استعاد الجيش اللبناني أمس المبادرة بعد قرابة أسبوع منذ اندلاع المواجهات بين ميليشيات أحزاب الموالاة والمعارضة محذرا من مغبة مواصلة المغامرة باستعمال السلاح ومحاولة فرض الأمر الواقع في الشارع اللبناني بالقوة وأكدت قيادة الجيش اللبناني أمس عزمها استخدام القوة العسكرية في مسعى لوضع حد لكل مظاهر التسلح التي استفحلت على الساحة اللبنانية منذ الخميس الماضي وبعد تجدد المعارك بأكثر ضراوة في مدينة طرابلس بين ميليشيات الطرفين المتنازعين. وشرعت قوات الجيش اللبناني منذ مساء أمس في تضييق الإجراءات الردعية ضد كل من يخالف التعليمات الجديدة سواء كانوا أفرادا أو جماعات في إطار ما تنص عليه القوانين اللبنانية. ويبدو أن قيادة الجيش اللبناني أخذت كامل وقتها وتريثت الأمر قبل إصدار إعذارها باتجاه الفرقاء تماما كما فعلت بخصوص إصدار موقفها بخصوص قرار الحكومة اللبنانية إزالة شبكة الاتصالات التي أقامها حزب الله في محيط مطار العاصمة بيروت. وتكون التركيبة البشرية للجيش اللبناني وضمه لمختلف الطوائف والأقليات هي التي جعلته يفكر جليا قبل اتخاذ القرارات الحاسمة للتعاطي مع تداعيات الوضع العسكري في البلاد وذلك مخافة انتقال عدوى الإنشقاق إلى داخل هذه الهيئة التي تمكنت إلى حد الآن من المحافظة على تجانسها ويكون ذلك هو العامل الرئيسي الذي جعل لبنان لا يجنح باتجاه الغرق في متاهة الحرب الأهلية. وفي مسعى لفرض النظام في كل المناطق واصل الجيش اللبناني نشر وحداته في مناطق التوتر في شمال وجنوب البلاد في محاولة لمنع توسع رقعة المواجهات المسلحة التي تندلع من حين لآخر في مختلف المناطق، بعد أن بلغت حصيلة المواجهات منذ أسبوع 61 قتيلا. ويبقى السؤال الهام الذي يطرح نفسه في مثل هذه الوضعية الصعبة، هل سيلتزم مسلحو الفريقين المتخاصمين بتطبيق أوامر الجيش أم أن دعوة قيادة الجيش سوف لن تؤدي إلا إلى مزيد من التوتر؟ والأكثر من ذلك هل ستتمكن وحدات الجيش من فرض سيطرتها بعدما أشيع أن الميليشات أصبحت تمتلك أسلحة أكثر تطورا من أسلحة الجيش نفسه وتضم في صفوفها آلاف المقاتلين المدربين وبما يؤهلها لرفض أوامر الجيش. يذكر أن تعليمات قيادة الجيش اللبناني التي جاءت في شكل أوامر جاءت عشية وصول وفد الوساطة العربي الذي تم تشكيله خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الأحد الماضي بالعاصمة المصرية. ويصل الوفد العربي بتأخير يوم كامل بعد أن كان مقررا وصوله نهار الثلاثاء ربما بسبب عدم اتضاح الرؤية وكيفية التعامل مع الفرقاء اللبنانيين بعد أن بلغت القطيعة مداها والشرخ ما انفك يزداد اتساعا بما أعطى الاعتقاد أن الوساطة العربية الموسعة ستلقى نفس المآل الذي عرفته مساعي الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي عمل على تقريب المواقف بخصوص الاسراع بانتخاب رئيس جديد للبلاد وملء الفراغ الذي تركه رحيل الرئيس ايميل لحود عن كرسي الرئاسة منذ نوفمبر الماضي. ويدرك عمرو موسى الذي سيكون ضمن الوفد اكثر من غيره صعوبة هذه المهمة وخاصة وأن الخلافات بين الأحزاب اللبنانية وصلت الى حد استعمال السلاح وهو الذي فشل في مهمته لما كانت الأزمة بينهم في إطارها السياسي فقط. ولم ينتظر طرفا المعادلة السياسية اللبنانية وصول الوفد العربي ليكثف من تصريحاتهما بخصوص طبيعة المهمة العربية ضمن شروط مسبقة ستجعل من هامش تحرك وزراء الخارجية العرب محدودا بل ومحفوفا بمخاطر قد تزيد في تعميق الشرخ اللبناني. فقد ذهبت أحزاب الموالاة المؤيدة لحكومة فؤاد السنيورة الى تحديد مهمة الوفد العربي في معاينة ما جرى والمساعدة على تسوية الأزمة في وقت دعت فيه أحزاب المعارضة وفد الوساطة العربية الى التزام الحياد التام في مهمته وعدم وقوفه مع طرف ضد طرف آخر والتصرف بحيادية ونزاهة. وبدت مهمة الوساطة العربية منذ الوهلة الأولى وكأنها مستحيلة بعد ان اشترطت قوى 14 آذار الموالية للحكومة إجراء المفاوضات بعيدا عن ضغط السلاح في إشارة الى انتشار عناصر حزب اللّه في بيروتالغربية لترد عليها أحزاب المعارضة بضرورة الغاء الحكومة لقرارها بنزع شبكة الاتصالات التي أقامها حزب اللّه والجلوس الى طاولة الحوار وفق مبادرة رئيس البرلمان وزعيم حركة أمل الشيعية المعارضة نبيه بري الذي سبق لأحزاب الأغلبية معارضتها. وبين هذين الموقفين المتنافرين سيتحرك الوفد العربي بحذر شديد وحنكة متناهية لادراكه أن كل زلة قدم أو هفوة لسان ستؤدي في النهاية الى الفشل الذي لا يتمناه أي أحد.