أكدّ الدكتور أرزقي فراد أول أمس بقاعة المحاضرات بالمجلس الإسلامي الأعلى، في قراءة نقدية لكتاب الدكتور “سعيد سعدي “عميروش حياة، موتتان،وصية”، أن الكاتب لا يملك الأدوات التاريخية ليكتب عن شخصية عميروش، وأن كتابته لم تلتزم بالسياق التاريخي، بل أسقطت رؤيته الإيديولوجية. استضافت مؤسسة “مولود قاسم نايت بلقاسم” أول أمس بمقر المجلس الإسلامي الأعلى، الدكتور أرزقي فراد، في إطار نشاطها الثقافي، حيث أكد رئيسها الأستاذ محمد الصغير بلعلام، أن مؤسسة مولود قاسم مؤسسة ثقافية تلتزم بمنهج مولود قاسم في “ البحث عن الحقيقة”، وذلك من أجل نشر الفكر والثقافة من دون تعصب أو تحامل أو إهمال لأي جانب، والجمع بين المؤتلف والمختلف والضدية، وما نسميه اليوم بالرأي والرأي الآخر، وعرج الأستاذ أرزقي فراد على ذكر الدوافع التي جعلته يقوم بهذه القراءة، وهي إثارة سعيد سعدي بكتابه التاريخي لشخصية عميروش قائد الولاية الثالثة الذي دوخ الاستعمار الفرنسي، حيث أوقع الكتاب زلزالا في اتهام بوصوف وبومدين بالتخلص من شخصية عميروش، حسب تصور سعيد سعدي وسكوت الباحثين وعدم مناقشة الكتاب. وأكدّ الدكتور فراد أنه من خلال قراءته للكتاب في طبعته العربية التي صدرت عن دار لوقان، خرج بمحورين، المحور الأول أنّ بالكتاب جوانب إيجابية، حيث اعتمد الكاتب في قراءته للتاريخ قراءة غير رسمية وقدم أدلة على عدم عداوة عميروش للمثقفين، ولا يمكن اختزال عميروش في نكبة الزرق. ويضيف أن المؤلف رجل سياسي غير مختص في التاريخ، كتب في موضوع صعب، غير أن ذلك لا يحول دون الاعتراف بأن محتوى الكتاب لا يخلو من فوائد، وعليه فإن صدور الكتاب يندرج في سياق الجهود الرامية إلى تكريس ثقافة النقد البناء، الذي لا يثير الحزازات ولا يفسد للود قضية. ويستطرد الأستاذ فراد أن من محامد الكتاب أنه بادر بكشف القناع عن حجز رفات العقيدين سي الحواس وعميروش بوزارة الدفاع من طرف الرئيس الأسبق هواري بومدين، بعد انتشالها في سرية تامة سنة 1964من مدفنيهما ببرج لاغا، ببوسعادة، حيث دفنها الفرنسيون، واعتبر المؤلف حجز الرفات بمثابة “موت ثان لهما”. أما المحور الثاني فهو محور المآخذ المسجلة على الكتاب، حيث يرى فراد أنّ من بين هذه المآخذ إسقاط المؤلف إيديولوجيته السياسية على الكتاب، سكوته عن علاقة عميروش الطيبة بالحركة الإصلاحية وتعلقه بالإسلام والعربية، ومما يؤخذ عن الكتاب عدم إنصافه للزوايا التعليمية في قضية المقاومة الشعبية، حيث يقول الناقد أرزقي فراد: “ من الهفوات التي وفع فبها المؤلف، أنه تجاهل الدور الرائد للزوايا في مقاومة الاستعمار الفرنسي طيلة مدة الاحتلال [18301962]، باعتراف المؤرخين والكتاب الفرنسيين أنفسهم، وفضل تسليط الأضواء على بعض الحالات الشاذة المتمثلة في خضوع بعض شيوخ الزوايا للإدارة الفرنسية، فتحدث عنها بكيفية تشوّه سمعة الزوايا في ذهن القارئ”. ويضيف فراد في نقده للكاتب قائلا :« وكان من الأليق أن ينّوه بدور الزوايا في المقاومة الشعبية فيذكر على سبيل المثال، أن أجداده في عرش آث جناذ قد شاركوا في معركة اسطاوالي في جويلية 1830 تحت قيادة زاوية سيدي منصور، ومن جهة أخرى غمط المؤلف حق جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كان نشاطها يندرج ضمن المقاومة الفكرية للاستعمار الفرنسي وتحصين الشباب بالتربية الخلقية والوطنية”. ويضيف أرزقي فراد : وخلافا لما ذكره المؤلف عن علاقة عميروش بشعبة جمعية العلماء بفرنسا التي اختزلها في كونها مجرد غطاء لنشاطه السياسي، فإن عميروش انضم إلى هذه الجمعية عن إيمان واقتناع ببرنامجها الهادف إلى احياء الشخصية الجزائرية بتاريخها العريق ولغتها ودينها الإسلامي. كما انتقد أرزقي فراد وبشدة المؤلف بإسقاط رؤيته الإيديولوجية على قراءته التاريخية، وهو ما يعدّ خرقا صارخا للموضوعية التاريخية التي تفرضها النزاهة العلمية، ويتجلى ذلك بوضوح في الفقرة التجريحية المخصصة للمجاهد محمدي السعيد، إذ لم يلتزم المؤلف باستعراض مسار الرجل أيام ثورة نوفمبر كما يقتضي السياق التاريخي للكتاب، بل أشار إلى مواقفه السياسية بعد استرجاع الاستقلال “... لقد بدا واضحا أن القلم قد شطّ بالمؤلف وهو يرسم لوحة سوداوية للعقيد محمدي السعيد، متناقضة والحقيقة التاريخية، وعلى قدر كبير من التجريح إلى درجة تجعل القارئ يتساءل إن لم تكن هذه الهجمة الشرسة تهدف إلى تصفية حسابات سياسية”. وخلص الناقد محمد أرزقي فراد في الأخير إلى القول : “ إن صدور الكتاب، كان مناسبة ثقافية فتحت مناقشة واسعة حول شخصية العقيد عميروش آيت حمودة، شاركت فيها أقلام عديدة تعددت أفكارها وتنوعت رؤاها، بعضها مصبوغ بالعاطفة، وبعضها الآخر مطبوع بالموضوعية، كل ذلك من أجل البحث عن الحقيقة، التي ستخرج من استقداح الآراء، في إطار النقد العلمي البناء، الذي يتجاوز ثقافة المناقب والمجاملة”. وأعقبت قراءة الدكتور أرزقي فراد تدخلات وتعقيبات من الجمع الغفير الذي حضر هذه القراءة النقدية لكتاب الدكتور سعيد سعدي “عميروش حياة، موتتان، وصية“.