تعيش العاصمة الجزائر بشكل يومي ضغطا متواصلا على الطرقات بسبب العدد المتزايد للمركبات المتدفقة عليها، والتي تقدرها بعض الأوساط بأكثر من 300 ألف مركبة تجوب شوارعها يوميا، هذا العدد الكبير للمركبات لا تستوعبه شبكة الطرقات الحالية وهو ما يضاعف من حجم الضغط المروري المتزايد على العاصمة، ويولد بالمقابل آثارا على الصحة النفسية والجسدية للمواطنين. أوضح خبراء أن هذا الازدحام أضحى لا يطاق في السنوات القليلة الماضية، ذلك أن طول الطرقات بالعاصمة التي تقدرها بعض المصادر بأكثر من 112 ألف كيلومتر لا تستوعب الكمية المتدفقة للمركبات المتزايدة بشكل ملحوظ، بالرغم من أشغال التوسعة والتهيئة التي عرفتها شبكات الطرقات واللجوء إلى فتح الأنفاق وملتقيات الطرق، التي يوضح البعض أنها لم تحل المشكلة وإنما خلقت ازدحامات أخرى... هذا الوضع يكون من جهة أخرى سببا في تدهور الصحة العمومية، بالنظر إلى ان تكرار مشاهد الاكتظاظ المروري بشكل يومي وازدياد حدته في أوقات الذروة صباحا ومساء على وجه التحديد، يولد توترات وانفعالات تؤثر بشكل كبير على توازن الضغط وعمل القلب، كما أن التعرض اليومي للغازات المنبعثة من المركبات يسبب أمراض التنفس ومنها الإصابة بالسدة الرئوية، لكن ما الذي يولد كل هذا الازدحام المروري يوميا على طرقات العاصمة؟ وما هو الإحساس السائد لدى السائق بمواجهته للاكتظاظ على الطريق؟ يجيبنا سائق تاكسي، أن ”هذا الوضع ألفناه في السنوات الأخيرة بعد التسهيلات البنكية التي قدمت لجموع المواطنين لاقتناء السيارات، لكني أراه عاديا لأن أكبر المدن في العالم تعاني نفس الظاهرة، غير أن الأمر غير المقبول بالنسبة للسائقين في مجتمعنا هو عدم احترام قانون المرور إطلاقا حتى أولئك المتخرجين حديثا من مدارس السياقة يضعون ملصقة (80) ولكنهم أول من لا يحترم القوانين وأولوية السير، ناهيك عن بعض (القافزين) ممن يستعملون أحيانا الرصيف ليخلقوا اختناقا آخر يضاف إلى الازدحام المعيش، كذلك هناك المشاة ممن تقع عليهم مسؤولية الفوضى بحيث يقطعون الطرقات كما يحلو لهم”. من جهته، يرمي سائق آخر، انتفض بمجرد طرحنا الموضوع عليه، بمسؤولية الفوضى المرورية وسط المدينة، على الراجلين الذين ”لا يحترمون الطريق إطلاقا ولا يستعملون ممر الراجلين لقطع الطريق، بل لا يحترمون في كثير من الأحيان إشارة الضوء الأحمر التي تمنعهم من المرور، ورغم ذلك يلوحون بأيديهم ويقطعون”، فيما يقول آخر ”النظام مغيب تماما في حياتنا اليومية، أما على الطرقات فحدث ولا حرج، فبالإضافة إلى اهتراء عدد كبير منها، فإن بعض مستعملي السيارات لا يبالون بأولوية السير أو يغير أحدهم الاتجاه دون استعمال الغمازات، إضافة إلى الحافلات الكثيرة القديمة التي تنبعث منها روائح المازوت أو البنزين.. هناك ضغط كبير على الطرقات بسبب الازدحام وبسبب المشاة، عندما أعرف ان أمامي طريقا في اتجاه معين أحس بسنوات عمري تتناقص أمامي لأني اعلم مسبقا ان المنافذ إليها مغلوقة، ناهيك عن ضغط إيصال العمل في موعده المحدد”، ويقول آخر ”اعمل كسائق منذ سنوات والضغط المتواصل وراء مقود السيارة أصابني بالنرفزة حتى من أتفه الأشياء. الازدحام أصبح أمرا عاديا ولكني لن أألفه أبدا لأنه مصطنع، وكل تأخير يضغط على أعصابي فإلى متى سيستمر هذا الوضع؟ هو السؤال الذي حاول الإجابة عليه خبراء التقوا مؤخرا بمنتدى ”الشعب” في محاولة منهم لعرض إشكالية الاكتظاظ المروري بالعاصمة وأثاره اجتماعيا وصحيا ونفسيا، وتوصل المتدخلون إلى خلاصة أن هذه الظاهرة التي تتداخل عوامل كثيرة فيها، تتسبب في ”إرهاق الفرد من الجانب النفسي قد تؤدي به إلى الهذيان ومن بعدها إلى المرض النفسي”. ويوضح المختص في الطب النفسي العيادي مسعود بن حليمة ويضيف، بالمقابل ان ”الاكتظاظ المروري مشكلة مفتعلة لأن الفرد الجزائري مصاب بعقدة الأنا التي تخوله ان يكون إمبراطور الطريق، وعليه، فإن هذا يمكنه من سلك أي طريق ليصل إلى هدفه، ضاربا بذلك قانون المرور عرض الحائط”. وأضاف لدى تدخله خلال اللقاء الإعلامي ”أن قانون المرور مدونة عالمية واحترامها هو المخرج الوحيد من نفق الازدحام، كما ان المسؤولية يتقاسمها المجتمع برمته وليس جهة على حساب أخرى، والردع هنا حل ناجع ولا بد من تطبيقه على الجميع”. وللاكتظاظ المروري تأثيرات أخرى على الصحة الجسدية للفرد، يظهر ذلك من خلال تزايد مرضى الضغط الدموي والقلب وحتى السكري، إضافة إلى ارتفاع الإصابة بالسرطان الذي كثيرا ما يكون القلق عاملا محفزا للخلايا السرطانية. مثلما يشير إليه مختص الطب الوقائي عبد الوهاب بن ڤونية، الذي قال ان الازدحام يعني قلة الحركة المسببة للسكري والبدانة، ناهيك عن ان التلوث الناجم عن المركبات يولد مرضي الربو والسدة الرئوية التي تشير أرقام 2010 بشأنهما إلى إحصاء 110 ألف حالة و300 ألف حالة إصابة على التوالي، فيما تم إحصاء أكثر من 45 ألف حالة إصابة جديدة بالسرطان خلال 2012 منها 15 ألف حالة تنتظر العلاج وهذا لوحده يخلق قلقا من نوع آخر ويعقد من التكفل الصحي عموما. كما أشار المختص إلى دراسة جوارية متخصصة أشرف على تأطيرها العام المنصرم حول الإعياء العصبي، توصلت إلى أن 60 % من عينة الدراسة المحددة ب 900 طالب وطالبة قد ظهرت وجود متلازمة الإعياء العصبي لديها، ”وهذا كثير، والأدهى، أنه حتى بعد إجراء الدراسات والوصول إلى التشخيص، فإننا لا نقدم العلاج والسبب سوء التسيير العام في جميع الميادين”.