يقضي التلميذ ما يقارب من 6 ساعات يوميا في المدرسة، أي نصف النهار تقريبا، يستنفذ خلالها طاقته الفكرية نتيجة تفاعله مع دروسه أو طاقته الحركية، بفعل الإستراحة المحدد زمنها بربع ساعة في الفترتين الصباحية والمسائية، وهي نفس الفترة الزمنية التي اعتاد التلاميذ فيها على قضم أصابع الشكولاطة أورقائق البطاطا المملحة، أو الاستمتاع بطعم المشروبات الغازية دون وعي منهم ومن أسرهم! في الوقت الذي يتأسف فيه خبراء الصحة العمومية لسلوكات العديد من الأولياء الذين يضعون في محافظ أبنائهم المشروبات الغازية، البسكوت، الشبس والساندويتشات، متجاهلين أنها أغذية غنية بالسكريات والدهون، تتسبب في زيادة الوزن، ثم السمنة. عندما يدق جرس الإستراحة بالمدارس عند العاشرة من صباح كل يوم، يتدافع التلاميذ مهرولين نحو ساحة المدرسة للعب.. هي استراحة حددت مدتها ب15 دقيقة، يتناول خلالها التلميذ لُمجته اليومية التي تكون في الغالب عبارة عن شيبس وشوكولاطة.. وفي ثوان معدودة، تحول فناء إحدى المدارس الابتدائية إلى خلية نحل! لا مكان للهدوء.. الكل يأكل، يركض ويلعب.. وفي غمرة النشاط والحيوية اللذين يتمتع بهما التلاميذ، اقتربت “المساء” من بعض التلاميذ، تسألهم عن لُمجتمهم وماذا أحضروا معهم من أكل، فقالت ياسمين في الصف الثالث ابتدائي: “أحضرت معي شكولاطة وعصير”، وماذا تحضرين في باقي الأيام؟ “أحيانا أحضر شيبس..” وهل تعلمين أن الشيبس مضر للصحة؟ “لا أبدا، جميع الأطفال يأكلونه ولم أر أحدا اشتكى منه مطلقا”. إن كانت وجبة الفطور الصباحي مهمة، واللمجة أيضا تظهر أهميتها بالنسبة للأطفال الذين هم في طور النمو، فهل تعتبر الشكولاطة والشيبس من أساسيات الفطور الصحي أوالنمو السليم؟ تركنا ياسمين وتحدثنا إلى عماد في صف الخامسة ابتدائي، الذي التهم لمجتمه بسرعة كبيرة كي يتفرغ للعلب واللهو مع زملائه، قال الطفل إن لمجتمه تتنوع، ولكنها في الغالب تنحصر في أنواع الشيبس وأصابع الشكولاطة، وأيضا هلاليات وحتى قارورات الكولا، لأنه لا يحب العصائر أو الحليب، فبالنسبة له هي مخصصة للأطفال الأصغر منه سنا! أما التلميذة شهرزاد في الخامسة ابتدائي، فإنها أقنعت والدتها بتخصيص مصروف يومي لها لتشتري لمجتمها اليومية، وتؤكد أنها تشتري الشيبس والشكولاطة من المتجر المحاذي للمدرسة، وتبرر ما تفعله قائلة: “اللُمْجة التي تحضرها لي أمي في البيت ليست مغرية، فهي تتكرر كل يوم، وقد مللت منها”، تواصل: “خبز بالجبن أوبالزبدة أوحبة كرواسون، وقد أقنعتها أخيرا بأن أشتري وحدي وجبتي للاستراحة المدرسية، واقتنعت”. يبدو أن شهرزاد لديها صورة ذهنية سلبية تجاه الساندويتشات التي تحضرها لها والدتها، بالرغم من أنها أكثر صحة وسلامة لنموها من الحلويات والمعلبات التي تعشق الفتاة التهامها، ولكنها صورة نمطية مشتركة بين مئات التلاميذ ممن يحبون السكريات والمملحات على الأجبان والحليب.. ولكن قد لا تبدو الصورة سوداوية دائما، إذ تحدثت “المساء” إلى أنفال في الثالثة ابتدائي التي بادرتنا تقول: “في الاستراحة أفضّل أكل وجبتي وأنا جالسة حتى لا أشعر بألم في معدتي، أحضر علبة ياهورت أو خبز بالجبن أو حبة فاكهة، أنا لا آكل الشيبس وأتمنى أن يمنع بيعه، لأنه مضر كثيرا بالصحة”. كذلك تحدثت “المساء” إلى بعض المعلمات اللواتي أجمعن أن مدة الإستراحة طويلة، لذلك فإن الأطفال يصحبون معهم الكثير من السكاكر وعلب البطاطا المقرمشة والشكولاطة، وبالرغم من تحذيراتنا من الخطر السلبي لهذه المأكولات، فإننا نصطدم في اليوم الموالي بنفس العلب والسكاكر، تحضّر للاستراحة. وتابعت مدرّسة تقول: “التلميذ يقضي حوالي أربع ساعات في الفترة الصباحية، لذا لابد أن نقدم له لمجة غذائية تمنحه الطاقة وتحسن من تركيزه في دروسه، والأحسن أن تقدم له قطعة خبز بالزبدة أوالجبن أوحبة فاكهة، أحسن من الشيبس والشكولاطة، وكما ترون فإن أغلب التلاميذ بدناء، بالنسبة للجنسين، والمسؤولية هنا يتحملها الوالدان”. وفي الموضوع تحاورت “المساء” مع الدكتور “بواب ضياء الدين”، أخصائي في أمراض الغدد الصماء، أشار إلى أهمية توجيه السلوك الاستهلاكي للتلاميذ لتحقيق التوازن الغذائي وتحسين المردود الدراسي، وأكد أن توجيه هذا السلوك يبدأ من الأسرة. واعتبر الأخصائي أن اللُّمْجة أساسية لنمو الأطفال لعدة أسباب؛ منها أن الأطفال كثيرا ما لا يفطرون في المنزل بصفة جيدة، بسبب مشاغل الوالدين أوبسبب تخلفهما عن تناولها أوتأجيلها إلى وقت الإستراحة والعمل. وهذا ما قد يسبب للتلميذ عدم التركيز في دروسه، كما أن التلميذ عادة ما يسرع عند تناول طعم الغداء في منتصف النهار، أو ألا يتناوله إطلاقا لسبب أو لآخر، لذلك تبدو لمجة العاشرة صباحا بالمدرسة مهمة جدا لتغذية صحية للتلميذ، ويبدو ذلك أساسا في كونها تساهم -إلى جانب الفطور- في تزويد الجسم خلال اليوم بالطاقة الكافية، والمساعدة على تحفيز الذاكرة، بالإضافة إلى الحماية من الإجهاد. ولكن حتى تكون هذه اللمجة مفيدة، لا بد أن تكون متكاملة. ولذلك، لا بد من التفطن لأهمية أن تكون صحية، إذ لا بد أن تحتوي مصدرا للسكر المعقد مثل الخبز، وآخر للبروتينات مثل الأجبان، ومصادر للفيتامينات المتواجدة كثيرا في الفواكه بأنواعها أوالعصائر الطبيعية الخالية من المواد الحافظة والسكريات. ويتابع حديثه بقوله؛ إن الشيبس والشكولاطة مشبعة بالسكر العادي والدهون والأملاح، وهي العناصر الثلاثة المسببة للسمنة، ولكن أيضا تتسبب في تغيّر طعم التذوق بالنسبة للأطفال الذين يتعودون على أذواق غير صحية منذ سنهم المبكر، وبالتالي ينمون على ذوق واحد، وسيكون من الصعوبة بعدها محاولة التنويع في أكلهم، لذلك من المهم جدا تعويد الطفل منذ صغره على ذوق الخضر وعلى تعديل الحلو والمالح في أكله، وهذا ليس حفاظا على صحته فقط، وإنما حفظا للصحة العمومية إجمالا من مشكلة البدانة التي تشكل خطرا مهددا، خاصة إذا بدأت في سن صغيرة، لأنها إذا تطورت سيصاب الشخص بعدها بتعقيدات خطيرة على صحته، ومنها الإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول وأمراض القلب، مع اضطرابات هرمونية خاصة بالنسبة للفتيات، ناهيك عن أن السمنة في الصغر تسبب مشاكل في النمو.