يشكل إدماج الطفل المعاق في الأقسام الدراسية هاجساً يؤرق الأسر التي لها طفل معاق حركياً أو ذهنياً، ذلك لما قد يواجهه هذا الطفل نفسه من صعوبة التنقل إلى مدرسته والمتابعة والمشاركة في القسم، كما تشكل بالمقابل صعوبات جمة بالنسبة لأهله لنقله لمدرسته وحتى محاولة جعله يتأقلم في وسط دراسي غير مكيف للتخفيف من معاناته وبالتالي معاناة الأسرة، ولقد تحدثت «المساء» إلى أهالي أطفال معاقين وكشفت بعضاً من أوجه تلك المعاناة اليومية. بعد انطلاق الموسم الدراسي الجديد وتأقلم التلاميذ مع المقررات الدراسية، نلتفت اليوم إلى شريحة أخرى من الأطفال المتمدرسين المحتاجة فعلًا إلى أن نتحدث عنها ونكشف بعضاً من معاناتها في سبيل التعلم وهي فئة الأطفال ذوي الإعاقة، وفي هذا الاستطلاع تكشف بعض الأمهات معاناتهن في ظل وجود طفل معاق بأسرهن، وتستهجن بالمقابل عدم الاهتمام بهذه الشريحة من المجتمع وإلغائها من أجندة إهتمام المسؤولين بشكل تام. «المساء» حلت ضيفة ببيوت أسر تضم أطفالًا معاقين متمدرسين وتحدثت مع أمهاتهم، ومنهن أم مهدي ذي 11 سنة، المعاق ذهنياً وحركياً التي قالت أن ابنها قد تمكن طوال سنوات عمره من التأقلم مع إعاقته والتواصل مع الآخرين بفضل مجهودات أخصائيي الأرطوفونيا، كما أنها هي بدورها استطاعت التأقلم مع إعاقة ابنها في جميع مراحل نموه، لكن المشكل الحالي المطروح وقد التحق بصفه الدراسي قبل أسبوع يكمن في التنقل إلى مدرسته، وهو الإشكال الذي يتطلب منها رحلة ذهاب وعودة يومياً من المنزل إلى المدرسة...»إنه أمر مرهق بالنسبة لامرأة في أواخر عقدها الخامس، تقول المتحدثة مضيفة: أحمل هم ابني المعاق كل الأوقات حتى إذا ذهب إلى مدرسته لأنه يحتاج إلى مساعدتي حتى في قضاء حاجاته الطبيعية»... وبعينين دامعتين وقلب يدمي تحدثت إلينا أم بسمة بنت 8 سنوات المعاقة حركياً بنسبة 80 بالمائة (الرجل اليسرى أقصر ب20 سنتمتر) فتقول أن ابنتها ولدت معاقة وأنها قد حاولت تلقينها كل سبل الاعتماد على النفس حتى تتمكن البنت من مواجهة الحياة، إلا أن البنت لم تتمكن من التخلي عن والدتها أبداً خاصة في قضاء حاجتها الطبيعية، تقول الوالدة أن بسمة انتظرت الدخول المدرسي بشغف كبير حتى ترى نفسها بالمئزر والمحفظة مثل أقرانها وحتى تخرج قليلاً من الدائرة المغلقة التي تعيش فيها بالمنزل، حيث يتيح لها التنقل من وإلى المدرسة وكذا التواجد بالقسم وبمحيط المدرسة بشكل عام، فرصة تكوين صداقات وتعزز انتماءها إلى المجتمع وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تحفيزها وتنمية قدراتها من ناحية وتقليص إحساسها بالاختلاف عن أقرانها من جهة أخرى، فالطفلة التي استفادت قبيل أشهر من رجل اصطناعية لم تتمكن في البداية للتكيف معها بحيث كانت تضطر إلى ارتداء سراويل طويلة حتى لا تظهر بمظهر المعاقة أمام قريناتها، ولكنها اليوم قد تأقلمت مع الرجل الاصطناعية ولكنها لم تتمكن بعد من التأقلم كلية مع إعاقتها، تقول الأم:«تدرس بسمة في الصف الثالث ابتدائي ورغم مرور سنوات عن التحاقها بالمدرسة إلا أنها لم تتمكن إلى اليوم من الاعتماد على نفسها كلية، وأكثر ما يحز في نفسي أنها تضطر إلى أن تبلل ملابسها كونها لا تتمكن من استخدام المرحاض بالنظر إلى إعاقتها»، وتضيف المتحدثة أن اعتماد ابنتها تعيقها هي الأخرى حيث أنها تضطر من جهتها إلى التخلي عن واجبات كثيرة من أجل المكوث مع ابنتها، يحدث هذا في ظل غياب للجهات المعنية للاهتمام أكثر وتكييف المدارس من أجل الأطفال ذوي الإعاقة. من جهتها تتحدث أم يوسف، ذي 10 سنوات في الخامسة ابتدائي، عن معاناتها في الاهتمام بابنها المقعد على كرسي متحرك وكيف أنها مجبرة على تحمل مشاق الطريق من وإلى المدرسة لإيصال طفلها المعاق إلى قسمه طوال العام الدراسي ومجبرة أيضاً على الدخول إلى المدرسة وقت الاستراحة لإطعام طفلها المقعد أو أخذه إلى المرحاض بعد اتفاق مسبق مع مدير الابتدائية الذي أبدى تفهماً لخصوصية وضع ابنها. من جهتها تتحدث معلمة في الطور الابتدائي تشرف على تدريس 3 حالات لأطفال معاقين (تأخر دراسي وإعاقة حركية) عن أن الطفل المعاق يشكل حالة استثنائية خاصة في القسم، بالنظر إلى الإعاقة نفسها التي تجعل الطفل نفسه يجد صعوبة في تمدرسه بالشكل الطبيعي، وأن القليل من هاته الحالات التي تزاول التعليم في المدارس العادية من تحاول المتابعة بعد جهود هائلة و عراقيل كثيرة كصعوبة التنقل والمتابعة والمشاركة في القسم، إضافة إلى عدم تكييف المدارس والأقسام مع مختلف الإعاقات، هذا إلى جانب نقص تكوين المعلمين للتكيف مع حالات الإعاقة المطروحة بقسمه، حيث تعترف المتحدثة أن وجود طفل معاق بالقسم يتعب المعلم نفسه للاهتمام به بشكل خاص خاصة وأن هذا المعلم وحتى المساعد التربوي يفتقدون لتأهيل وتدريب للاهتمام بتمدرس الطفل المعاق بشكل صحيح. ودعت التربوية إلى ضرورة تغيير نظام التمدرس حتى يتمكن الطفل المعاق من مزاولة التعليم في ظروف ملائمة كوضع مساعدات تقنية تحت تصرفه تسهل له التحرك كالمستويات المائلة للكراسي المتحركة والمراحيض المهيأة والطاولات الملائمة. وكانت دراسة قامت بها فدرالية جمعيات المعوقين حركياً حول تمدرس الأطفال المعوقين بالجزائر شملت 500 طفل معاق من ولايتي الجزائر وبومرداس في الفترة الممتدة بين جانفي وسبتمبر 2008، قد أوضحت أن 200 طفل فقط قد تم إدماجه في أقسام عادية في الوقت الذي وجدت النسبة المتبقية عراقيل كثيرة حالت دون التحاقها بالمدرسة ومن ذلك مشكل النقل وبُعد المدارس يأتي على رأس هذه الحواجز، كما تغيب المساعدات المالية لاقتناء كراسي متحركة وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية والتأهيلية والوظيفية، كما تظهر صعوبات كثيرة بالنسبة للأطفال المعاقين المتمدرسين تتحدد أساساً في عدم تمكنهم من الذهاب إلى دورات المياه وصعوبة تحركهم داخل المدرسة إلى جانب مشاكل في النطق وصعوبة الكتابة في ظل غياب تكوين فعلي للمعلمين الذين يعملون على تهميش المعاق بالأقسام، كما تظهر حواجز أخرى على مستوى العائلة. وتشير رئيسة جمعية «نساء الغد» التي تحصي أكثر من 20 طفلًا معاقاً متمدرساً ضمن جمعيتها إلى أهمية تكثيف الجهود لإدماج فئة الأطفال المعاقين تربوياً بمضاعفة المقاعد البيداغوجية خاصة بالمدارس العادية بالنسبة للأطفال المعاقين ذهنياً و حركياً منهم مع توفير التهيئة الضرورية لذلك و إنجاز مؤسسات تكفل خاصة لذوي الإعاقات الذهنية الثقيلة و الإعاقات الأخرى و توفير النقل لهم، موضحة أن هناك عوامل اجتماعية تساهم من جهتها بتهميش هذه الفئة وتتعلق أساساً بإهمال الأولياء الذين يعزفون عن التصريح بأطفالهم المعاقين لأسباب اجتماعية مختلفة تتعلق بالأمية والفقر وكثرة المصاريف والبعد عن المدرسة وغياب النقل، وأكدت أن جمعيتها بالتنسيق مع جمعيات أخرى ستنظم في الأيام القليلة القادمة لعمليات تحسيس واسعة اتجاه السلطات المعنية وأولياء الأطفال المعاقين من خلال الاحتكاك المباشر وتنظيم لقاءات معهم لمناقشة وتذليل العراقيل التي تحول دون التحاق هذه الفئة بالمدارس.