تواصلت تداعيات الفيلم المسيء للرسول الكريم، الذي صدر تحت عنوان "براءة المسلمين"، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي رغم تراجع حدة المظاهرات الاحتجاجية التي خلفت في الأيام الماضية سقوط قتلى وعديد الجرحى في عدد من العواصم العربية. وأعلنت السلطات الليبية، أمس، أنها اعتقلت 50 شخصا على خلفية الهجوم الذي نفذ ضد مقر القنصلية الأمريكية بمدينة بنغازي وأدى إلى مصرع السفير الأمريكي وثلاثة موظفين آخرين. وقال محمد المقريف رئيس البرلمان الليبي إنه من بين المعتقلين مجموعة صغيرة من الرعايا الأجانب دخلوا إلى ليبيا من أماكن مختلفة. وفي موقف مفاجئ ومتعارض مع المواقف الإيرانية، خرج الجنرال محمد علي الجعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني، ليؤكد أن حالة الغضب والسخط التي انتابت ملايين المسلمين عبر العالم بسبب هذا الفيلم لا تبرر قتل الدبلوماسيين الأمريكيين في ليبيا. وقال الجنرال الإيراني إن "هذا الغضب لا يعطي بأي حال من الأحوال الحق في القتل، لكن مشاعر المسلمين جرحت ولم يكن لهم خيار سوى الاحتجاج أمام السفارات". وتعد هذه المرة الأولى التي يدلي فيها مسؤول إيراني رفيع المستوى بتصريحات بشأن الهجوم ضد القنصلية الأمريكية في ليبيا. وكان العديد من المسؤولين الإيرانيين ومن بينهم الرئيس محمود أحمدي نجاد قد استنكروا بشدة إصدار الفيلم الأمريكي وبرروا الاحتجاجات العنيفة لمئات آلاف المتظاهرين الغاضبين والتي أسفرت في بعض الدول العربية عن سقوط قتلى دون أن يشيروا من بعيد أو قريب إلى مقتل الدبلوماسيين الأمريكيين. واستمرت، أمس، المظاهرات المعادية للولايات المتحدة، لكنها أخذت طابعا سلميا بالعاصمة التركية أنقرة، التي شهدت تجمعا لعشرات الأشخاص أمام مقر السفارة الأمريكية مرددين هتافات "الله أكبر" و«الموت لأمريكا"، ورفعوا شعارات تحمل نوعا من التهديد والوعيد مثل "آتون، البيت الأبيض" أو "الولاياتالمتحدة نهايتك ستكون مرعبة". وأضرم المتظاهرون النار في العلم الأمريكي قبل أن يتفرقوا ويغادروا محيط السفارة بهدوء ودون حدوث أي حادث أو انزلاق أمني. وفي إطار استمرار حملة الاعتقالات في عدد من الدول التي شهدت المظاهرات الاحتجاجية، أعلنت قوات الأمن البلجيكية عن اعتقال ما لا يقل عن 230 شخصا بمدينة انفيرس الواقعة في شمال البلاد والتي شكلت مسرحا لأكبر مظاهرة احتجاجية في أوروبا، وكانت قوات الأمن الفرنسية قد أوقفت حوالي 150 محتجا بالعاصمة باريس أول أمس. ومخافة تعرض رعاياها في البلدان العربية إلى اعتداءات، شرعت الإدارة الأمريكية، أمس، في إجلاء موظفي سفاراتها غير المهمين وعائلاتهم في كل من تونس والسودان. وكانت وزارة الداخلية التونسية قد هددت كل من يتأكد تورطه في الهجمات التي استهدفت مقر السفارة الأمريكية وأدت إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 49 آخرين بالمتابعة القضائية. بالتزامن مع ذلك، نقلت صحيفة "لوس آنجلوس تايمز" الأمريكية، أمس، أن معدي الفيلم المسيء للإسلام الثلاثة هم من أتباع الكاهن القبطي زكريا بطرس المعروف بمواقفه العدائية ضد كل ما هو مسلم. وسبق أن سجن عدة مرات في مصر لمحاولته تنصير مسلمين، كما صدرت في حقه فتوى من تنظيم القاعدة تحدد مكافأة مالية بقيمة 60 مليون دولار لكل من يتمكن من تصفيته، وأضافت الصحيفة أن هذا الكاهن بعد أن غادر مصر استقر أولا في أستراليا ثم عاد واستقر بداية عام 2000 بالولاياتالمتحدة. وأعلن نجله المدعو بنيامين للصحيفة أن والده الذي يتوارى عن الأنظار "لأن حياته في خطر" يرفض الظهور في مقابلات صحفية مدافعا -في الوقت نفسه- عن الفيلم الذي زعم أنه "يقول الحقيقة عن الإسلام".