كشفت جولة استطلاعية لبعض المؤسسات التربوية عن انتشار “القمل” في أوساط تلاميذ المدارس الابتدائية بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وسط غياب شبه تام لتدخل وحدات الصحة المدرسية للكشف والمراقبة، التي من شأنها على الأقل التقليل من حدة انتشار المرض، لاسيما في فصل الشتاء. وأشار بعض الملاحظين إلى أن اكتظاظ الأقسام وغياب المراقبة الطبية قد ساهما بشكل كبير في توسع رقعة انتشار القمل، بالإضافة إلى انعدام النظافة التي تسهل انتقال القمل من تلميذ لآخر.
أمهات يتهمن مدارس بانتشار القمل كثر الحديث في الآونة الأخيرة بين الأمهات عن ظهور “القمل” وانتشارها في رؤوس أطفالهن من تلاميذ الابتدائيات بضواحي العاصمة بشكل يدعو إلى القلق، ما حدا ببعضهن إلى تقصير شعر البنات أو حتى توقيفهن عن متابعة دراستهن للتخلص النهائي من هذه الحشرة شديدة العدوى. وقد اتهمت الأمهات بعض المدارس بالتسبب في انتشار حشرة القمل في رؤوس بناتهن تحديدا، خاصة وأن بعض الأقسام تضم نحو 40 تلميذا، ما يجعل انتقال الحشرة بين التلاميذ أسهل، فيما أكدت مجموعة من الصيادلة ل “المساء” نفاد غسول الشعر الخاص بحشرة القمل بعد ازدياد الطلب عليه بشكل ملحوظ، وخاصة من جانب أمهات التلاميذ المدارس. وتؤكد لنا أم آية أمر اكتشافها للقمل في شعر ابنتها، وتقول: “رغم أن ابنتي تدرس في مدرسة خاصة والفصول واسعة ولا يوجد بها أي ازدحام، إلا أنها لم تسلم من وصول القمل إلى شعرها”. موضحة أن المعلمة أصرت على عدم حضور البنت إلى المدرسة حتى تتخلص من القمل نهائياً، فيما حملت أم أنفال المدرسة مسؤولية انتشار القمل في شعر ابنتها، مؤكدة أنها لم تر هذه الحشرة إلا بعد دخول ابنتها الصف الأول ابتدائي. وأضافت: “من المؤكد أن الحشرة انتقلت إلى شعر ابنتي بفعل الاكتظاظ والرطوبة في المدرسة، فقد هالني مظهر ابنتي وهي تحك فروة رأسها بطريقة غريبة، واكتشفت وجود الحشرة في رأسها فلجأت إلى الصيدلي لشراء غسول خاص، والأكثر من ذلك فقد رشت كامل شعرها بمبيد الحشرات وبعدها قمت بتقصيره، ورغم أن ابنتي تمت معالجتها وتطهير شعرها إلا أنني أضع قبعة على رأسها بشكل يومي خوفا من الانتقال إلى شعرها مجددا”. من جهتها، أوضحت صيدلية أنها لاحظت ازدياد الطلب على الغسول المضاد للقمل، مؤكدة نفاده من الصيدلية. تقول : “ بعض أولياء الأمور يسألون عن الغسول ويطلبون نصائح علاجية للتقليل من القمل، خصوصاً أن الجميع يعلم أنه شديد العدوى”. واتفق معها صيدلي آخر أكد أنه صادف وأن باع الغسول في اليوم الواحد لأكثر من خمسة أشخاص، وأوضح أن الغسول المضاد للقمل يباع بشكل يومي في الآونة الأخيرة وبخاصة لصالح تلاميذ المدارس.
المدارس تلقي باللائمة على الأولياء من جهتها، أرجعت إحدى المعلمات سبب انتقال عدوى القمل بين التلاميذ إلى غياب الرعاية الكافية بنظافة الأطفال، الذي يكون سببه انشغال الأم العاملة. مشيرة كذلك إلى أن بعض المؤسسات التربوية تفتقر إلى النظافة، خاصة دورات المياه بها ما قد يكون عاملا في انتشار العدوى، بل اعتبرت أن اختلاط التلاميذ بفعل الاكتظاظ عاملا آخر محفزا للإصابة بالعدوى. واعتبرت معلمة أخرى، أن ظروف التدريس السيئة تزيد من حدة الإصابة بعدوى القمل أو حتى أمراض أخرى، ومنها الجرب، لا سيما في فصل الشتاء، حيث تكثر الرطوبة المحفزة لتكاثر القمل. مشيرة إلى إن اكتظاظ الأقسام وغياب المراقبة الطبية، قد ساهما بشكل كبير في توسع رقعة انتشار القمل، وأكدت المتحدثة أنها قد لاحظت أعراض الحكة الغريبة عند تلميذة لها فتقدمت منها للتأكد من احتمال وجود الحشرة عندها وعند أربع تلميذات أخريات، وبعد التأكد اتصلت بمدير المدرسة الذي بدوره اخطر مصالح العيادة متعددة الخدمات القريبة من المدرسة، التي أرسلت طبيبة مختصة في الجلد فقامت بفحص التلاميذ ووصف الدواء المناسب. وأشارت ذات المتحدثة إلى ان القمل ينتشر بحوالي 10 مرات عند البنات عنه عند الذكور.
40 ألف تلميذ مصابون بالقمل خلال 2012 وفي سياق ذات الموضوع، تحدثت “المساء” إلى مدير مدرسة ابتدائية بضواحي العاصمة، الذي أشار إلى أن انتشار القمل في أوساط التلاميذ شائع بشكل كبير، إلا انه أمر “لا يستدعي القلق”. موضحا ان غياب المراقبة الطبية الدورية التي من شأنها التقليل من حدة انتشار هذه الإصابة وحتى أمراض أخرى ،عامل رئيسي في ازدياد هذه الظاهرة السنة تلو الأخرى عوض القضاء عليها. وقد أطلعنا المتحدث على تقرير أعدته وحدات الكشف للصحة بالمدارس التابعة لوزارة التربية الوطنية لعام 2012، يشير إلى انتشار القمل بين 40 ألف تلميذ في المدارس على المستوى الوطني، ويعلق بقوله “هذا الانتشار للقمل بين أوساط التلاميذ يعد كبيرا، خاصة في ظل غياب الكشف الطبي والمراقبة التي من المفترض أن يتم تفعيلها وتعزيزها أكثر سنة تلو الأخرى، وهو ما قد يعمل على الحد من انتشار العدوى من أي مرض بين التلاميذ أو حتى الكشف المبكر لأمراض أخرى. فيما يرجع مدير ابتدائية آخر انتشار القمل بين التلاميذ، إلى الاكتظاظ في الأقسام الذي يساهم بشكل كبير في توسع رقعة انتشار المرض “المعروف أن انتشار القمل يكون خاصة في الأوساط والمناطق الفقيرة والبيوت الفوضوية، خاصة في ظل انعدام النظافة. ولئن أكد عدم تسجيل حالات إصابة في مؤسسته التربوية خلال الموسم الجاري، إلا انه يؤكد ذلك بالنسبة للعام الدراسي الماضي، حيث أخطره عدد من المعلمات بوجود حالات قمل لدى بعض التلاميذ وهو ما جعله يقوم باستدعاء أولياء أمورهم “حتى تتضافر جهودهم مع جهود المدرسة في القضاء على هذا المشكل الصحي”. وأضاف أن التجربة علمته الأخذ بالتدابير اللازمة لتطويق رقعة انتشاره، ومنها “نصح الأولياء بإتباع الطرق الصحية التي تزيله عن طريق اقتناء الغسول المضاد للقمل من الصيدليات”. كما اعتبر ان “الطريقة الصحيحة لمخاطبة أولياء التلاميذ حول الأمر وعدم اعتباره خطرا داهما وعدم التهويل والمبالغة، مهم جدا، لأنه ليس مرضا مزمنا، بل الإصابة به عادية ولا نضطر لعزل التلميذ المصاب أو طرده من الصف حتى يتماثل نهائيا للشفاء، بل تكفي العناية والمراقبة المتواصلة للحالة المصابة وحتى احتمال إصابات أخرى لأخذ التدابير الوقائية اللازمة”.