تعترف أنّ الصدفة أدخلتها التلفزيون من أوسع أبوابه، فمن مهندسة دولة في البيئة إلى إعلامية ذات حضور وتميّز على الشاشة، بدايتها كانت ميدانية وبتحقيقات هامّة حول المناطق السهبية شبه الصحراوية، لتخطف بعدها الأنظار من خلال البرنامج التلفزيوني صباحيات الذي تربّعت على عرش تقديمه في التسعينيات... الفترة التي لم تكن بالسّهلة هي اليوم مسؤولة عن البرمجة بالجزائرية الثالثة وتحمل بداخلها هواجس كثيرة أهمّهما: هاجسا التربية والبيئة التي صرّحت لنا أنّها الهاجس الأكبر الذي أدخلها السياسة الشخصية المنتقاة لهذا الأسبوع إذن هي الإعلامية المتميّزة السيّدة» فاطمة الزهراء زرواطي» التي خصّت «المساء» بهذا اللقاء: المساء: دخلت التلفزيون بمحض الصدفة فهل كان الإعلام طموحاً أم وسيلة لتبليغ رسالة ما؟ الإعلامية فاطمة الزهراء زرواطي: الصدفة لعبت دورها والقدر قال كلمته فشاء أن أصبح إعلامية، لقد جرت الأمور وقتها أسرع ممّا كنت أتصوّر فبدافع من الدكتور «جبايلي» تحمّست لتقديم مشروع يخدم البيئة وكانت المصادفة هي قمّة ريو التي فرضت وجود برنامج تلفزيوني خاص بالبيئة فقابلت وقتها المدير العام السيّد: «زروقي» رحمه الله الذي أعجب بعفويتي وفصاحتي باللغة العربية كوني مهندسة دولة في البيئة وأخذت تكوين باللغة الفرنسية وبأسرع ممّا توقعت عيّنت بالتلفزيون الذي كان هدفي من اقتحامه هو تبليغ رسالة البيئة لمجتمع غاب فيه الوعي بأهمية هذا الجانب الإيكولوجي الهامّ والذي له تأثير مباشر على صحة الفرد والمجتمع.
من التحقيقات الميدانية للأستوديو لتقديم حصّة صباحية على المباشر وفي فترة جدّ صعبة حدثينا عن هذه التجربة؟ بالفعل انطلقت صباحيات في فترة جدّ صعبة أوّل أكتوبر 1994 حيث كانت الجزائر تعاني وكان الصحفي مستهدفاً في كلّ لحظة وكان من المفترض أن أقدّم في صباحيات ركناً خاصاً بالتغذية كون تكويني بيولوجي، وكانت المشرفة على هذا البرنامج الصباحي السيدة: «سعيدة بن جدو» في انتظار وجه آخر يتولى المهمّة بدلا عنها وهذا الوجه كان في النهاية أنا، أوّل إطلالة لي كمقدمة كانت في أوّل يوم من رمضان أتذكّر، أوّل فبراير 1995 كانت بداية محتشمة لطريق طويل، والبرنامج خدماتي لذا عمدنا لتزويده بأركان مفيدة وهامة وهذا ما عدّ سبباً في نجاحه...
قد يكون المقدّم أيضاً سبباً في نجاح أو فشل أيّ برنامج وكنت أنت سبباً في نجاح برنامج صباحيات فما سرّ تألقك ؟ هي العفوية والبساطة والتلقائية والإصرار على إيصال رسالة هادفة تخدم المجتمع والوطن، فالإعلام من شأنه تجديد المجتمع وتغييره إمّا إلى الأحسن أو العكس فهو سلاح ذو حدّين ونحن كطاقم وفريق متكامل سعينا للخدمة من الجانب الإيجابي طبعاً، لأجل صالح الفرد والأمّة رغم المرحلة الصعبة لقد كنا نطلّ على المشاهد بوجه بشوش وعينين تحتبسان الدمعة، كانت فترة جدّ صعبة فقدنا فيها أغلى الأحبة من زملاء وزميلات المهنة، أحياناً كثيرة عندما تعود بي الذاكرة إلى تلك الفترة أرى أنّ بقاءنا أحياء لحدّ اللحظة هو بمثابة معجزة حدثت لنا ربّما لنواصل جهاداً آخر لازال ينتظرنا...
ما هو أهمّ مجال يدعوك اليوم لأن تناضلي من أجله ؟ البيئة، فمجالها لا يدعوني أنا فقط للدفاع عنها والنضال لأجلها لكن يدعو تضافر كلّ الجهود لإنقاذها ممّا تعانيه، فأصارحك أنّ هاجس البيئة قد أدخلني مؤخّراً السّياسة التي اقتحمتها بعد ما لمست أمراً خطيراً ومهمّا بالنسبة لي شخصياً، فقبل الانتخابات التشريعية قمنا بيوم تحسيسي لمعرفة موقع البيئة من برامج الأحزاب السياسية وصراحة أصبت بخيبة أمل شديدة إذ لم نلمس اهتماماً بهذا الجانب الهام لدى معظم الأحزاب المرشحة إلاّ القليل منها، فقرّرت لذلك دخول المجال السياسي خدمة للبيئة التي سلامتها تعني سلامة الفرد والمجتمع والوطن ككلّ وهي معركة نرجو أن نوفّق في كسبها، فنحن نسعى لممارسة السياسة بطريقة حضارية راقية منزّهة من الأغراض المادية هدفنا، تغيير ملامح المجتمع للأحسن لأجل صالح الجزائر.
في رأيك هل يمكن للفقر أن يكون سبباً رئيسيّاً في تدهور أحوال البيئة؟ لا، فتدهور البيئة له علاقة بالتربية التي هي مرتبطة بمدى احترامنا للمرأة فهي المدرسة وعلى الرجل احترامها كما احترمتها جميع الأديان والجنة تحت قدميها برهان، ولأنّنا مجتمع لا يعطي المرأة الاحترام اللائق بها تدهورت أحوالنا، فلننظر قليلًا ونرى من يبصق في الأرض من يلقي ببقايا السجائر وغيرها في كلّ مكان ؟ أليس عادة الرجل؟ من يلوّث البيئة! الرجل عادة يكون عديم المسؤولية مُقللاً لاحترامه لبيئته ومن حوله ... فلو احترمنا المرأة بالقدر الذي تستحقه لقويت شخصيتها ولأعطتنا أجيالًا تقدّر أهمية البيئة والمحيط، فصدقيني لا علاقة للفقر بالأوساخ والدليل أني زرت بلداناً إفريقية فقيرة جداً بها عشوائيات لكن لا تجد على الأرض سيجارة أو كيساً بلاستيكياً ملقى وتبقى المسألة مسألة تربية لا غير...
على ذكر السفر أعلم أنّك من محبي الأسفار فماذا جنيت من التجوال عبر عديد البلدان التي زرتِيها ؟ أنا ممن يحبون السفر فعلًا وتعلّمت من أسفاري الكثير واكتسبت تجارب ثرية و أوّل مكان أتعلّم منه هو المطار، حيث يقابلني أشخاص من جنسيات مختلفة زرت بلداناً عربية وأجنبية كثيرة آخرها البرازيل هذا البلد الذي وجدت فيه ارتياحاً نفسياً كبيراً، أرى أنّ السفر قد يغيّر مفاهيم وأشياء ويغيّر نظرتك للنّاس أيضاً فعلى سبيل المثال قبل السفر إلى رواندا كنت أحمل بداخلي أفكاراً مشوّشة حول هذا البلد لكونه بلداً إفريقيا مني بالحرب الأهلية لكن عندما وصلت إلى هناك وجدت شيئا مغايراً لما ترسّخ في ذهني من أفكار خاطئة فوجدتني ببلد نظيف أكثره شباب يكِنون احتراماً كبيراً للمرأة وأستطيع القول أنّه من أروع البلدان الإفريقية التي زرتها...
لنعد للأسرة فما مفهومك كربّة بيت للعائلة؟ العائلة هي النواة الأساسية للمجتمع وهي أساس بناء صرحه، وسلامتها تعني سلامة المجتمع وانهيارها يعني انهياره وعليه يجب أن نوليها كلّ اهتمامنا لنحميها من التصدّع والانشقاق وأرى أنّ الحبّ والتفاهم لهما دور كبير في تماسك العائلة، والعائلة بالنسبة لي ليست المتكوّنة من الأب والأم والأولاد فقط إنّما هي امتداد لجذور متأصّلة منها الجدّ والجدّة والعمّ والعمّة والخال والخالة، أنا شخصياً ضد قطع الجذور وضد قطع صلة الرحم فالأبناء لا بدّ أن ينشأوا في وسط عائلي متماسك وأن تكون هناك علاقات عائلية طيّبة وهذا ما أحرص عليه دائماً، أنا أفتخر كوني نتاج عائلة كبيرة تربّيت في حضن الجدّة، شارك في تأديبي العمّ والعمّة والخال والخالة إلى جانب والدي طبعاً فأمي وأبي كان لهما دور بارز في تنشئتي وانضباطي وأنا أفتخر بتربيتهما لي وهي التربية ذاتها التي ربّيت عليها بنتيّ مع مراعاة طبعاً الفرق الزمني واختلاف الأجيال لكن مهما تعاقبت الأجيال إلاّ أن قواعد التربية السليمة تبقى ثابتة لا تتغيّر وعلى رأسها: غرس بذور الحب والاحترام والتسامح بين أفراد الأسرة الواحدة وهذا مهمّ ومهمّ جداً لتماسك المجتمع أيضا...
اهتماماتك كثيرة ومسؤولياتك باتت أكبر فكيف توفقين بين عملك خارج البيت وواجباتك الأسرية ؟ أن تكوني عاملة مسؤولة وربّة بيت في آن واحد خيار يتطلّب الكثير من الجهد والتضحية، فأنا شخصياً أسهر على تنظيم وقتي بحكم غيابي طوال اليوم عن البيت وأرى أنّ المرأة العاملة اليوم هي أكثر اهتماماً بأعبائها المنزلية من المرأة الماكثة بالبيت والواقع يثبت ذلك ربّما لكون المرأة العاملة أقلّ إتكالية من غيرها فبقاؤها خارج البيت يلزمها القيام بكل واجباتها المنزلية قبل مغادرة بيتها...فهي بهذا في سباق دائم مع الوقت...
ما هوأسلوبك في التربية؟ بين اللّين والشدّة، صارمة عند اللزوم ومتفهّمة تارة أخرى حنونة عند موقف من مواقف الأمومة لكن الأهمّ أنّ هناك ثقة متبادلة بيني وبين بنتيّ وحوار دائم يجعلني أعرف أدق تفاصيل مّا يحدث في المدرسة وفي البيت وهذا يغني عن سؤالهما في كلّ مرة، فأنا أستمع لقصصهما حتى التافهة منها نتبادل وجهات النظر نتناقش قد نتفق أحيانا وقد لا نتفق أحيانا أخرى وبهذا أصبحت بمثابة الصديقة الحميمة لهما...
ما هي الأشياء التي تؤمنين بها إيماناً قاطعاً؟ بعد إيماني بالله وثقتي بالوطن أؤمن أنّه من لم يغرس شجرة لا يمكنه غرس فكرة مثمرة، فالإنسان لابدّ أن يكون صاحب رسالة نبيلة في هذه الدنيا ليكون نافعاً لنفسه ولأمته وحتى وإن رحل يوماً ترك وراءه أثراً طيّباً...
ما الذي يعاب عليك عادة؟ ما يعاب عليّ أنّ طموحاتي أقل من قدراتي، فلديّ قدرات كبيرة بإمكانها إيصالي لأبعد الحدود لو رافقتها طموحات بنفس الحجم والمستوى...
ما الذي يحدّ من طموحاتك يا ترى؟ كوني صاحبة رسالة ولست ممن يتخذون المناصب سلّماً لتحقيق أغراض مادية ولست انتهازية ولست على استعداد لدخول مغامرات سياسية وما دخلت عالم السياسة اليوم إلاّ لأجل البيئة وسلامة البيئة وهذه غاية نبيلة ذات منفعة عامة يجب أن يناضل الكلّ لأجلها...
هل من كلمة أخيرة كلُ ما أتمناه هو أن ننقل الإيجابية ونزرع الأفكار المثمرة على أرضية واقعنا وأن تكون وسيلتنا لذلك العلم انطلاقاً من واقعنا ومن أجل تغيير واقعنا للأحسن والحفاظ على محيط بيئتنا الذي يعني حياتنا وأن نعمل جميعنا لأجل خير الجزائر، فلا يهمّ أخذ مقعد في البرلمان بقدر ما يهم أخذ مكان في قلوب المحيطين بك، فكم من أناس اشتروا أصوات أناس بأموالهم لكنّهم لم يستطيعوا مع كلّ ما لديهم من أموال من شراء حبّ واحترام النّاس لهم، فهناك أمور لا تقدّر بمال وصعب جداً أن تُشترى وفي الأخير أنصح كلّ من لديه مشروع مفيد للمجتمع امرأة كانت أو رجل أن لا يتردّد في عرضه فالجزائر بحاجة إلينا جميعاً وشكرا...