحفية خاصة الحديثة منها، الى منابر لضرب المؤسسات الامنية وذلك من خلال التركيز على أبسط الأخطاء التي يقع فيها عون الأمن او مسؤوله، وكأن الأمر يتعلق بأناس فوق العادة ولا يجب ان يخطئوا، غير أن الشرطي او الدركي بشر يخطئ و يصيب، وهي ميزة تتصف بها البشرية جمعاء، التركيز على أخطائهم دون نجاحاتهم قد يقلل من هيبة هذه المؤسسات في عيون المجتمع ويحبط من عزائم العاملين بها، خاصة أن المؤسسات الامنية والعسكرية كانت - ولا زالت - درعا للأمة وحصنها المنيع، فهي التي وقفت بكل نجاعة وصمود في وجه الدمويين الذين عاثوا في الارض فسادا لأزيد من عشرية كاملة، وليس من المعقول ولا المقبول ان تتحول هذه المؤسسات الى لقمة سائغة ومجرد منهل يتزاحم عليه أهل المهنة للانفراد بالمعلومة والسبق حتى وإن تعلق الامر بالاشاعة· وفي سياق متصل، تشير مصادرنا الى أن السعي وراء هذا النمط من الكتابات، الهدف منه هو خلق نمط معين من المقروئية وجعل القراء يدمنون على قراءة مواضيع خاصة، وبالتالي التركيز عليها لتحقيق مبيعات أكبر· وإجمالا، لابد أن تشكل الصحافة والأمن ثنائيا تكامليا لخدمة المجتمع وإصلاحه، فالأولى قوة تنويرية والثانية قوة دفاعية، وهو ما يستدعي التنسيق الإيجابي بين رجال الأمن والصحافة·