دعا وزير النقل، السيد عمار تو، إلى إعادة النظر في طريقة تحديد أسباب حوادث المرور، معتبرا أن المقاييس المعتمد عليها قديمة ويجب تجديدها حتى لاتهمل بعض الجوانب كحالة الطرقات وإشارات المرور وكذا حالة المركبات. وشدد على ضرورة العودة إلى الصرامة في تطبيق قانون المرور الصادر في 2009، معترفا بسلبية التراخي الذي حدث منذ 2011 بمبرر تفضيل الحملات التحسيسية. وقال "دفعنا ثمنا غاليا عندما فضلنا الحملات التحسيسية على الردع، لان السائقين تعودوا ذلك، واليوم إذا أردنا العودة إلى صرامة 2010 فسنحتاج إلى جهد كبير". ورغم الاعتراف بأهمية الحملات التحسيسية، فإن العودة إلى الردع لم تكن مطلب الوزير فقط وإنما كذلك ممثلي الدرك والأمن الوطنيين وكذا المدير العام للمركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق. هذا الأخير قال في لقاء نظم، أمس، بمقر وزارة النقل، أن "الردع ركيزة أساسية في الوقاية من حوادث المرور، بشرط أن يكون متكامل العناصر". وأوضح السيد الهاشمي بوطالبي أنه من الضروري وجود قانون شامل لكل المخالفات والجرائم المرورية، وتنظيم واضح يحدد سبل وطرق التطبيق بدقة وتجنيد العدد والعدة اللازمين للتنفيذ الصارم لأحكام القانون. من جانبه، قال العقيد ملاك صالح رئيس قسم أمن الطرقات بالدرك الوطني وهي الهيئة التي تتدخل في 80 بالمائة من الشبكة الوطنية للطرقات، أن "العمليات التحسيسية والإعلامية حول مخاطر الطريق لم تكن ناجعة". وإذ عبر عن اقتناعه بأن فئة الشباب البالغين بين 25 و35 سنة هي الأكثر مجازفة وبالتالي تسببا في حوادث المرور، فإنه اقترح على وزير النقل رفع السن القانوني للحصول على رخصة السياقة إلى 25 أو 26 سنة بدل 18 سنة، قائلا أن الشباب في ال18 "هم بمثابة أطفال". كما اقترح ممثل الدرك الوطني الاستلهام من تجربة الجيش الشعبي الوطني في تكوين سائقي المركبات الثقيلة والذي يدوم ستة أشهر، مشيرا إلى ضرورة فتح مدارس كبرى مثلما هو واقع في المؤسسة العسكرية، وهو ما تظهر نتائجه الايجابية ميدانيا، لان سائقيها محترفون. وفي الوقت الذي أبدى فيه وزير النقل اهتمامه بالمقترح الثاني، مشيرا إلى إمكانية التعاون مع وزارة الدفاع الوطني في مجال التكوين، قال إنه سيسجل المقترح الأول الخاص بسن الحصول على الرخصة، لكنه اعترف بأنه "يحتاج إلى تفكير كبير". وتم التركيز خلال اللقاء الذي حضرته كل الأطراف المعنية بحوادث المرور، على الخطر الذي باتت تشكله المركبات الثقيلة لاسيما شاحنات نقل السلع وكذا حافلات نقل المسافرين على حياة الناس. وفضل السيد بوطالبي بدء مداخلته بصور فظيعة عن حادث مرور وقع مؤخرا في المسيلة لحافلة كانت قادمة من حاسي مسعود باتجاه العاصمة واصطدمت بشاحنة، مما أدى إلى وفاة 10 أشخاص وجرح 16 آخرين. ثم انتقل إلى الأرقام الخاصة بالثمانية أشهر الأولى من 2012 والتي تشير إلى أن عدد الحوادث بلغ 29230 حادثا على المستوى الوطني أدت إلى وفاة 3055 شخصا –ارتفاع بنسبة 0.99 بالمائة مقارنة ب2011، وبمعدل وفاة 13 شخصا يوميا، منهم 2578 في المناطق الريفية –بارتفاع نسبته 2.46 بالمائة- و477 في المناطق الحضرية -انخفاض بنسبة 6.29 بالمائة- وحسب ذات المصدر، فإن وسائل النقل الجماعي تسببت في 1236 حادثا، فيما كانت الشاحنات وراء 3004 حوادث مرور. وهنا نبه الوزير إلى كون النسبة البسيطة لحوادث المرور التي تسببها المركبات الثقيلة والبالغة 3 بالمائة هي التي تؤدي إلى أكبر عدد من القتلى بنسبة 43 بالمائة. ويظهر جدول ترتيب الولايات الخاص بعدد حوادث المرور في الثمانية أشهر من 2012 أن الجزائر العاصمة احتلت الريادة بنسبة 6.1 بالمائة، تليها سطيف ب5.52 بالمائة ثم معسكر ب3.68 بالمائة. أما جدول ترتيب الولايات حسب عدد الوفيات جراء حوادث المرور، فيصنف باتنة في المرتبة الأولى ب127 قتيلا، ثم سطيف- ب121 قتيلا فالمسيلة ب117 قتيلا. وتحتل سطيف الريادة في عدد الجرحى ب2628 تليها الجزائر ب2507 ثم باتنة ب1704. وحسب المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق فإن المتسببين الرئيسيين في وقوع حوادث المرور في هذه الفترة هم "مستعملو الطريق" بنسبة 90.20 بالمائة، تأتي بعدهم حالة المركبات بنسبة 5.37 بالمائة وعامل المحيط بنسبة 4.44 بالمائة. وتعليقا على هذه الأرقام، عبر وزير النقل عن تحفظه، مشيرا إلى انه من التناقض أن نقول بان حالة المركبات تشكل فقط 5 بالمائة من مسببات حوادث المرور في وقت نلاحظ فيه أن هناك حافلات يزيد عمرها عن عشرين أو ثلاثين سنة مازالت تسير في الطرقات. وتساءل "كيف نطالب بتجديد حظيرة المركبات لخطورتها، ثم نقول إن حالتها لاتسبب إلا نسبة قليلة من الحوادث؟". نفس الملاحظة وجهها بالنسبة لحالة الطرقات وكذا إشارات المرور، حيث اعتبر انه ليس منطقيا أن نطالب بإنشاء طرق جديدة، في وقت نقول فيه بأن حالتها جيدة ولاتسبب حوادث قاتلة. ودافع الوزير عن قانون المرور الصادر في 2009، مستشهدا بالأرقام التي أوضحت أن 2010 شهدت أقل عدد من الحوادث والقتلى، وهي السنة التي طبق فيها القانون بصرامة، مما أدى إلى ارتفاع نسبة دفع الغرامات من 6 بالمائة إلى 90 بالمائة، لكنه اعتبر أنه من الخطأ القول بأن دفع الغرامة يعوض سحب رخصة السياقة باعتبارها أداة عمل للكثير من أرباب الأسر. وقال إنه لايمكن "المفاضلة بين دفع الغرامة وأرواح الناس". وأرجع عمار تو أسباب التراخي في تطبيق قانون 2009 إلى "ضغط المجتمع"، مشددا على العودة إلى الردع، هذه المرة عبر رخصة المرور بالتنقيط التي كشف أن نموذجها قيد التحضير على مستوى مصالح وزارة الداخلية، ويرتقب أن ينتهي العمل بها نهاية السنة الجارية على أقصى تقدير. لكنه أكد على ضرورة وضع سجل وطني للمخالفات، على غرار سجل وطني لرخص السياقة والبطاقات الرمادية من أجل السماح بإنجاح الإجراء الجديد وإعطائه فعالية.