كشفت آخر دراسة أجراها المعهد الوطني للصحة العمومية، أن أكثر من 40 بالمائة من أطفال الجزائر يعانون من السمنة المفرطة، و أرجع المختصون القائمون على الدراسة السبب إلى نوعية الوجبات الغذائية غير الصحية التي يتناولها هؤلاء و التي ساهمت في مضاعفة العدد، هذا ما جعل خبراء الصحة العمومية يحذرون من تفاقم السمنة عند الأطفال في الجزائر ، و التي أصبحت شائعة في بلادنا بسبب أنماط الحياة المتبعة حاليا، فتناول الوجبات السريعة غير الصحية في محلات الأكل السريع خاصة منها " الهم برغار " ، ''الشيبس'' يؤدي إلى تفاقم المشكلة . وأكدت نتائج الدراسة التي شارك فيها الدكتور ألمان من المعهد الوطني للصحة العمومية و التي شملت أكثر من 7 آلاف طفل من مختلف ولايات الوطن أن ما يفوق 30 من بالمائة من أطفال الجزائر يعانون من أخطار السمنة التي أصبحت تصنف حاليا ضمن أخطر الأمراض المزمنة التي يؤدي عدم الوقاية منها إلى ظهور أعراض خطيرة عند الأطفال، إذ تشير ذات النتائج أن الأطفال المتراوح أعمارهم بين 6 إلى 7 سنوات يحتلون الصدارة في السمنة بنسبة 37 بالمائة ، بعدها تليها الفئة العمرية من 11 إلى 12 سنة ب 28 بالمائة ، فيما يحتل الأطفال بين 14 إلى 16 سنة بنسبة 34 بالمائة ، فالسمنة أصبحت تصنف ضمن الأمراض المزمنة، ويشدد المختصون على ضرورة تشجيع الأطفال وتوجيههم لممارسة الرياضة وفوائدها على صحتهم، خاصة مع تنامي الأمراض المزمنة عند الأطفال على غرار السكري والبدانة المتأتية من حالة الركود التي تميز أجساد الصغار والمراهقين في ظل ظاهرة قلة الحركة التي أصبحت تميز المجتمع الجزائري، إلى جانب ظاهرة الوجبات السريعة والدسمة. في الموضوع تحدثنا إحدى الأمهات وهي معلمة في مدرسة ابتدائية مؤكدة ملاحظة شخصية لها كمعلمة بحيث لاحظت أن أغلب الأطفال الأقل من 10 سنوات يعانون أوزانا إضافية أو أنهم يعانون من السمنة جراء الأكل غير الصحي الذي يتناولونه خلال الاستراحة الدراسية، وتتابع بالقول إن رقائق البطاطا المملحة أو ''الشيبس'' تستحوذ على عقول التلاميذ، فالكثير منهم لا يكتفون بإحضارها داخل محافظهم لقضمها خلال الاستراحة بل يلاحظون وهم ينهمون تلك الرقائق أثناء وجودهم صباحا بالساحة قبل تحية العلم في السياق، خلصت الدراسة أن الأطفال المتمدرسين يتهافتون على محلات "الفاست فودات" القريبة من المؤسسات الدراسية ، الأمر الذي يرغمهم على الأكل غير الصحي ، حيث أشار الدكتور ألمان أن 31 بالمائة من أطفال العينة يتناولون وجبات إضافية ، و17 بالمائة منهم يتناولون الطعام في محلات الأكل السريع ، و التي توفر بعض الوجبات التي تساهم في شكل كبير في إيقاع الأطفال في مشكل السمنة ، و من بين هذه الوجبات وجبتا "الشيز برغار" و "الهم برغار" اللتان يجد الأطفال لذة في تناولهما، الأمر الذي تؤكده العديد من الأمهات اللواتي قلن بان رغم إلحاحهن على الأبناء بتناول الغذاء في المنزل إلا أنهم يفضلون الأكل خارج المنزل مع زملائهم بالمدرسة، حيث أظهرن خوفهن على صحة أولادهن بسبب المعانات مع مشكلة السمنة التي أخذت بعدتا تصاعديا في المجتمع الجزائري ، و أكدت بعض العائلات ان رغم تناول أطفالهم الوجبات في المنزل، إلا أنهم يتهافتون على مثل هذه المحلات مرجعين السبب إلى تعودهم عليها، من بين الوجبات التي تساهم في السمنة لدى الاطفال وجبة القرنطيطة التي تتكون من 90 بالمائة من مادة الحمص بالإضافة الى البيض التي تساهم بشكل كبير جدا في زيادة الوزن في مدة زمنية قياسية ، و عليه حذر الأطباء الذين قاموا بالدراسة من التناول اليومي للوجبة سيما لدى الأطفال . و دق أخصايو الأطفال ناقوس خطر السمنة التي أصيبت بكثرة أطفال الجزائر ، مرجعون عوامل تنامي هذه الظاهرة المقلقة إلى لامبالاة الأسر التي تعتبر المسؤول المباشر على سلوك الطفل، و أشار الدكتور ألمان إلى أن لأولياء مسؤولون مثلا على ترك أطفالهم لساعات طويلة أمام التلفاز نظرا لما تخلفه هذه الظاهرة من مضاعفات صحية على الجسم كالسمنة وخلل في البصر جراء إشعاعات التلفزيون''موضحا في ذات الوقت أنه ينبغي على العائلات بما فيها الأمهات حث أطفالهم على خفض مدة مشاهدة التلفزيون أو ألعاب الفيديو أو ''البلاي ستايشن'' إلى أقل من ساعتين في اليوم، وتشجيعهم على ممارسة الأنشطة الرياضة. و أشار ذات الدكتور إلى ضرورة إيجاد برامج غذائية مناسبة توفر متطلبات التغذية السليمة، هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن نحرم الطفل من تناول الطعام أو تجويعه، وإنما نعني به أساسا تعديل نمط تغذية الطفل تدريجياً، فقد يكون صعباً منع الطفل من تناول الحلويات أو المعجنات أو الأطعمة الجاهزة كالشيبس والمشروبات الغازية وغيرها، ولكنه لن يكون صعباً التخفيف من كمية هذه الأطعمة والمشروبات واستبدالها بالأغذية المفيدة التي تحافظ على صحة الطفل وتقيه من الأمراض، فالحل يكمن في العادات الغذائية السليمة والصحيحة وليس الحمية. في الأخير ، حث الدكتور ألمان الأسر على إبعاد الطفل قدر الإمكان عن الوجبات السريعة الغنية بالدهون والسكريات، وكذلك المشروبات الغازية المضرة بالصحة ، داعيا الابتعاد عن السكريات والحلوى أو منح الطفل كميات قليلة ومحسوبة منها في أوقات متفرقة من النهار، وهذا تفاديا لتعقيدات السمنة وكذا لمشاكل تسوس الأسنان، هذا دون إغفال أهمية ممارسة الرياضة بمختلف أشكالها وتحبيبها للطفل منذ سنوات عمره الأولى. من جهة أخرى ، أشارت الدراسة إلى احتلال التلفزيون رفقة وجبة " الشيبس" الصدارة في عوامل السمنة لدى الأطفال بنسبة 48 بالمائة ، وهو ما اعتبره القائمون على الدراسة قنبلة موقوتة تنبئ بتفاقم الوضع إذا لم تتخذ كافة إجراءات الوقاية بعين الاعتبار، كذلك أظهرت ذات الدراسة أن بدانة أطفال المدارس وصلت إلى مرحلة متقدمة، حيث وصلت إلى 20 بالمائة و27 بالمائة من مجموع تلاميذ الابتدائيات، وما بين 28 و35 من مجموع تلاميذ الإكماليات ونحو 35 في المرحلة الثانوية، فالأطفال في مثل هذه المرحلة يفضلون الأكل أمام شاشات التلفزيون حيث يتابعون برامجهم المفضلة من رسوم متحركة و أفلام و يقومون بأكل كل ما يجدونه في الثلاجة ، الأمر الذي دفع ببعض الأمهات إلى تقليص حجم الأوقات التي يقضيها أولادهن في التلفزيون و يعوضنها بروايات او قصص للمطالعة ، و هي حالة السيدة صافية من القبة التي قالت بأنها سطرت برنامج ثري لطفلها حيث قامت باقتناء مختلف القصص و الروايات و تقوم بقراءتها له كل ليلة الأمر الذي أنساه هم التلفزيون و الأكل بشراهة كبيرة لمختلف الوجبات، ناصحة الأمهات الأخرى السير في دربها للمحافظة على سلامة و صحة أطفالهن، من جهتها تقول ربة أسرة مبدية رأيها حول الموضوع إن بدانة الأطفال معاناة لا يعيشها الأطفال فقط، إنما يشاركهم فيها الآباء كذلك، وتعترف المتحدثة بأن إهمالها لابنتها قبل سن البلوغ كان السبب في إصابة البنت بالسمنة، الطفلة تبلغ 13 سنة ووزنها 62 كلغ وتخضع حاليا لمراقبة طبية حتى تعود لوزنها الطبيعي حسب والدتها. وتبرر أمر الإهمال الذي تحدثت عنه إلى تسابقها مع الزمن لتوفق بين دوامها الوظيفي وعملها المنزلي، وتقدم نصائح لكل الأمهات بضرورة مراقبة غذاء أبنائهن منذ سنواتهم الأولى قبل فوات الأوان.