«الجزائر لن تسقط... ونحن مطمئنون بوجود أفراد الجيش لحماية المنشآت"... عبارة رددها عمال في المنشأة الغازية لتيڤنتورين وكلهم إصرار على العمل وبذل كل المجهودات دون كلل، من أجل إعادة تشغيل المجمع الذي توقف منذ الاعتداء الإرهابي الذي تعرض له، أي منذ خمسة عشر يوما... هؤلاء عبروا عن اقتناعهم بأن الأمور ستعود إلى مجراها بعد أربعة أشهر، لكن تبقى هذه المدة نسبية، لم يشأ مسؤولو المنشأة تأكيدها مفضلين القول بأنه "لايمكن تحديد مدة معينة لعودة المصنع إلى إنتاجه الأصلي". في انتظار ذلك فإن مظاهر الاعتداء الارهابي مازالت بادية على الموقع، وهو ما اطلع عليه وفد إعلامي أول أمس في زيارة خاصة إلى إن أمناس. حركة غير عادية عرفها مطار الجزائر الداخلي، صباح الخميس، بتواجد وفد يتكون من حوالي 150 صحفيا جزائريا وأجنبيا جاؤوا محملين بأقلامهم ومسجلاتهم وآلات تصوريهم وكاميراتهم، للتوجه إلى إن أمناس في زيارة خاصة نظمتها وزارة الاتصال. وكان وزير الاتصال، السيد محمد السعيد، حاضرا منذ الصباح الباكر لاستقبال الوفد وكذا توديعه قبل التوجه إلى موقع الاعتداء الارهابي الذي عاشته المنطقة، حيث أشرف شخصيا على ظروف تنقل الوفد حتى مغادرته مع ممثلين عن الوزارة وشركة سوناطراك. وفي الطائرة بدأ العمل بالنسبة لبعض الزملاء الذين شغلوا كاميراتهم لأخذ صور من الجو للصحراء الجزائرية، كما آثر البعض أخذ شهادات لصحفيين أجانب بخصوص أهمية هذه الزيارة من الناحية الاعلامية. فإن أمناس أو "عين الجمال" المدينة الصناعية الهادئة إلا من صوت محركات آبار النفط والغاز، خرجت فجأة من عزلتها وأصبحت عنوان أهم نشرات الأخبار وفي الصفحات الأولى للجرائد والمجلات في كل العالم... وهي اليوم ورغم مرور أسبوعين من الاعتداء الارهابي الذي خلف عدة ضحايا تثير الاهتمام، لان للحديث بها بقية. وتلك هي "البقية" التي أثارت فضول الصحفيين الحاضرين في الزيارة الذين كانوا يتوقون للوصول من أجل معرفة أدق التفاصيل عما حدث، والاقتراب أكثر من فظاعة الاعتداء بالاستماع إلى شهادات من عين المكان. واستقبل الوفد الاعلامي لدى وصوله إلى مطار إن أمناس في حدود الساعة العاشرة صباحا من طرف السلطات المحلية، وعلى رأسهم والي ولاية اليزي الذي رافقه طيلة هذه الزيارة الخاصة، لكنه بالمقابل بدا متحفظا من الادلاء بأي تصريحات، رغم إلحاح بعض الصحفيين لاسيما الأجانب الذين استغلوا ركوبه في إحدى الحافلات التي نقلت الصحفيين إلى مواقع الزيارة، من أجل افتكاك تصريحات ليس فقط عن الاعتداء ولكن حتى عن حادثة اختطافه منذ عام. ومن المطار إلى قاعدة الحياة بتيقنتورين -أول محطة في الزيارة- على بعد حوالي 60 كلم كانت أعين الجميع مشدودة لكل التفاصيل...هنا تتوزع الكثير من المنشآت الصناعية ومقرات بعض الشركات العاملة بالمدينة، لكن الكثبان الرملية تحجب النظر عموما، وعند الاقتراب من القاعدة لا آثار بادية تدل على حدوث شيء ما. لكن الحواجز الأمنية كانت تشير إلى أهمية الموقع الذي نحن بصدد زيارته -وهو أمر جد عاد- إلا أن علامات وقوع الاعتداء بدت في مرابطة عناصر الجيش الوطني الشعبي خارج قاعدة الحياة التي كانت أول مسرح للعملية الارهابية المتعددة الجنسيات. تهافت المصورون بمجرد وصول الحافلات إلى القاعدة لأخذ أولى الصور، ونزل الصحفيون للبحث عن مصادر المعلومات...لم يكن الأمر سهلا بالنظر إلى عددهم الكبير، إلا أن السيد كمال الدين شيخي المدير التنفيذي للمجمع الغازي استهل الزيارة بشبه ندوة صحفية أعلن فيها عن البرنامج، داعيا الصحفيين إلى الالتزام بقواعد الأمن لاسيما خلال زيارة المصنع في المحطة الثانية.
لطفي بن عدودة... الشاهد على كل شيء وبعدها فتح المجال للسيد لطفي بن عدودة الذي كان بمثابة "الكنز" بالنسبة للاعلاميين لأنه "الشاهد الذي رأى كل شيء" في الهجوم الارهابي الذي استهدف قاعدة الحياة... تحدث السيد بن عدودة -وهو المدير العام للشراكة بين سوناطراك وبريتيش بيتروليوم وستاتويل ممثلا للأولى- عن كل شيء وبكل اللغات، رغم أن الأمر لم يكن سهلا بالنسبة له، وهو ماردده في الكثير من الأحيان عندما قال "صعب علي استذكار ماحدث...لقد رأيت نظرات زملائي الذين عملت معهم طيلة سنوات وهم مقيدون بالمتفجرات...لقد فقدت بعض من كانوا رفقائي". واختار المتحدث أن يتوسط جموع الصحفيين لبدء روايته منبها إلى أنه "لايملك كل التفاصيل...ولكل قصة يمكن أن يحكيها" وهو يقصد طبعا من عاشوا الحدث. وهذه الرواية على لسانه "انقسم الارهابيون إلى ثلاث مجموعات، إحداها توجهت إلى قاعدة الحياة التي كنت بها، وكانت تضم 12 إرهابيا...دخلت على الساعة الخامسة والنصف، كنت أول من تم إلقاء القبض عليه، إلا أنهم كانوا يجهلون أنني المدير، كان هدفهم هو البناية التي تتواجد بها الشخصيات المهمة، وكان هناك اجتماع لمسؤولي المجموعة الأجانب ومعهم ثلاثة ضيوف أجانب... كان هدفهم القبض على الأجانب الذين قيدوهم وهم واقفون في ساحة القاعدة بعد أن تم ربطهم بمتفجرات... بعد ساعتين علموا أنني المدير فطلبوا مني إيصال مطالبهم إلى السلطات ومنها إطلاق بعض السجناء وإفساح المجال لهم من أجل الخروج والتوجه إلى شمال مالي...طيلة الأربعاء كنا هنا بالساحة وتم جمع الجزائريين في مكان واحد.. وكان باديا أنهم تخوفوا من احتمال وقوع هجوم عليهم فاستعملونا كدروع بشرية... ويجب القول أنه كان هناك خطر محتمل في أن يأخذوا رهائن ويفروا ليلة الأربعاء". ويروي المتحدث كيف تغيرت استراتيجية الإرهابيين صباح الخميس قائلا "في صباح الخميس لاحظنا تغيرا في تعاملهم إذ أصبحوا أكثر عنفا لأنهم تأكدوا أنهم لن يستطيعوا الخروج، وفي الساعة التاسعة والنصف تم تقسيم الأجانب إلى فوجين وطلبوا منا سيارات ووقودا وأغذية، وكان هدفهم هو التوجه إلى المصنع...وعلى العاشرة بدأ الجيش يطلق النار لتفريق الموجودين فقرر الجزائريون الركض نحو البوابة، ولاحظت أن أمير المجموعة المدعو طاهر قد جرح... وعاش الجميع حالة من الذعر". وحسب السيد بن عدودة فإن الارهابيين كانوا مكشوفي الأوجه وكانوا متأكدين من إمكانية الخروج، كما أشار إلى أنهم كانوا يملكون معلومات وتفاصيل كثيرة عن القاعدة، وان هدفهم الأول كان احتجاز رهائن فرنسيين وبريطانيين وأمريكيين، وقال إن أحد الارهابيين الذي كان يتحدث باللهجة المصرية ضربه مرتين إحداهما بسبب إدلائه بتصريحات لاحدى القنوات... ولم يتردد في القول أنه رأى "أشياء فظيعة" من الصعب عليه الحديث عنها.
المصنع... آثار للاعتداء وعزيمة لعودة الإنتاج في أقرب الآجال لكنه تطرق إليها عندما وصلنا إلى المصنع الذي يقع على بعد حوالي 3 كلم عن قاعدة الحياة...وبين الموقعين بدت آثار الاعتداء الارهابي لاسيما على السيارات المفحمة التي كانت مركونة في إحدى الزوايا في الطريق المؤدي إلى منشأة تيقنتورين أو "تيجنتورين" كما ينطقها سكان المنطقة ومعناها "الشعاب". في مدخل المصنع يرابط كذلك أفراد من الجيش الوطني الشعبي لحماية هذه المنشأة المهمة التي تحتوي على ثلاث وحدات، اثنتان منها تعرضتا لأضرار فيما توجد الوحدة الثالثة في وضع جيد يؤهلها لأن تبدأ في الاشتغال في غضون بضع أيام، لتضمن ثلث إنتاج المصنع. هذا ما أكده أغلب العمال الذين تحدثنا إليهم في عين المكان والذين بدوا جد متحمسين ومصرين على استكمال عملية التفتيش وصيانة الوحدات المتضررة لاسيما الوحدة الأولى التي تعرضت إلى انفجار بواسطة سيارة مفخخة فجرت ليلة الخميس-حسب بن عدودة-. وفي لقاء ثان مع الصحفيين قال السيد كمال الدين شيخي أن هناك أكثر من مائة عامل في المنشأة لاستكمال عملية التفتيش والتأكد من "أن كل شيء على مايرام"، مشيرا إلى وجود ثلاث وحدات أكثرها تضررا من العملية هي الأولى التي بدت عليها آثار الانفجار. واعتبر أنه "لايمكن الحديث عن وقت محدد لعودة الانتاج" وأن أمن المصنع هو أولوية والأشغال سارية لتصليح كل الأضرار، مؤكدا أن الأخير توقف تماما منذ الاعتداء. وبالرغم من وجود عمال في المنشأة، فإن كل الصحفيين عادوا ليلتفوا حول السيد بن عدودة الذي لم يتوقف عن التصريح لهذا وذاك، منتقلا من الفرنسية إلى العربية مرروا بالانجليزية، للرد عن أسئلة كثيرة للصحفيين الراغبين في معرفة أدق لماحدث...وحتى وإن ألح عليهم بالحديث عن المصنع وجهود العمال، فإنه لم يتمكن من الفرار من أسئلة تعيده في كل مرة إلى وقائع الاعتداء. والملفت للانتباه أن الصحفيين الأجانب وكان عدد معتبر منهم من اليابان، جاؤوا يستفسرون عما حدث لرعايا بلدانهم وبأدق التفاصيل، وباعترافهم فإنهم جاؤوا لإن أمناس من أجل الاقتراب أكثر من حقيقة ماحدث لرهائن بلدانهم، ولعل شعارهم في ذلك أن "الحقيقة يمكن هضمها حتى ولو كانت مرة". مبعوثة "المساء" إلى تيقنتورين: حنان حيمر