في هذا الحادي عشر من ديسمبر قبل اثنتين وخمسين سنة، خرج الجزائريون عن بكرة أبيهم في مظاهرات عارمة ضد السياسة الديغولية، مطالبين بالاستقلال ورافضين لفكرة "الجزائر فرنسية" وراح المتظاهرون في العديد من الولايات يرددون شعار "الجزائر جزائرية" رافعين الأعلام الوطنية ومشيدين بالحكومة المؤقتة آنذاك وجبهة التحرير. ورغم سنوات الطمس والتشويه وعقود الاستدمار تفطن المستعمر الفرنسي إلى أن أقدامه لن تبقى في أرض ضحى من أجلها الشعب برمته، وكانت آخر المحاولات مساومات وإغراءات ديغول التي لم يهضمها أحرار الجزائر مطالبين بالانعتاق وترك البلد لأهله. واليوم تمر هذه الذكرى لنستذكر سويا التضحيات الجسام التي قدمها الرعيل الثوري من أجل أن يعيش الجيل الذي يأتي بعدهم في حرية وسيادة كاملة، ونتذكر في هذا اليوم تلك اللحمة التي كانت توحد الجزائريين على كلمة واحدة وقلب رجل واحد. ولذلك فمعدن أهل هذا البلد لا ينصهر في بوتقات الزمان مهما كانت نيران الأزمات والنكبات والفتن، وأصل الجزائريين المخلصين لن تخالطه التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولولا هذا المعدن الأصيل وهذه الطينة الطيبة لما بقيت بلادنا واقفة في وجه أعادي الزمان وعوادي الدهر التي لم تزد أبناءها إلا تشبثا بوحدة الوطن وحماية السيادة والتطلع إلى مستقبل زاهر في كنف العدالة والديمقراطية.