داخل مدرسة الورود والبنفسج بالبليدة، تفتحت براعم وأورقت وأينعت وأعطت فنانين مميزين، من بينهم الشاب مصطفى محفوظ، فوسط المجموعة الصوتية التابعة لهذه المدرسة، تربع هذا الصوت العذب الذي كان يبشر بمستقبل فني واعد، هذا الصوت الذي حالفه الحظ وتتلمذ على يد أرقى فنانينا وأطيبهم سمعة، على يد عملاق من عمالقة الفن الجزائري، ألا وهو المرحوم "عبد الرحمان عزيز"، إحساسه المرهف جعله يميل إلى المواضيع الاجتماعية الهادفة، ولعل أجمل ما أدى أغنية "روح الحياة" أو "يما يما" التي بثت في حصة وكل شيء ممكن، وكانت قد نالت استحسانا ونجاحا كبيرين، وأغنية "مازال في الدنيا خير" التي مر بها في سهرة الأحلام والتي تدعو الى السلم والمصالحة والتفاؤل بغد أفضل، ولمعرفة المزيد عن هذا الشاب، تتبعوا معنا الحوار الذي أجريناه معه، والذي يكشف النقاب عن جوانب كثيرة من حياته الفنية.. المهنية وصولا إلى تطلعاته المستقبلية... - "المساء": تتلمذك على يد المرحوم "عبد الرحمان عزيز"، كان قطعا أمرا عظيما وهاما في تاريخ مسارك التعليمي والفني، فهل لنا معرفة أهم الأسس والمبادئ التي لقنها هذا الفنان العملاق الراحل؟ * مصطفى محفوظ: بالفعل، الأستاذ عبد الرحمان عزيز هو فنان بحق، على الجزائر وأبنائها الافتخار به، وأنا كتلميذ من تلاميذه أراني محظوظا بشرف تعلم أصول الفن العصري الجزائري على يده، ولعل أرسخ مبدأ علمنا إياه، هو كون الفن الجزائري أساسه الأخلاق ولا يقوم بدونها، وباختصار علمنا أن الفن أخلاق بالدرجة الأولى. - المرحوم "عبد الرحمان عزيز"، هو من منحك فرصة دخول التلفزيون يوما من خلال مشاركتك في حصة رمضانية، فما كان تأثير تلك الفرصة على نفسيتك؟ * كان ذلك في 93 من خلال حصة رمضانية تحمل عنوان "من وحي الصيام"، وأذكر يومها أن مخرج الحصة السيد الطيب دبيشي نهرني بسبب ملاحظ أبديتها فتأثرت قليلا، لكني قررت ساعتها أن ألتحق بالسمعي البصري لأصبح في 97 ابن وزميل مهنة للطيب دبيشي باعتباري صرت مركبا، وأول ما قمت به هو إخراج تلك الحصة من الأرشيف وكم كانت دهشة دبيشي كبيرة حين قلت له أتعرف من هو هذا الفتى، فصاح: لا تقل أنه مصطفى محفوظ؟! وطبعا عادت بنا الذكريات الى تلك اللحظات الخالدة الحلوة بالنسبة لي شخصيا، رغم أني نهرت فيها! - دخولك كإطار عامل بالتلفزيون فتح أمامك قطعا المجال لتبرز موهبتك الفنية، من خلال حصص غنائية وتسجيل أغان مصورة على شكل فيديو كليب؟ * الواقع أن عملي بالتلفزيون جعل ألسنة الناس والصحافة الصفراء تلتهمني في كل مرة، خاصة حينما سجلت أول فيديو كليب لتكريم المرحوم عبد الرحمان عزيز، وكان هذا بدعم وتشجيع من المدير العام شخصيا، فبعدها مباشرة نشر ما نشر، والأغرب أنه حتى حين مررت في وكل شيء ممكن بأغنية عن الأم ولاقت نجاحا كبيرا، لم أسلم وأسيل الكثير من الحبر في اليوم الموالي...! فما العيب أو المشكل في أن أمر في التلفزيون كفنان حتى وإن كنت عاملا بالمؤسسة!؟ فأنا مثلي مثل أي فنان له الحق في الظهور على الشاشة وإصدار الجديد، ولو كنت ممن يستغلون مناصبهم لأصبحت نجما من نجوم التلفزيون منذ عشر سنوات خلت، أي منذ تواجدي بهذه المؤسسة الإعلامية السمعية البصرية. - رغم أنك مقل في إصدارك للألبومات، إلا أنك مسارك جيد في المهرجانات الوطنية والدولية.. أليس كذلك؟ * بالفعل، فما من مناسبة وطنية أو دينية إلا وأدعى اليها، خاصة في البليدة.. أما بالنسبة للمهرجانات والتظاهرات الدولية خارج الوطن، فشاركت في احدى الملاحم العربية، وقد تم انتقائي بلبنان أنا و"ياسمين حاج ناصر" من طرف كركلا، والكل يعرف وزن كركلا.. فانتقاؤه للأصوات يكون عن قناعة فلا مجاملة هنا.. كما شاركت في المغرب وتحديدا في مهرجان الأغنية العربية، حيث تحصلت على الجائزة الرابعة بأغنية كذاب للفنان الهادي رجب، ولعل أهم مشاركة أعتز بها كثيرا، هي التي وقفت فيها بجانب أميرة الطرب العربي السيدة وردة الجزائرية في ذكرى أول نوفمبر، فحظيت بجائزتين لا تقدران بثمن، الأولى شرف وقوفي الى جانب عملاقة من عمالقة الفن العربي الأصيل بحجم السيدة وردة، والثانية شرف حصولي على جائزة تقديرية من فخامة رئيس الجمهورية شخصيا. - المؤكد أن تخرجك من معهد العلوم الإنسانية بليسانس في علم الاجتماع، والتحاقك بمجال السمعي البصري (التركيب) أفادك بالفعل؟ * لا شك في ذلك، فتأثري بالجانب الاجتماعي الإنساني جعلني لا أنتج إلا أغاني اجتماعية هادفة، أهمها "روح الحياة" و "مازال في الدنيا خير" التي مرت في سهرة الأحلام، وأغاني أخرى من هذا القبيل، وطبعا بما أنني مركبن اغتنمت الفرصة وركبت الأغنيتين على صور تلائم المواضيع التي أديتهان وهكذا أكون بالفعل قد استفدت من دراستي لعلم الاجتماع والتركيب في آن واحد. - ميولاتك كفنان لا تقتصر على الغناء والتركيب فقط، إذ هناك اهتمام بالفن السابع، فهل هذا ما دفع بك إلى للذهاب إلى مهرجان كان السنة الماضية؟ * لدي ميل إلى السينما، وهذا ما جعلني أسافر على نفقاتي الخاصة السنة الماضية لحضور مهرجان كان، ولعل أكبر دافع لتواجدي هناك، كان رغبتي في الاحتكاك بفنانين وممثلين كبار، فالاحتكاك بالنسبة للفنان أمر ضروري يقوي معارفه ويصقل تجاربه وما ينقصنا حقا نحن كفانين جزائريين وحتى كإعلاميين، هو هذا الاحتكاك، ففرص السفر باتت نادرة وأحيانا منعدمة، وأثناء تواجدي هناك أقمت حفلا فنيا نال استحسان العرب والأجانب على حد سواء.. وهذا ما شجعني بالفعل ومنحني دفعا إلى الأمام. - حبك للفن السابع.. واطلاعك الدائم على هذا العالم، ألم يولد لديك رغبة في اقتحام مجال التمثيل؟ * الرغبة موجودة، خاصة إذا كانت هناك عروض جادة، ولم لا؟ - هل من ظهور على الشاشة في هذه الفترة؟ * ظهوري على الشاشة مرهون بالجديد الذي أنا بصدد التحضير له، هناك أغان جديدة تضاف اليها بعض الأغاني القديمة، كما سأعيد بعض أغاني أستاذي عبد الرحمان عزيز كتكريم له وكتذكير بأجمل أغانيه. - ما هي أغلى أمنية لمصطفى محفوظ الفنان؟ * أن أكون سفيرا للأغنية الجزائرية، فتراثنا العريق يزخر بأجمل الأغاني وأروعها، والدليل نجاح موال الاستخبار (الياي ياي) التي سجلته بصوتي (لعلي ولي) فنان ايراني ونال بفضله الجائزة الأولى لأحسن لحن للفيلم الإيراني، وهذا كله على شرف (الياي ياي) الجزائري الأصيل، على شرف تراثنا الجميل الذي لابد من التشبث به، باعتباره كنزا ثمينا وغرسه في نفوس الأجيال الصاعدة كي يبقى حيا لا يموت، وحتى لا ننسى، فمن أضاع قديمه من الصعب أن يجد طريقه... وشكرا لجريدة "المساء" الغراء على الالتفاتة.