لم تعد الحلاقة بالنسبة للرجال في الجزائر مجرد عملية شهرية لقص الشعر مقابل مبلغ رمزي، بل تحولت إلى علاج وتجميل وتنظيف البشرة، وهو واقع انتشار صالونات الحلاقة التجميلية للرجال، التي لم تعد حكرا على الأحياء الراقية والطبقة الغنية، بل تعدت ذلك إلى الأحياء الشعبية، حيث باتت تستقطب عددا كبيرا من الشباب الباحث عن الجمال الخارجي والمظهر الأنيق. تشهد ظاهرة انتشار صالونات تجميل الرجال في الآونة الأخيرة توسعا كبيرا عبر مختلف بلديات العاصمة على غرار برج الكيفان وباب الوادي وحيدرة والأبيار... قامت ”المساء” بزيارة لأحد تلك المحلات بحيدرة المعروف ”نصرو”، حيث أكد لنا صاحب المحل أن ”السرية” في مهنته ضرورية احتراما لخصوصية الزبون الذي يرى أنها قاعدة ضرورية لدى لجوئه إلى اختصاصيين في عالم التجميل هذا. بعدما أضحى الإعلام يوميا يعمم صورة نموذجية للمظهر، أصبح الشباب معها يلهث للتمثل بها، حيث يخصص الغرب جزءا كبيرا من إنتاجه في مجال البرامج التلفزيونية لمسألة تبديل المظهر وتحسينه عند الجنسين، ما خلق هذه الثقافة العصرية في الاهتمام بالمظهر. ويؤكد محدثنا أن هذه الظاهرة ليست دخيلة على التراث الجزائري، فالحمامات التركية كنت تستقبل أجيالا متعاقبة من العرب عامة والجزائريين بصفة خاصة، حيث كانوا يتمرغون في الطين للتخلص من الجلد الميت. ويضيف المتحدث ”أن الشريحة الأساسية التي يستقطبها الصالون هي فئة الشباب التي تجتمع داخل غرفة استقبال جدرانها رمادية تخفف من حدتها ستائر بيضاء، لتكسر رقتها أرضية من بلاط أسود اللون، هدفها تحقيق التوازن بين الوسامة والرجولية، وأثاث من خيارات ذكورية، ليدخل الزبائن الى الصالة بقليل من الخجل لا يلبث أن يتلاشى بعد أن يشعروا بالأمان والراحة ليقتربوا أكثر من عالم أشبه بعالم النساء، وفيه يخلقون طقوسا خاصة بهم”. ويشير المتحدث إلى أن «دلع» الرجال لا يقتصر على حلاقة سريعة، بل هو يتضمن قضاء ساعات طويلة في محلات التجميل وعلاجات خاصة بهم، مقابل أسعار تبدأ من 1500 دينار جزائري، لتختلف حسب اختلاف الخدمات المقدمة. وفي تصريح أحد المواطنين - متعود على قصد هذا النوع من المحلات - ”لا شك أن كفاءة الرجل مهمة، وإن ما يميزه عن غيره عدة مقومات كالأخلاق والكفاءة في العمل وقوة الشخصية والشجاعة، وغيرها من الأمور، ولكن نظرة الرجل اختلفت في تميزه واختلافه عن الآخرين، فأصبح يهتم بمظهره ووسامته لاعتبارها بطاقة شخصيته، تساعده على ترك انطباع جيد لدى الآخرين، مما ييسر له الحصول على فرص أكثر في مختلف مناحي الحياة، فرجال اليوم يجمعون بين المظهر الخارجي والجوهر.
الجراحة التجميلية لا تقتصر على النساء من جهة أخرى، لاحظنا إقبالا واسعا لفئة الرجال على أطباء التجميل، وهي ثقافة عرفت رواجا كبيرا مؤخرا في المجتمع الجزائري في العقد الأخير، حيث أصبح الغريب مألوفا، فبعدما كانت النساء الميسورات وصاحبات الخلفية الثقافية العالية نسبيا، هن من يقصدن عيادات التجميل، دخل الرجال على الخط من دون أي حرج في وضع أجسادهم بين يدي الجراح، فمن شفط بعض الدهون الزائدة أو تحديد الذقن وإعادة النظر في شكل الأنف أو إخفاء شيء من تجاعيد الوجه حول العينين والجبهة، وصولا إلى إخفاء خطوط تشعرهم بأنهم بدأوا يعانقون سنوات ما بعد الشباب من خلال حقن البوتوكس.. وفي تصريح ل”المساء”، يقول أحد الجراحين المختصين في جراحة الفك والوجه ببلدية باب الزوار شرق العاصمة ”غ. نبيل” : ”عمليات التجميل لم تعد مقتصرة على النساء فقط بل نستقبل يوميا عددا كبيرا من الرجال من أجل الظفر بموعد يستدعي أحيانا انتظار أشهر عديدة للقيام بعمليات جراحية تجميلية، كتحديد الذقن أو الأنف أو إخفاء ندب عميق...”. وأضاف انه يجري على الأقل عمليتين جراحيتين للرجال كل أسبوع. وعن تكاليف العمليات يقول الطبيب إنها تختلف من عملية إلى أخرى وكذلك حسب مدة الخضوع للمراقبة الطبية ومكان العيادة التي تجرى فيها العملية، ويقول محدثنا : ”مثلا في الجزائر العاصمة يختلف سعر عملية تجرى في عيادة تقع في المناطق الراقية وتحوي كل وسائل الراحة والرفاهية عن سعر العملية نفسها في عيادة تقع بالمناطق الشعبية”. ويؤكد أن ”التكاليف المنخفضة لعمليات التجميل باتت تستقطب قطاعات أوسع من الجزائريين الذين كانوا يسافرون إلى تونس ودبي وبيروت وباريس لإجرائها، فيما هي اليوم أرخص بأربعة أضعاف عما يدفع في الخارج، إلى جانب النتائج المرضية”. ويضيف : ”أصبحنا نستقبل زبائن من الجالية الجزائرية في فرنسا يأتون لإجراء عمليات التجميل هنا لانخفاض تكلفتها”. وعن الخلفية الاجتماعية لطالبي التجميل من الرجال، يقول الطبيب: ”إنهم في الغالب شريحة تتمتع بثقافة أوروبية ومرتبطة بما يجري في المجتمع الغربي، ومع انتشار الفضائيات العربية انتشرت موضة العمليات التجميلية كذلك”.
النوادي الرياضية من أجل عضلات مفتولة وفي حديث ذي صلة، لا نخفي واقع الانتشار الواسع للنوادي الرياضية وصالات الجيم، التي من شأنها ضبط الوزن وشد الجسم لإعطاء المظهر اللائق، والتي تقبل عليها مختلف الفئات الاجتماعية، بعدما تحولت إلى موضة يمارسها العديد من المواطنين نظرا لتكاليفها المنخفضة، ويأخذ الشباب حقنا هرمونية لبناء الأجسام لتصبح على شكل أجسام الأبطال مفتولي العضلات على غرار رومبو، وأرنولد شوايزنيغر... إن واقع اهتمام الرجل بمظهره الخارجي ليس وليد الساعة في الدول الأوروبية، إلا أن للترويج للمواد التجميلية من خلال الإعلام وصل بتياره إلى الدول العربية ليمس في الآونة الأخيرة الجزائر بشكل واضح.