قال الأستاذ أحمد حمومي أن ولد عبد الرحمان كاكي لم يكن أبدا متحزبا، وأن انتماءه الفني كان وطنيا، وهو ما تترجمه المسرحيات التي كتبها، وتعكس بحق الدور الحيوي للفن والثقافة في تنوير العقول وبث الوعي في أذهان الناس، لاسيما إبان الثورة التحريرية، ونقل عن كاكي اعتقاده أن المسرح هو موقف سياسي ونضالي. أكد الأستاذ أحمد حمومي، أول أمس بفضاء صدى الأقلام بالمسرح الوطني الجزائري، أن مسرحية “132 سنة” التي ألفها وأخرجها ولد عبد الرحمان كاكي سنة 1963، تنم عن عبقرية جزائرية ليس لها شبيه. مشيرا إلى أن كاكي يكتب مسرحا ملحميا يتخلله التمثيل والتغريب، وقد استطاع أن يمزج بين الأساليب الثلاثة ليخلق مسرحيات جزائرية شعبوية، مستمدا من الروح النضالية وحب الوطن التي تغذى بها من حيه الشعبي بمستغانم. وبخصوص مسرحية “132 سنة”، كشف حمومي أن العرض الشرفي الأول كان سنة 1963، وهو الإنتاج ال11 للمسرح الوطني الجزائري، وقد حضره زعيم الحركة التحررية بكوبا تشي غيفارا، الذي أبدى إعجابه بالعرض وهنأ الرئيس الجزائري وقتئذ، الراحل أحمد بن بلة، بالتميز الذي صنعه كاكي وجعل للجزائر مسرحا. وبعد أن اعتبره أكبر رجل مسرح في الجزائر، أشار أحمد حمومي إلى أن كاكي كان خارقا في امتصاص الأفكار وتحويلها إلى مسرحيات، فقد اقتبس عن برخت وكبار المسرحيين العالميين وأخذ عنهم الحبكة لكنه تفرد في إعادة طبخها على طريقته، وبحكم أنه اشتغل في صغره بمكتبة، فقد نهل الكثير من المعارف، واحتكاكه بالأعراس والمداحات والاستماع إلى القصص الشعبية، أعطت له إضافات خيالية في كتابة نصوصه المسرحية، وبهذا الشأن كشف حمومي أن المسرحي المغربي الطيب صديقي، اعترف أن ولد عبد الرحمان كاكي هو أول من أدخل الفنون الشعبية إلى المسرح، وهو ما يسمى بمسرح الحلقة. وبالعودة إلى النص المسرحي “132 سنة” الذي قرأه على الحاضرين الفنان عبد القادر بلكروي، فإنه يختزل سنوات الاحتلال الفرنسي للجزائر، انطلاقا من حادثة المروحة ومرور 40 سنة من المقاومات الشعبية، كما استعرض فترات البؤس والمعاناة والجوع والاحتقار كالحديث عن “عام البون” وقرار منع الجزائريين من دخول شاطئ البحر كما يسيري المنع على الكلاب. وتخلل النص خطابا تنويريا يدعو إلى رفض الوضع جملة وتفصيلا من خلال التكتل تحت لواء الكفاح حتى النصر، كما عرج على أحداث 8 ماي 1945، وتداعيات حتمية تفجير الثورة التحريرية، وكيف اعتقدت فرنسا أنها ستقضي على الثورة في ربع ساعة فقط، مسلطا الضوء على المرجعية الدينية والأمازيغية للشعب الجزائري المكافح ضد الاحتلال الغاشم. وكاكي من مواليد حي تيجديت الشعبي بمدينة مستغانم، ومن نعومة أظافره نما على حب التقاليد البدوية، كان عمه شغوفا بالموسيقى لذلك كان يحضره معه عندما تقام حفلات المديح الديني التي يديرها المداح الكبير “ الشيخ حمادة “. أصبح كاكي أستاذا للدراما، حيث أسس فرقة مسرحية سميت “فرقة القراقوز”، التي اعتمد فيها أسلوبا جديدا للمسرح يختلف عما كانت تقدمه الفرق المسرحية الفرنسية، وذلك من خلال دمج المسرح بالواقع الثقافي والاجتماعي الجزائري. من أعمال كاكي، المسرحية المتميزة التي لا تزال تعرض لحد الآن، “132 سنة”، “بني كلبون”، “شعب الليل”، “الشيوخ”، “إفريقيا قبل سنة”، “ديوان القراقوز”، “القراب والصالحين”، “كل واحد وحكمه” وغيرها من الأعمال. توفي عبد الرحمان كاكي في 14 فيفري عام 1995 بمدينة وهران غرب الجزائر.