ما حاجتنا للمسرح إذا لم يكن جزائريا؟ مقولة اشتهر بها المسرحي الراحل عبد القادر علولة، وهو المشروع الذي اشتغل عليه مدة ثلاثة عقود، إذ اجتهد طويلا للوصول لمسرح يحاكي قضايا الجزائريين ويكشف انشغالاتهم، وذلك مواصلة لما بدأه كاكي في خلق مسرح شعبي يسمى بالحلقة، وكان علولة يعتقد عبر نظرية بريشت في كيفية تطويع التراث الجزائري من أجل تقديم قضايا بمفهوم اجتماعي معاصر. وأكد الباحث والأستاذ بجامعة وهران لخضر منصوري بفضاء “صدى الأقلام”، أول أمس، تعد مسرحية “الأجواد” التي كتبها الراحل عبد القادر علولة وأخرجها سنة 1985، أهم محطة في حياة علولة الثقافية سواء من حيث الإخراج أو الكتابة، بناء على مجموعة من المقومات اختص بها المسرحي الراحل، على غرار جمالية البساطة وقربها من الناس واستنطاق الواقع الاجتماعي وقتئذ. ويكشف منصوري جوانب التجديد التي جاء بها علولة في “الأجواد” من حيث اختيار المواضيع وتناولها بالنقد، باستعانته على تمرير رسائل رمزية في معنى الجود والعطاء، الأمر الذي يجعل من المتلقي يحس باهتزاز ذاتي، فعلولة متمكن في الخطاب السردي الشعري المستمد من الموروث الشعبي الجزائري، وأوضح منصوري أنه كان يعتمد على شورى مختصين كعالم الاجتماع الجزائري محمد جليد الذي كان مهتما بالتراث الشعبي الذي أعطى إضافة ملفتة لنصوص علولة المسرحية. ودعا المتحدث المخرجين الجزائريين إلى إعادة قراءة علولة بحرية وإعادة تجسيدها وفق أفكارهم الخاصة، والخروج من قالبه الشبيه تقنيا بالقوالة، فهذا مكان يريده الراحل بهدف فتح مجالات أخرى من الإبداع من شأنها أن تنور الرأي العام، بالإضافة إلى مواصلة اشتغاله على مسرح يرى بالأذن. وقال ضيف “صدى الأقلام” أنه مختلف تماما مع الذين يرون في عبد القادر علولة يساريا أو شيوعيا أو متوجها نحو أي تيار. مؤكدا أن نصوصه المسرحية تعكس إنسانيته، له مرجعيته الجزائرية التي يعتمد عليها في بناء مسرحياته، وساعده في ذلك كثافة اطلاعه على أمهات الكتب وكلاسيكيات الأدب العالمي والإغريقي على وجه التحديد ومطلعا على تجارب الآخرين، وكل هذه العوامل صنعت مجد علولة. رغم ذلك، اعتبر الباحث لخضر منصوري تجربة علولة في مجالات التمثيل والإخراج والكتابة فتية، ولولا قدر اغتياله لتشكل منه مسرحيا فوق العادة. ولد عبد القادر علولة يوم 8 جويلية 1939 في مدينة الغزوات بولاية تلمسان في غرب الجزائر، ودرس الدراما في فرنسا، وانضم إلى المسرح الوطني الجزائري وساعد على إنشائه في عام 1963 بعد الاستقلال. وكانت أعماله عادة بالعامية الجزائرية والعربية منها “القوَّال” (1980) و«اللثام” (1989) و«الأجواد” (1985)، و«التفاح” (1992) و"أرلوكان خادم السيدين” (1993)، وكان قبل مقتله في يناير 1994 يتهيأ لكتابة مسرحية جديدة بعنوان “العملاق”، ولكن يد الإرهاب الأعمى كانت أسرع عندما أغتيل شهر رمضان في 10 مارس 1994، على يد جماعة مسلحة. لكن شهرة عبد القادر علولة في توظيف شكل الحلقة في مسرحه (وهو رفيق قديم لولد عبد الرحمان كاكي على درب الفن) غطت على كل التجارب الأخرى، لكونه صرف كل جهوده في الأعوام الخمس عشرة الأخيرة من حياته لبناء مسرح مستلهم من “الحلقة” شكلاً وأداء، بعد أن توصل من خلال الممارسة العملية إلى قناعة شخصية أن القالب المسرحي الأرسطي ليس هو الشكل الملائم الذي يستطيع أن يؤدي به رسالته الاجتماعية، في البيئة التي يتعامل معها، وقدم خلالها خمسة أعمال فنية ثرية.