أحلامي دوما هكذا، أحيانا تكبر، وأخرى تصغر، واكتشفت أن لا علاقة لها بالطقس، أو أول الشهر وآخره، كما أنها لا فرق عندها بين فصل وآخر، مزعجة هي في الصيف كما في الشتاء، غير أني توسمت في هذه الليلة خيرا لأنني قبضت مرتبي الشهري، وأنفقت على عائلتي، وكنا جميعا مسرورين مغتبطين، فلا داعي إذن للأرق والفزع في النوم، استلقيت كالطفل الغرير على الفراش في حركة صبيانية رشيقة وكلي أمل في ليلة أقل إزعاجا، ولم لا تكون لطيفة سعيدة، والظروف مواتية، لا شيء باد يعكر الجو.. حط الكرى غازيا على جفني، وأخذت الأطياف تتراءى لي، تتراقص حينا، ثم تختفي، أشباح نصفها إنسان، ونصفها شيء آخر.. تدافعت نحوي، كتل لا شكل لها، تذكرت وأنا في عز المعركة جيبي الذي يحوي المرتب الشهري، وهي عادة مترسخة إذ كلما قبضت المرتب فلا أنزع يدي من جيبي إلا للضرورة القصوى.. شددت على فم الجيب، قطعت يدي، ورميت في السوق أمام المارة، داسها خلق كثير، لعلهم لم ينتبهوا لها، لكنني لمحت شابا ينظر إليها، ثم دنا منها، التفت يمينا وشمالا.. حملها قطب جبينه، وتمتم بشيء غير مفهوم، وعندما لم يجد فيها شيئا ضربني بها، وما إن توسطت السوق حتى اقترب مني شيخ متردد، والخوف باد عليه، وأسر لي في أذني أن الذي قطع يدي واحد من هؤلاء التجار، أما الذي أفرغ جيبي فتاجر آخر يشبهه.. حاولت تفقد جيبي الأيمن بيدي اليسرى فلم أفلح، فهم الشيخ الخائف قصدي، ووقع في حرج، ثم ابتسم قليلا ودس يده في جيبي فألفاه فارغا إلا من بعض الصرف: أولاد الحرام.. الكلاب .. المجرمون ورفع يديه إلى السماء، وتمتم بكلام لم أسمعه وانصرف. عدت إلى أولادي وزوجتي، رثوا لحالي، وأدمعوا، وبكوا في صمت، وما خلصني من هذا الكابوس إلا صوت مناد: خبز يابس، خبز يابس.