تناول الأستاذ عمر فطموش، مدير المسرح الجهوي لبجاية، أول أمس، عند نزوله ضيفا على “موعد مع الكلمة” بقاعة “الأطلس” إشكالية الترجمة في المسرح الجزائري واصفا إياها بالتقصير في استيعاب جماليات ومضامين النصوص. المداخلة حملت عنوان “حدود الترجمة والاقتباس في المسرح” استعرض خلالها الأستاذ فطموش واقع الترجمة في المجال المسرحي، حيث أنها لم ترق إلى مكانة النصوص المسرحية والأدبية المترجمة، والحقيقة حسب المتدخل فإن الترجمة مهما كانت دقيقة لا يمكنها أن تعكس أصالة ما ترجمته، وهنا يستشهد بآراء بعض المسرحيين العالميين منهم المسرحي الفرنسي المعروف “جون فيلار” الذي قال “إن النصوص المسرحية ذات الريتم لا يقدر المترجمون على إيصال واحترام روحها ويسدون نفسها”. إن الترجمة المسرحية كما يراها فطموش هي قبل كل شيء عملية درامية قبل أن تكون لغوية تنحصر بين اللغة الأدبية والأداء لتكون لغة الخشبة، والترجمة إذا لم تحترم نغم وروح النص المسرحي تبقى مجرد كلمات ميتة، وبالتالي فإن النص المترجم يولد من غير روح ويكون باردا يتكلم بدون موسيقى، كذلك الحال بالنسبة للاقتباس الذي لا يراعي بعض الخصوصيات الثقافية والاجتماعية ليقتبس كما هو ويقدم للجمهور بشكل جاف. يقول الأستاذ فطموش “حضرت مؤخرا مهرجان المسرح الأمازيغي بباتنة وشهدت عرض “انكركر” عن نص أصلي لنيروسيروس ليونسكو وكان العرض حسبي بعيدا عن واقعنا وعن ثقافتنا فمثلا “انكركر” هو حيوان غريب غير معروف عندنا في الجزائر والاسقاط لم يكن دقيقا فكان المضمون هزيلا رغم أن النص الأصلي من الروائع، أنا شخصيا اقتبست هذا النص فيما مضى وسميته “يا رجال يا حلالف”، وهذا الوصف له مرجعيته في ثقافتنا الوطنية، ويفهمه الجمهور أكثر، فالحلوف رمز للؤم والخبث والحيوان موجود أصلا في بلادنا، رأيت أيضا في إحدى المناسبات مخرجا يستحضر فترة الخسمينيات من خلال إحدى المسرحيات العالمية وفي مشهد “البار” يظهر شخص بتقاسيم عربية يتناول “الشمة” وهو مظهر لا علاقة له بالمشهد الأصلي وهكذا”. من جهة أخرى، تحدث فطموش عن المصداقية في مضمون النصوص، وهنا يشير إلى أنه كما هو واجب احترام الاقتباس فلابد أن يكون الأداء كذلك محترما ومقنعا ليتحدث عن الاستعانة بالأجانب لأداء أدوار ما لا يعبر عنها الفنان الجزائري بالقدرة التي يعبر عنها الأوربي مثلا. يقول “عرضنا في مسرح بجاية “ليوناردو دي فينشي” فاستضفنا كرادايلي مدير مسرح إيطالي ليقدم العرض، علما أن المسرحية بأدائها الأصلي لن تكون بنفس الروح الايطالية عندما يقدمها جزائريون وإلا أصبح الأمر “بريكولاج” أو استسهال وتسرع لايوصلنا إلى الأداء الاحترافي الكامل، كذلك الحال مع الراقصة المحترفة كهينة دعوناها من باريس لتدريب راقصات في مسرحنا فأحسسنا فيهن بعدها نوعا من الاحترافية في الكوميديا الموسيقية”. يضيف فطموش قائلا “عندنا في بجاية قام المخرج جمال عبدلي بإنتاج مسرحي للراحل مولود فرعون وفي أحد المشاهد التي تصور ضابطين فرنسيين أسند دورهما إلى فرنسيين فكان العرض أكثر مصداقية وهذه المقاييس الفنية كان قد التزم بها رواد المسرح والسينما في الجزائر، فغالبا ما كانوا يسندون أدوار الأجانب للأجانب كما هو الشأن في “معركة الجزائر”، “العفيون والعصا” و«حسان طيرو” وغيرها كثير كلها أقنعت المشاهد”. من جهة أخرى، يرى المتحدث أن الاقتباس هو أكثر حرية من حيث تغيير النصوص والشخصيات وغيرها عكس الترجمة. للإشارة، فقد توقفت الندوة عند بعض شؤون المسرح والثقافة عموما وقد استغل الضيف الفرصة للحديث عن مسيرة الفن الجزائري وما حققه عبر السنوات، حيث أشار إلى أن المسرح الوطني الجزائري (الأوبرا سابقا) أمم قبل أن تؤمم المحروقات إذ فكرت فيه الدولة الجزائرية مباشرة بعد الاستقلال (1963)، وكان أول خطوة في تجسيد معالم الاستقلال، السلطات التي أدركت مبكرا خطورة هذا الفن باعتباره أداة فعالة وقوية أثبتت قدراتها خلال محنة الاستعمار واجهته عشرات السنين ندا لند وما محاربة فرنسا للفن إلا لثقله، لذلك أرادت الدولة الجزائرية الفتية التكفل به وإشراكه في عملية البناء الوطني وإبعاده عن الخوصصة. المسرح الجزائري صاحب الروائع والرواد صفق له العالم وأدرج مسرحنا الجزائري ضمن المسارح الناشطة والفعالة في بدايات الاستقلال، وأكد المتحدث أن المسرح الجزائري والفن عموما كاد أن يموت في العشرية السوداء لكنه سرعان ما عاد بقوة في 2005، حيث أخذت الدولة بزمام أموره وهي مبادرة جزائرية خالصة إذا علمنا أن الكثير من الدول حتى الأوربية منها نفضت يديها من دعم الفن لأسباب اقتصادية -يقول فطموش- “أصبحت تعاونيات مسرحية فرنسية تنجز أعمالها عندنا ففي مسرح بجاية وحده يوجد 15 عرضا فرنسيا، ناهيك عن الأشقاء العرب الذين أصبحوا يرون في الجزائر (بعد الربيع العربي) بوابة لترويج فنونهم وثقافتهم، علما أن الجزائر يمكنها أن تستغل ذلك وتستوعبه من خلال استقدام عمالقة الفن من أجل الاستفادة منهم في التكوين”. من جهة أخرى، فإن المسارح الجهوية اليوم تعيش حالة انتعاش، فكل مسرح يقدم بين 4 و5 أعمال في السنة ومن بين الانتاجات فإن حوالي 30 عملا يتم توزيعه وطنيا أي بحوالي تقريبا 500 عرض ناهيك عن التعاونيات المسرحية التي تكفلت بها الدولة وأدخلتها المسارح ومنحتها دعما ماليا ومعنويا زد على ذلك كثافة الانتاج خاصة في المناسبات الكبرى مثل خمسينية الاستقلال، المطلوب فقط هو مزيد من الاجتهاد والاحترافية.